روسيا ترفض ضغوطاً غربية لفتح معبر بين سوريا والعراق

«الصحة العالمية» تسحب مطالبتها بتشغيل بوابة اليعربية لنقل مساعدات إلى سوريا

TT

روسيا ترفض ضغوطاً غربية لفتح معبر بين سوريا والعراق

جدد مسؤولون دوليون ودبلوماسيون غربيون ضغوطهم في مجلس الأمن من أجل إعادة السماح بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، في ظل زيادة المخاوف من «مأساة» يمكن أن تحصل مع تفشي وباء «كوفيد 19»، ومن المزيد من التجاذبات بعدما سحبت منظمة الصحة العالمية مطالبتها المجلس بـ«السماح بشكل عاجل» باستخدام معبر اليعربية على الحدود مع العراق لإيصال الإمدادات الضرورية.
وكان أعضاء المجلس تلقوا مسودة مذكرة من منظمة الصحة العالمية تفيد بأن منظمات الغوث تريد منهم السماح بشكل عاجل باستخدام معبر اليعربية مجدداً لتسليم الإمدادات للمساعدة في مكافحة «كورونا»، غير أن نسخة محدثة من المذكرة، حذفت المناشدة المباشرة بإعادة فتح معبر اليعربية بعد نحو أربعة أشهر من توقف استخدامه في عمليات الأمم المتحدة بسبب معارضة روسيا والصين. وأفادت المذكرة المحدثة بأن التأثير الحقيقي لفيروس «كورونا» في سوريا يمكن أن يكون «كارثياً حقاً». وكانت المسودة الأصلية لمذكرة منظمة الصحة تفيد بأن شركاء الأمم المتحدة «يقترحون إعادة فتح معبر اليعربية على وجه الاستعجال. سيكون لهذا تأثير كبير على التعامل مع مرض (كوفيد 19) في شمال شرقي سوريا». أما المسودة المحدثة فنصت بدلاً من ذلك على أن «هناك حاجة إلى خيارات جديدة» لإحلال المساعدات التي كانت تسلم عبر العراق، مضيفة أنه لا يمكن توسيع عمليات الشحن عبر خطوط الصراع في البلاد بما يكفي لتلبية الحاجات في شمال شرقي سوريا.
وحصل ذلك بالتزامن مع جلسة لمجلس الأمن في نيويورك عبر الفيديو حول الأوضاع الإنسانية في سوريا. وقالت فيها المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت إن بلادها «تشعر بقلق عميق» من انتشار «كوفيد 19» في سوريا، لأن الفيروس «يضاعف الدمار الناجم عن الأزمة الإنسانية». وأضافت أن «عجز هذا المجلس عن إبقاء معبر اليعربية مفتوحاً إلى سوريا بموجب القرار 2504 (...) أدى إلى فقدان 40 في المائة من المعدات واللوازم الطبية» في شمال غربي سوريا وشمال شرقها. وإذ طالبت المجلس بـ«النظر الفوري في كيفية تسهيل المساعدة عبر الحدود إلى كل سوريا، بغض النظر عمن يسيطر على المنطقة»، تحدثت عما وصفته بـ«حملة التضليل التي يقوم بها نظام الأسد وحلفاؤه الذين يزعمون كذباً أن العقوبات الأميركية هي السبب الرئيسي لعدم قدرة النظام على الرد على (كوفيد 19)»، مؤكدة أن «النظام، بدعم من حلفائه، لا يسمح للمساعدات بالوصول إلى المناطق التي لا يسيطر عليها». وشددت على أن برنامج عقوبات إدارة ترمب في سوريا «لا يستهدف توفير السلع الإنسانية، بما في ذلك الأدوية والإمدادات الطبية والمواد الغذائية لسوريا». ورأت أنه «إذا لم تصل المساعدة الإنسانية إلى الشعب السوري، فذلك ببساطة لأن نظام الأسد اختار منع توصيله - ليس بسبب سياسة الولايات المتحدة»، مؤكدة أن «عقوباتنا ستبقى سارية حتى يتخذ أولئك الجناة والمستفيدون من النزاع خطوات لا رجعة فيها لتلبية تطلعات الشعب السوري على النحو المبين في القرار 2254». وكررت استعداد الولايات المتحدة للعمل مع أعضاء المجلس «لاستكشاف خيارات زيادة المساعدة عبر الحدود إلى سوريا، بما في ذلك استخدام اليعربية».
وكان مجلس الأمن أجاز سنوياً تسليم المساعدات من خلال المعبر على مدى السنوات الست الماضية، لكنه توقف عن إصدار الموافقة في يناير (كانون الثاني) بسبب معارضة روسيا، بدعم من الصين.
وقال المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا إنه حض أعضاء المجلس «بقوة على ألا يضيعوا وقتهم في البحث عن سبيل للدفاع، بشكل صريح أو ضمني، عن العودة الى استخدام اليعربية».
وردد المندوبون الغربيون تحذيرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك في الجلسة ذاتها من «مأساة» يمكن أن تحصل في سوريا إذا تفشى وباء «كوفيد 19» على نطاق واسع فيها. وقال لوكوك: «لا يمكن أن نتوقع من نظام رعاية صحية دمرته الحرب، خلال نحو عقد من الزمان، أن يتعامل مع أزمة تتحدى حتى أغنى الدول»، مضيفاً أنه «لا يمكننا أن نتوقع نجاح تدابير التخفيف حيث يتشرد الملايين في ظروف مزدحمة، من دون صرف صحي مناسب، وعدم وجود أصول أو شبكة أمان». وإذ أشار إلى «زيادة متواضعة» في القدرة على إجراء الفحوصات، أكد أنها لا تزال «غير كافية إلى حد كبير»، معتبراً أنها «أولوية إنسانية». ورأى أن «انتشار (كوفيد 19) فاقم من تأثير الأزمة الاقتصادية الحادة»، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي بأكثر من مائة في المائة. وأفاد بأنه على رغم وقف النار، «لا يزال الوضع الإنساني في الشمال الغربي كئيباً كما كان في أي وقت مضى». بل إن هناك «مستويات مثيرة للقلق» من التقزم وسوء التغذية بين النساء الحوامل والمرضعات. وشدد على أنه «يستحيل الحفاظ على حجم ونطاق المساعدة في الشمال الغربي دون عملية عبر الحدود لأنه لا يوجد بديل».
وتثير خطوة منظمة الصحة العالمية احتمال تأجيج الانتقادات من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمنظمة الصحة العالمية، علماً بأن ترمب كان أوقف التمويل الأميركي للمنظمة بدعوى أنها «تركز أكثر من اللازم» على الصين.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.