مثل عديد من الدول، وإلى جانب الخسائر للمعروفة والمتعلقة بعدد الموتى والإصابات والخسائر الاقتصادية الفادحة، حققت إسرائيل مكاسب غير قليلة من أزمة «كورونا». ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حقق مكاسب. لكن، في الوقت ذاته، كان بإمكان إسرائيل أن تحقق مكاسب أكبر، على مستويات استراتيجية. ولم تفعل. والسبب أن صاحب القرار فيها، يدير معركة شخصية كبيرة، خسارته فيها قد تودي به إلى السجن. ولذلك، يحتفظ بـ«صندوق الأرباح» لنفسه. ولا يسمح بضم شركاء لتقاسم الربح معه، حتى لو كان هؤلاء الشركاء هي الدولة العبرية نفسها.
لقد دهم الوباء إسرائيل، وهي تعيش أكبر أزمة سياسية في تاريخها. فهي تدار بواسطة حكومة مؤقتة انتقالية منذ مطلع سنة 2019. لقد جرت فيها 3 معارك انتخابية ولم يتمكن الرجل الأقوى فيها، نتنياهو، ولا أي حزب أن يشكل حكومة. فمن مجموع 120 نائبا في الكنيست (البرلمان)، حصل تحالف أحزاب اليمين على 60 نائبا في انتخابات أبريل (نيسان) 2019. وهبط إلى 56 نائبا في الانتخابات المعادة في سبتمبر (أيلول) 2019 ثم ارتفع إلى 58 نائبا في انتخابات أبريل 2020. لكن رئيسه بنيامين نتنياهو استغل أزمة «كورونا» حتى النهاية وجعلها آفة هلع للمواطنين وحذر من أن عدد الإصابات فيها قد يصل إلى مليون إصابة (عدد الإصابات اليوم هو حوالي 16 ألفا) وعدد الوفيات قد يصل إلى 10 آلاف (220 اليوم). وتمكن من فرض حالة طوارئ. ودفع خصمه بيني غانتس، الجنرال رئيس «حزب الجنرالات»، الذي دخل السياسة لهدف أساسي هو الإطاحة بنتنياهو، إلى الاتفاق معه على حكومة تضمن له الرئاسة لسنة ونصف السنة القادمة.
وبالإضافة إلى هذا المكسب، يرى اليمين السياسي الإسرائيلي في «كورونا» فرصة لتحقيق مجموعة من المكاسب الإقليمية:
- الجبهة الشمالية
في بداية أزمة «كورونا»، كانت إسرائيل تدير معركة متشعبة ضد نفوذ إيران في سوريا ولبنان هدفها المعلن هو لجم خطة طهران للتموضع في سوريا، ومنع إيران من إقامة خط تحرك من طهران حتى البحر المتوسط، عبر أراضي العراق وسوريا، ومنع نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان ومنع إقامة مصانع لتدقيق الصواريخ ومنع إقامة قواعد للميليشيات التابعة لإيران في الجنوب السوري القريب من الحدود مع إسرائيل. أخذت من الوباء فرصة للانتقال إلى مرحلة أعلى، هي طرد الإيرانيين تماما من سوريا، في رفع لسقف «الخطوط الحمراء». وقد عبر عن ذلك وزير الدفاع، نفتالي بنيت، قبل ساعات من عملية القصف الإسرائيلي الأخيرة في سوريا، يوم 27 أبريل (نيسان) 2020. إذ قال، خلال لقاء عقده مع عدد من مساعديه لتلخيص نشاطات الجيش في مكافحة كورونا: «نحن لا نواصل لجم نشاطات التموضع الإيراني في سوريا وحسب، بل انتقلنا بشكل حاد من اللجم إلى الطرد. أقصد طرد إيران من سوريا. فالجيش عندنا، جنبا إلى جنب مع نشاطه في مكافحة كورونا، لا ينام ولا يهدأ بل ينفذ عمليات أضخم بكثير من الماضي وبوتيرة أعلى بكثير من الماضي. وهو يحقق النجاحات في ذلك». وحسب مقربين من الجيش، فإن إسرائيل ترى أن إيران مشغولة، بل غارقة، في معالجة نتائج انتشار كورونا ومعالجة أزمة اقتصادية كبيرة ناجمة عن تقليص أسعار النفط. وهذه فرصة لتوجيه ضربة أو عدة ضربات لها في مستويات أخرى، مثل حملها على التنازل عن مخطط التسلح النووي ومخطط تطوير الصواريخ الباليستية.
- الضفة الغربية
لقد اعتبر اليمين الإسرائيلي وأصحاب المصالح المرتبطة به ظروف انتشار الوباء فرصة لضم مناطق في الضفة الغربية إلى إسرائيل وفرض السيادة عليها، وبضمنها أراضي المستوطنات ومنطقتا غور الأردن وشمالي البحر الميت. وحسب نائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، أودي ديكل، فإن اليمين الإسرائيلي يرى أنه، في ظل ظروف «كورونا»، وطالما كان دونالد ترمب يشغل منصب الرئيس الأميركي، ويسعى إلى ترك بصمته على التاريخ، وفي الوقت الذي ينشغل فيه قادة العالم بمواجهة الفيروس، تملك إسرائيل فرصة، لم يسبق لها مثيل، وربما لن تتكرر في المستقبل القريب، لتطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات. ومع أن ديكل يعارض فكرة اليمين ويحذر من عقباها، إلا أنه يرى أن اليمين الحاكم سيمضي بها.
- «حماس»
من المعروف أن إسرائيل وحكومة «حماس» في قطاع غزة تقيمان علاقات قبل «كورونا»، وتوجد بينهما عدة اتفاقيات هدنة، بلغت حد أن تمتنع «حماس» عن التدخل في مواجهات بين إسرائيل و«الجهاد الإسلامي». إسرائيل بقيادة اليمين تؤكد صراحة أن هذه العلاقات تعزز الانقسام الفلسطيني. وطالما بقي هذا الانقسام فإن شركاءها في اتفاقيات أوسلو، السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ستكونان ضعيفتين وستكون ضعيفة مثلهما الضغوط الدولية على إسرائيل لتطبيق بقية بنود أوسلو والتقدم في عملية السلام. بعد «كورونا» شهد هذا الاتجاه زحما جديدا. واليوم يجري الحديث عن تقدم جدي في المفاوضات لإبرام صفقة، تطلق فيها حماس الأسرى الإسرائيليين الأربعة (إسرائيل تعتقد بأن اثنين منهم جنديان ميتان)، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين وتقديم إسرائيل مساعدات طبية كبيرة تعين حماس على مواجهة خطر انتشار فيروس كورونا.