الفلسطينيون يرحبون بتصريحات المدعية العامة للجنائية الدولية

وسط هجوم إسرائيلي عليها واتهامها بالتحيز للدول الإسلامية

المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا
المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا
TT

الفلسطينيون يرحبون بتصريحات المدعية العامة للجنائية الدولية

المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا
المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا

في وقت هاجمت فيه الحكومة الإسرائيلية المدعية العامة للجنائية الدولية، فاتو بنسودا، على تصريحاتها التي أعادت التأكيد فيها على اختصاص المحكمة بالتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رحبت القيادة الفلسطينية بالتصريحات وعدتها «صحيحة شجاعة، كونها تواجه إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى شككت في صلاحية المحكمة على الأراضي الفلسطينية، عادة أنها ليست أراضي محتلة».
وقال رئيس اللجنة الوطنية المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، صائب عريقات، إن تقرير بنسودا شجاع مسؤول يدل على التزامها بإحقاق العدالة التي قامت من أجلهما المحكمة. وأضاف: «أكدت بنسودا اليوم في تقريرها إلى المحكمة التمهيدية أنها نظرت بعناية في ملاحظات المشاركين، ولا تزال ترى أن للمحكمة اختصاصاً على الأرض الفلسطينية المحتلة، وتطلب من الدائرة التمهيدية أن تؤكد المنطقة التي يجوز للمحكمة أن تمارس عليها اختصاصها، بموجب المادة 12 (2) أ، وتشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. إن وصول فلسطين إلى هذه المرحلة يبعث برسالة أمل لشعبنا بقرب فتح التحقيق الجنائي ضد المسؤولين الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة في ضوء عزم حكومة اليمين المتطرف ضم أجزاء كبرى من الضفة الغربية والمستوطنات، وفرض مشروع إسرائيل الكبرى، بالتنسيق والتعاون الكامل مع إدارة ترمب، في محاولة لتدمير الشرعية الدولية، وخلق نظام دولي جديد يستند إلى سيطرة القوة والأحادية».
وشكر عريقات كل الدول والمؤسسات والأفراد من الخبراء والقانونيين والأكاديميين الذين شاركوا من جميع أنحاء العالم في المداولات التي تتعلق بالاختصاص الإقليمي، وأكدوا انطباقه على دولة فلسطين، وحقها في المساءلة ونيل العدالة، ودعا الدائرة التمهيدية في المحكمة إلى اتخاذ قرارها على وجه السرعة، بعد تسلمها رد بنسودا، من أجل إنهاء الدراسة الأولية، والتحرك فوراً لإجراء التحقيق.
وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قد أكدت مجدداً أن للمحكمة صلاحية على الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وغزة، وللسلطة الفلسطينية حق في التوجه إلى المحكمة، كونها دولة تعترف بها الأمم المتحدة وغالبية دول العالم. وقالت بنسودا، في تقرير من 60 صفحة: «نظرت النيابة بعناية في ملاحظات المشاركين، وما زالت ترى أن للمحكمة اختصاصاً على الأرض الفلسطينية المحتلة. إنها تطلب باحترام من الدائرة التمهيدية الأولى التأكيد على أن الأراضي التي يجوز للمحكمة ممارسة اختصاصها فيها تشمل قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية». وجددت المدعية العامة التأكيد على وجود أساس معقول لبدء التحقيق في الوضع الفلسطيني.
ومن جانبه، رد وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، المسؤول في حكومته عن «ملف مقاطعة إسرائيل، والعلاقة مع المحكمة الدولية»، بأن تصريحات بنسودا مجافية للعدل، وتتسم بالتحيز، وتتناقض مع مواقف العشرات من كبار المتخصصين في القانون الدولي. وأضاف: «لقد أطلعناها على وجهات نظر قانونية موضوعية تؤكد أنه لا يوجد للفلسطينيين حق في التوجه للمحكمة لأنه لا توجد لهم دولة، وأنه لا توجد للمحكمة صلاحية، ولكن المدعية تصر على عنادها. وهذا ليس صدفة، فهي موالية للدول الإسلامية».
ورد عريقات على شتاينتس بالقول إن «إسرائيل اعتادت طيلة حقب طويلة من الزمن على الإفلات من العقاب. ونحن نأمل أن تعيد بنسودا والمحكمة الثقة بمنظومة العدالة وحقوق الإنسان، وردع مرتكبي الجرائم، والانتصاف للضحايا، وصولاً إلى تحقيق العدالة الناجزة». وأضاف أن أي تأخير في فتح التحقيق ومحاسبة المجرمين يكلف شعبنا والمنطقة بأكملها أثماناً خطيرة، ودعا المجتمع الدولي إلى تعزيز آليات المحاسبة والمساءلة لسلطة الاحتلال، وتذكيرهم بالتزاماتهم تجاه إنفاذ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم