بن جعفر لـ («الشرق الأوسط»): نجحت رئيسا للبرلمان.. والترويكا أوصلت تونس لبر الأمان

أكد أن الاستقطاب الثنائي والمال السياسي يشكلان خطرا على الانتخابات

مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان التونسي
مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان التونسي
TT

بن جعفر لـ («الشرق الأوسط»): نجحت رئيسا للبرلمان.. والترويكا أوصلت تونس لبر الأمان

مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان التونسي
مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان التونسي

قال مصطفى بن جعفر، رئيس البرلمان التونسي (المجلس الوطني التأسيسي) وأحد المرشحين للانتخابات الرئاسية التي تشهدها تونس الأحد المقبل، إنه نجح رئيسا للبرلمان بفضل حسن إدارته للأزمات التي شهدها المجلس في السنوات الـ3 الماضية، كما أكد لـ«الشرق الأوسط» أن حكومة الترويكا التي كان حزبه (التكتل) جزءا منها إلى جانب حركة «النهضة» وحزب «المؤتمر»، الذي كان يترأسه المنصف المرزوقي، نجحت في إيصال تونس إلى بر النجاة.
وحول الانتخابات الرئاسية الحالية انتقد بن جعفر بشدة ما وصفه بـ«خطر» المال السياسي، وشيطنة الآخر الذي اعتبر أنها قد تؤدي لعواقب أمنية خطيرة، مثل تقسيم المجتمع إلى قسمين، وقال إن على المرشحين التركيز على أولويات وحاجيات البلاد، وأهمها، حسب رأيه، المشكلات الاجتماعية والبطالة التي تعد الهم الأول للمواطن التونسي.
«الشرق الأوسط» التقت رئيس البرلمان التونسي والمرشح للرئاسة مصطفى بن جعفر في تونس، وكان لها معه هذا الحوار:
* ما الأولويات التي تحتاج إليها تونس اليوم حسب رأيكم؟
- تونس تحتاج اليوم إلى لم شملها والخروج من الانقسامات المفتعلة، لأن الدستور حل المشكلات التي كانت تبدو عويصة ووقع استغلالها إلى أبعد الحدود: مسألة الهوية، وضمان الحريات، واستقلالية المؤسسات التي ستؤسس للحرية، لكن تبقى المسألة الرئيسة هي المشكلات الاجتماعية التي أعتبرها التحدي الأكبر، لأنها تشكل تطلعات المواطنين على كل المستويات، وخاصة الطبقة الوسطى والفقيرة، ولأنها تمس شرائح من المجتمع التونسي. الناس ينتظرون حلولا لهذه المسائل، بعد أن اطمأنوا على مسألة الحريات، ويمكن ضمان التقدم في هذا الاتجاه إذا وفقنا في جمع صفوفنا، والاتفاق على استراتيجية للتقسيم لتوظيفها والاستفادة منها انتخابيا.
* طرحت في هذه الفترة، وخاصة في الحملة الرئاسية، ظاهرة الاستقطاب الثنائي، التي أثارت جدلا بين المرشحين ومختلف الأطياف السياسية في تونس، وأنتم شخصيا تحدثتم عنها في أكثر من مناسبة، ما المشكل في الاستقطاب الثنائي؟
- الاستقطاب الثنائي ظاهرة تكونت وبدت سطحية، لأن شقا من الأطراف السياسية اعتبر واقتنع وعمل على إقناع الشعب التونسي اليوم بأن هناك خطر العودة إلى العصور البدائية.. وهذا خطر افتراضي وغير حقيقي إطلاقا، والغاية منه جلب الأصوات، ورأينا نتيجة تجربة ذلك في الانتخابات النيابية، حيث فاز حزبان أحدهما يتقدم نسبيا على الثاني، وبقية الأحزاب والعائلات الفكرية والسياسية، التقدمية منها والمعتدلة أو الاجتماعية، محيت تماما من الخريطة السياسية، أو بقي بعضها لكن بتمثيل ضعيف جدا. وهذا يشكل خطرا بالنسبة للتوازنات الاجتماعية وللاستقرار في البلاد، والطبقة المعتدلة التي تؤمن بالإسلام المستنير وتريد مواطن الشغل المضمونة، هي التي تمثل فعليا الأغلبية الساحقة في المجتمع التونسي، وهي مغيبة كليا في الانتخابات، لأن الذي حكم هو التصويت على الخوف، بمعنى التخويف من الآخر، حيث استعمل هذا الأسلوب في الانتخابات التشريعية الشهر الماضي، وهو يستعمل الآن في سباق الرئاسيات، وهو أسلوب ملخصه أنه «إذا لم تصوت لي فإنك تصوت للشيطان».
* تتردد في تونس اليوم عبارة «التصويت المفيد»، وهذا شيء جديد لم يشهده العالم العربي من قبل، ولا تشهده الدول الغربية الحديثة أيضا.. لماذا التوجه إلى هذا الخيار؟ أو لماذا يتم توجيه الشعب في هذا الاتجاه؟
- لأن الديمقراطية في تونس في بدايتها، وبدا أنه من مصلحة البعض التوجه في هذا الاتجاه، وخطر استعمال التصويت المفيد أضر ببعض الأحزاب التي كانت في حكومة الترويكا مثلا، مثل حزب التكتل (الحزب الذي تزعمه بن جعفر قبل الوصول لرئاسة البرلمان ووصل للمشاركة في الحكم بفوز حزبه في انتخابات تونس 2011)، والتي تراجعت بشكل كبير في انتخابات الشهر الماضي.
* ألا ترى أن استعمال طريقة «التصويت المفيد» ستؤدي بالتأكيد إلى تقسيم الخريطة السياسية إلى قوتين كبيرتين، وبالتالي سينعكس هذا على المجتمع التونسي الذي سينقسم إلى قوتين: واحدة ليبرالية أو علمانية وأخرى إسلامية؟
- هذا الانقسام موجود في البلدان الديمقراطية العريقة، لكن على أساس برامج ومشاريع، لكن في تونس ليس موجودا على أساس برامج ومشاريع، بل على أساس التخويف من الآخر، بمعنى كأنه تهديد أو تحذير شديد اللهجة مفاده: إذا لم تصوت لي فإنك ستأخذ البلاد نحو الكارثة، وهذا خطر.
الآن إذا وجدت نقاشا مثلا بين حزب المحافظين في بريطانيا وحزب العمال فإنه يكون حول البرامج، والبرامج البديلة، وإمكانيات تفعيلها، لكن ليس هناك خطاب تخويف من الآخر لدرجة أن تتحول الأمور إلى حرب أهلية.
* ذكرتم في المؤتمر الصحافي الذي عقد أول من أمس في تونس أنكم لن تغضبوا حركة «النهضة»، ولا حزب «نداء تونس»، وكأن في خطابكم هذا طلب ودهم والبحث عن رضاهم؟
- لا، أنا لم أقصد هذا بشكل مباشر، لكن ما أردت قوله هو أني سأجمع بين الحزبين إذا وصلت للرئاسة، وأنا لم أقصد أني أتوجه للأحزاب، لكن أردت القول إني منفتح لمؤيدي الحزبين، ولا أريد التصادم مع أي طرف كان، وقد سبق أن أثبت هذا في تجربة التصويت على الدستور، ولكم أن تتساءلوا كيف نجحت بوصفي رئيس برلمان في جمع توافق 200 صوت صوتوا لصالح الدستور التونسي. فكيف فعلت ذلك؟ هل سحرتهم؟ بالتأكيد لا، أنا نجحت في جمعهم بإدارة نقاشات بيننا، ولجنة التوافقات عقدت 50 جلسة للتوصل لتوافقات، وفي آخر الأمر صادقنا على الدستور بهذه النسبة التي تكاد تكون إجماعا.
الأسلوب نفسها والطريقة نفسها، وإقامة جلسات عمل ونقاش، هذا ما أطمح إليه في منصبي إذا توصلت للرئاسة، أنا أرى أنه ليس من المصلحة تقسيم التونسيين، بل أرى في هذا خطرا يهدد مصلحتهم، ويهدد حتى الاستقرار الاجتماعي ككل.
* بدأ في تونس جدل كبير خلال الانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي حول ظاهرة المال السياسي، وأصبحت الظاهرة أكثر انتشارا في الحملة الانتخابية الرئاسية. هل هذا يعني أنه من السهل شراء التونسي؟
- لا.. مرة أخرى أؤكد أننا ما زلنا في الخطوات الأولى للديمقراطية، التي ما زالت بعيدة عن ثقافة التونسيين، ونحن ما زلنا في بداية الممارسات، صحيح أننا عشنا التجربة في انتخابات 2011 في السياسة، لكن كانت تجربة مختلفة لأن الاستقطاب السياسي وفكرة الانقسام لم تتبلور بالقوة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، كما أن الجماهير لم تكن تتمتع بالتكوين السياسي من قبل، وكذلك الشرائح الكبيرة الفقيرة، وكان هناك نحو 700 ألف من الشبان نصفهم من حاملي الشهادات في حالة بطالة، وهذا الوضع الهش فتح المجال لمثل هذه الممارسات الغريبة. لكن اللوم ليس على الشعب الذي يبيع صوته.. اللوم الحقيقي يقع على من يعرض أموالا لشراء الأصوات، وعلى الذين يمتلكون أيضا آليات الترغيب والترهيب، وهنا يأتي دور المؤسسات المشرفة على سير الانتخابات، مثل الهيئة العليا للانتخابات للقيام بدورها، والتشهير بهؤلاء، وكذلك الاستفادة من هذه التجربة لتدارك الثغرات القانونية التي فتحت المجال لمثل هذه الممارسات، ولا أرى حلولا أو خيارات أخرى.
لقد قبلنا بأن البناء الديمقراطي يتطلب قاعدة متينة، لكن ذلك يتم بتدرج، وهذه من أهم الدوافع التي دفعتني للترشح للرئاسة، لأني مقتنع بأن من يكون على رأس الدولة يجب أن يتمتع بروح الديمقراطية وفهم متطلبات المسار، وليست الأمور مجرد شكليات، بل هي أخلاق وثقافة وممارسة.
* من خلال تجربتكم في البرلمان التونسي وكجزء رئيس في حكومة الترويكا، ما أهم الصعوبات التي واجهت عملكم بوصفكم حكومة تشاركية؟
- المناخ العام الذي خلق لم يكن جيدا، وليس ذلك بسبب وجود المعارضة أو عملها، فعلى العكس من ذلك هذا صحي ومطلوب، لكني أتحدث عمن حاولوا شيطنة الآخر، فالترويكا تعرضت لعملية شيطنة، وهذا ما أربك عملها، والنتيجة كانت حدوث التوترات التي بلغت أشدها في صيف 2013 مباشرة بعد اغتيال الحاج محمد البراهمي، وهو زميل ونائب في البرلمان من نواب الشعب، وهذه المشكلة الأساسية التي جعلتنا نعمل بشكل متقطع ومن دون استرسال. لقد مررنا بفترات كانت تهدد حتى استقرار المؤسسة (البرلمان)، حيث طالب عدد من النواب بحل المجلس الوطني التأسيسي، وصمدنا ثم انتبهنا إلى أن التوتر سيؤدي إلى التصادم، وقد علقت أعمال المجلس لنحو شهر، ثم رجعنا بشكل تدريجي للعمل، وخلال ذلك الشهر حاولنا فتح قنوات حوار بين الأطراف المتنازعة، وأنقذنا تونس من السيناريو المصري، ومن أزمة كبيرة كان من الممكن أن تقضي على المسار الديمقراطي برمته.
* يبدو من كلامكم أن المشكل لم يكن داخل أطراف الترويكا وفيما بينكم، لكن كان من أطراف خارجية.
- بالطبع، المشكل الأساسي من الخارج، وكل شيء نسبي، والمحاسبة في السياسة تكون بالنتائج، واليوم يمكن القول إن تونس نجحت في المرور من هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة جدا في تاريخ الشعوب بأقل التكاليف، وهذا توصلنا إليه لأننا حققنا نسبة من الانسجام في الفريق الحكومي، ثم لأن «النهضة» وهو الحزب الأقوى في الفريق الحكومي قام في وقت من الأوقات بتقييم الوضع بحكمة، مما دفعه للتخلي عن الحكومة لصالح التكنوقراط، وهذا شيء غير عادي، رغم أن له أغلبية في مجلس الشعب كان يمكن أن تسنح له بالمواصلة إلى آخر المطاف، لكنه أخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والوضع الدولي. والنجاح يعود للتشكيل الحكومي، وكما هو معروف فإن تشكيل حكومة ائتلافية يعد من أصعب الأمور حتى في الدول الأكثر ديمقراطية؛ فالتسيير ليس سهلا، لكن كنا متوافقين بيننا على أن من مصلحة تونس السير إلى الأمام حتى نصل بالمركب إلى ساحل النجاة، وقد وصلنا والحمد لله لبناء مؤسسات نتمنى ألا يقع التشكيك فيها. وأرى أني نجحت في أداء دور الحكم وساعدت في الخروج من الأزمات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.