نخبة طهاة مصر تقدم أطباقاً خمس نجوم للأطقم الطبية

يبادرون بمساعدة القطاع الصحي من مطابخهم

TT

نخبة طهاة مصر تقدم أطباقاً خمس نجوم للأطقم الطبية

لم يستطع الطهاة في مصر التخلي عن عشقهم للمطبخ، وإعداد الأطباق الشهية، بعد جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت قطاع الفنادق والمطاعم أيضاً إلى حد كبير؛ فقد قرر قطاع كبير منهم وضع خبرتهم وجهدهم في خدمة الأطقم الطبية، والمرضى بمستشفيات الحجر الصحي.
الأزمة التي ضربت العالم، دفعت الشيف مصطفى طنطاوي، من فندق هيلتون الأقصر، مع مجموعة من زملائه إلى التبرع بجهدهم لإعداد وجبات مغلفة وإرسالها إلى الأطباء والمرضى في الحجر الصحي بالمشافي، وذلك بمساعدة المواطنين.
ويقول طنطاوي لـ«الشرق الأوسط»، «كانت الأقصر من المحافظات التي تضررت مبكراً من الفيروس؛ ما أدى إلى إغلاق الفنادق وتعطل المراكب العائمة، وأصبحنا ننقل المواد الغذائية، والملح والسكر، والخضراوات والفاكهة، والخل والزيوت الصحية ونسلمها لهم خارج المشفى؛ التزاماً بأسس الوقاية وبروتوكول الحماية».
ويضيف «قررنا الاحتفال بفريق مستشفى إسنا الطبي بعد شفاء عدد كبير من الحالات المصابة بالفيروس هناك، وقدمنا لهم كعكة مغلفة، وحملنا لهم رسائل دعم وود من الأهالي تقديراً لهم ولدورهم في مواجهة الوباء ومحاربته».
أما عن روتين حياته اليومي، فيروي الشيف طنطاوي «أقوم على خدمتهم على مدار اليوم، حتى أنني أطهو لهم السوشي في المنزل»، لكنه في الوقت ذاته «ينصح بضرورة تسخين كل شيء حتى الخبز والبعد عن المأكولات الباردة؛ لأنها تكون بيئة آمنة تحمل البكتريا والفيروسات، وتنظيم الأكل وعدم الاستسلام لرغبات الأكل المتواصلة خلال فترة الحظر الإلزامي».
قوة أصحاب «المعاطف البيضاء»، أبهرت الشيف مصطفى الرفاعي، صاحب مطاعم «زوبا» في مصر وأميركا، وأستاذ الطهي في كلية هنري فورد بالولايات المتحدة الأميركية، يقول لـ«الشرق الأوسط»، «الركود دائماً يصيب المطاعم والفنادق، ففكرنا بالتعاون مع الشيف طنطاوي في الأقصر وشيفات من مختلف أنحاء مصر، في تقديم كل ما يمكن للوقوف بجانب الأطباء والممرضين في الخطوط الأمامية».
ويلفت الرفاعي إلى أن الوصول إلى الأطباء في الحجر الصحي أمر غاية في الصعوبة، «لكن دورنا أن نساعدهم في هذه الفترة العصيبة التي يصلون فيها حد الإعياء جراء ضغط العمل ومتابعة المرضى، وذلك من خلال توفير المواد الغذائية الخام بأقصى سرعة لهم، بجانب توفير أغذية بمواصفات قياسية للعناية بالمرضى الذين هم في أمسّ الحاجة لتقوي مناعتهم، لكن في هذه المرحلة الحرجة نفضل أن يتبع المرضى الأنظمة الغذائية وفقاً لنصائح الأطباء».
ويشير الرفاعي «بعض الشيفات وأصحاب المطاعم أيضاً تكاتفوا معنا لتقديم وجبات مخفضة، أو مجانية للأسر المحتاجة، لكن مع الحذر الشديد خوفاً من انتقال العدوى (...)، بعض الشيفات أرسلوا صناديق من القفازات، والمطهرات وغيرها للمشافي». ويؤكد «هناك وعي كبير من الجميع، وحتى باعة الخضراوات والفاكهة البسطاء يحاولون الحفاظ على أساسيات طرق الوقاية».
وحول تداعيات الأزمة على المطاعم، يؤكد «كثير من المطاعم تأثرت بسبب (كورونا)، بالإضافة إلى الخوف من طلب الطعام (دليفري)؛ ما أثر على العاملين في قطاع المطاعم بشكل كبير، من جانبنا قلصنا ساعات العمل وفقاً لقرارات الحظر، وأغلقت قاعة تناول الطعام ونعتمد على توصيل الطلبات».
ويلفت الرفاعي إلى أنه أغلق مطعمه في نيويورك حفاظاً على السلامة المجتمعية، قائلاً «جزء كبير من سكان نيويورك من خارجها واقتصادها قائم على السياحة، وللأسف تحولت لبؤرة؛ ما اضطرنا إلى الإغلاق التام».
وكما قربت الأزمة بين الطهاة والأطقم الطبية، فقد فرضت الأجواء الجديدة على الشيف منى صباحي، عضو جمعية الطهاة المصريين التي كانت تعقد دورات في مقر الجمعية حول أساسيات الطهي ومصطلحات المطبخ للمتخصصين والهواة، أن تنقل محاضراتها إلى الفضاء الافتراضي وتقدم جوانب نظرية عن فن الطهي، قائلة «بالطبع الأزمة غيرت من روتين حياتنا اليومي وتوقفت أعمالنا اليومية سواء في المطاعم أو الفنادق، لكن كطهاة لنا دور لا ينبغي أن يتوقف، تماماً كأي إنسان لا بد أن نبتكر الحلول».
وتضيف «نتابع التواصل مع الطهاة ونقدم الدورات التدريبية عبر تطبيق (زووم)، وإن كانت لا تشمل سوى الجانب النظري فقط، حيث نفتقد الروح الجماعية أثناء الطهي».
وبات الشيف التنفيذي عبد الرحمن ماهر، مدرب وصاحب مطعم بالشيخ زايد في مصر، يمضي وقته ما بين تقديم النصائح للأهل والأصدقاء حول وجبات الغذاء الصحي والأطعمة التي تقوي المناعة والتي سوف تعينهم على تخطي هذه المرحلة الحرجة.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «وباء كورونا له آثار سلبية على عملنا كطهاة، لكنه لم يحرمنا من تقديم الأطباق والابتكار فيها لأسرنا وأطفالنا، إلى جانب استعداداتنا التام للمساهمة في أي عمل تطوعي لخدمة القطاع الطبي والمشافي، لكن طبيعة الوباء تفرض إجراءات مشددة في الحجر الصحي ما يعوق عملنا التطوعي، وهو بالطبع أمر يُحترم ويقدَّر».
وعن «الجيوش البيضاء» يلفت «الطهاة المتمرسون درسوا تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة بمعنى أنهم يدركون جيداً التحكم في الفطريات والتلوث البيولوجي في الأطعمة، ويستطيعون تقديم الدعم اللازم للأطباء في مكافحة هذا الوباء».


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».