يبدو أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) قد بدأ يدرك أن الناس يعانون كثيراً بسبب الأزمة الحالية، وأن استئناف منافسات كرة القدم لم يعد يمثل أولوية كبرى، نظراً لأن البيان الأخير الصادر عن «يويفا» لم يُظهر تواضعاً غير معهود فحسب، لكنه أظهر تحولاً غير متوقع نحو المنطق السليم الذي يجب اتباعه.
بالطبع لا تنبغي معاقبة الدوريات في جميع أنحاء أوروبا التي ألغت أو ستُلغي البطولات المنهارة ولن تجري أي مباريات أخرى هذا الموسم. ومن بين جميع الحلول التي تم اقتراحها خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان الإلغاء هو الحل الواضح والأسهل لوضعه موضع التنفيذ، لكن هذا الحل لم يضع في حسبانه أن هذه اللعبة تحقق عائدات مالية بمليارات الجنيهات وأن عدم استئناف المسابقات سيؤدي إلى خسائر مالية هائلة.
ماني يحتفل بأخر هدف في شباك بورنوث له قبل توقف المسابقة(أ.ف.ب)
ويعلم الجميع أن الرغبة الحقيقية في استئناف الدوريات واستكمالها من دون جمهور تأتي من رجال المال على أي حال. ويبدو بالتأكيد أن هناك حماساً قليلاً لمثل هذه الخطط من جانب اللاعبين والمديرين الفنيين، ولهذا السبب وحده يجب النظر إلى مبررات النزاهة الرياضية بعين الشك والريبة.
وتجب الإشارة إلى أن إيجاد حل وسط لمصير الدوري الإنجليزي هذا الموسم أمر ميؤوس منه. قد يبدو لعب كل المباريات في وقت ما في منتصف فصل الصيف هو الخيار الأكثر عدلاً، لكنّ حالات الإرهاق ستصبح واضحة تماماً بمجرد استئناف هذه المباريات. وكان ليفربول في طريقه لإنهاء الموسم بشكل استثنائي قبل توقف المسابقة، وربما كان على وشك تجاوز حاجز الـ100 نقطة التي وصل إليها مانشستر سيتي قبل عامين. فهل يتصور أي شخص أن يتمكن ليفربول من الحفاظ على هذا المسار إذا تم استئناف المباريات من دون جمهور؟ إن رغبة ليفربول في المطالبة باللقب من خلال اللعب وليس من خلال احتساب النقاط لكل مباراة هو أمر مفهوم تماماً. ورغم أن ليفربول لا يحتاج إلا إلى فوز أو فوزين فقط كي يحصد اللقب، فهناك تساؤل حول إمكانية استمرار حماسهم الذي رافقهم قبل توقف المباريات حتى آخر مواجهة لهم في المسابقة.
وفي حالة استكمال مباريات الدوري من دون جمهور، فمن غير المرجح أن يكون الحافز متساوياً لدى جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز العشرين. وسيكون هناك فارق كبير بين اللعب أمام أي فريق قبل فترة التوقف وبعد فترة التوقف، لذلك فإن الحظ سيلعب دوراً كبيراً في رسم الشكل النهائي لجدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز في نهايته. ولا تزال الأندية التي ليس لديها الكثير لتخسره بسبب وجودها في مؤخرة جدول الترتيب تسعى لتفتخر بأنها تقدم أداءً جيداً، لكن هل ينطبق هذا المنطق على خوض المباريات في ملاعب خاوية من الجماهير؟
وتتمثل النقطة الأساسية في أن استئناف المباريات لمجرد استكمال الموسم سيكون بلا جدوى، وربما يحمل شيئاً من الخطورة. إن تصميم أندية الدوري الإنجليزي الممتاز على إيجاد طريقة ما لاستكمال الموسم ينبع فقط من الرغبة في تجنب تسديد مبالغ مالية كبيرة لجهات البث التلفزيونية. ومع ذلك، إذا كان من المفترض أن نكون جميعاً في هذه الأزمة معاً، فيتعين على شبكتي «بي تي» و«سكاي» -اللتين كشفتا مؤخراً عن أرباح بقيمة ملياري جنيه إسترليني و1.2 مليار جنيه إسترليني من بث مباريات كرة القدم- ألا تحمّلا كرة القدم الخسائر الحالية.
وستعيش كرة القدم في فقاعة المال السخيف لفترة طويلة إذا لم تستطع أن ترى أن هذه ظروف استثنائية، ومن المؤكد أنه لا أحد يريد عدم استئناف الموسم. ومن الواضح أن الجميع يقدمون تضحيات، ومع تحذير الحكومة من أن الوضع قد يستمر لأسابيع وربما أشهر، فسيكون من الحماقة أن نضع الأولوية لقضايا الهبوط والترقي على حساب المخاوف الصحية، عندما يكون المطلوب هو القليل من القدرة على التكيف.
وهناك اقتراحات بإلغاء الهبوط هذا الموسم فقط. وإذا كان من الممكن الاتفاق على آلية لتحديد الفرق التي تستحق الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز، فيمكن السماح بزيادة عدد كل مسابقة قليلاً حتى ينتهي هذا الخطر. لكن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لدوري أبطال أوروبا، ومن غير المحتمل أن يخفف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم من موقفه الراغب في استئناف المسابقة. لكن على الرغم من أن ذلك قد يلقي بظلاله على المسابقة التي ستقام الموسم المقبل، فإن الأدوار المتبقية من المسابقة تضم عدداً قليلاً نسبياً من الفرق والمباريات، كما هو الحال في بطولة الدوري الأوروبي.
وتتفوق ألمانيا على باقي الدول الأخرى من حيث اختبار وتتبع واحتواء فيروس «كورونا»، لكن الاستفادة من ذلك لاستئناف النشاط الرياضي لا تزال مثيرة للجدل بشكل كبير. وعلى الرغم من حظر التجمعات العامة الكبيرة حتى أكتوبر (تشرين الأول)، وهو أقرب موعد ممكن لاستئناف كرة القدم في ظل حضور جماهيري، فقد عاد لاعبو الدوري الألماني الممتاز إلى التدريب وطلبت الأندية إذناً من الحكومة لاستئناف المباريات من دون جمهور الشهر المقبل.
لكنّ ألمانيا لم تلغِ الحظر المفروض على الحركة بشكل كلّي، وبالتالي يتحدث الجميع الآن عن ضرورة أن تكون هناك أولويات في ظل الأزمة الحالية. وقالت إحدى روابط المشجعين إن استئناف مباريات كرة القدم في ظل استمرار هذا الفيروس سيكون بمثابة «استهزاء تام ببقية المجتمع». ربما يكون من الصعب الدخول في جدل حول هذا الأمر، لكن ما مدى أهمية كرة القدم في اعتقاد هذه الرابطة؟
لقد أبدى بعض اللاعبين مخاوفهم من رد فعل غاضب لفئات أخرى بالمجتمع، في حال تم اتخاذ قرار باستئناف منافسات الدوري الإنجليزي، في ظل استمرار تفشي وباء فيروس «كورونا». وقالوا لا يجب منح كرة القدم استثناء وأن التعامل الحريص مع الأزمة هو أمر بالغ الأهمية. وأعرب آخرون عن أن مثل هذه الخطوة ستتسبب في اختلال التوازن في المجتمع، وخلق مقارنة مع المجالات الأخرى التي لا تحقق عائدات في الوقت الحالي وتعاني من أجل البقاء، وسط إجراءات حكومية مشددة من أجل الوقاية. وأشاروا إلى أن استئناف المباريات سيكون صعباً لو لم يكن هناك حل يتضمن الجميع.