«إبادة الأرمن» تشعل التوتر مجدداً بين تركيا والولايات المتحدة

ترمب يصفها بـ«الكارثة الكبرى» ويُغضب أنقرة

رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان مع زوجته أمام نصب يخلّد ذكرى ضحايا {الإبادة الأرمنية} في العاصمة يريفان أول من أمس (أ.ب)
رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان مع زوجته أمام نصب يخلّد ذكرى ضحايا {الإبادة الأرمنية} في العاصمة يريفان أول من أمس (أ.ب)
TT

«إبادة الأرمن» تشعل التوتر مجدداً بين تركيا والولايات المتحدة

رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان مع زوجته أمام نصب يخلّد ذكرى ضحايا {الإبادة الأرمنية} في العاصمة يريفان أول من أمس (أ.ب)
رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان مع زوجته أمام نصب يخلّد ذكرى ضحايا {الإبادة الأرمنية} في العاصمة يريفان أول من أمس (أ.ب)

تجدد التوتر بين أنقرة وواشنطن مرة أخرى على خلفية التباين في المواقف بالنسبة لمذابح تعرض لها الأرمن في شرق الأناضول عام 1915، إبان الحرب العالمية الأولى تم الاعتراف بها في العديد من دول العالم على أنها جريمة «إبادة جماعية».
وأعلنت وزارة الخارجية التركية رفض أنقرة بيان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي صدر أول من أمس، في الذكرى السنوية لإبادة الأرمن، ووصفت البيان بأنه «غير مقبول ولا قيمة له»، معتبرة أنه صدر لاعتبارات سياسية داخلية.
وقالت الخارجية التركية، في بيان، رداً على بيان ترمب: «نرفض الادعاءات الواردة في البيان الأميركي حول أحداث عام 1915، المستند إلى أسس غير موضوعية، لاعتبارات سياسية داخلية، ونعتبر أن لا قيمة له».
واستخدم الرئيس الأميركي عبارة «الكارثة الكبرى» لوصف الأحداث التي شهدتها الدولة العثمانية عام 1915 التي اعترفت بها عشرات الدول على أنها «إبادة للأرمن»، ويجري تخليدها سنوياً في 24 أبريل (نيسان).
وقال ترمب، في بيانه: «اليوم نتذكر الذين عانوا في الكارثة الكبرى، إحدى أعظم جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين».
واستخدم ترمب المرادف الأرميني لعبارة الكارثة الكبرى (ميدس ييغرن) قائلاً: «منذ عام 1915، تم ترحيل وتهجير وقتل 1.5 مليون أرميني، وأسهم كثير من الأميركيين في بناء المجتمع الأرميني... نعد بأن نأخذ العبرة من دروس الماضي حتى لا تتكرر تلك الأحداث مرة أخرى، ونرحب بجهود الأرمن والأتراك في التعامل مع تلك الأحداث وتقبلها»، مشيداً بدور المجتمع الأرميني في إثراء الثقافة الأميركية.
وقالت الخارجية التركية إن ترمب تجاهل في بيانه مقتل أكثر من 500 ألف مسلم على يد متمردين من الأرمن بالفترة نفسها، مطالبة بتغيير هذا المفهوم «المجرد من العدل والإنصاف».
وأشارت الخارجية التركية، في بيانها، إلى أن المقترح التركي بإنشاء لجنة تاريخية مشتركة للبحث في أحداث 1915 ما زال سارياً، معربة عن ثقتها بأن الحقائق ستنكشف إذا تم إنشاء هذه اللجنة.
وقال البيان إن الأرمن الراديكاليين يحاولون إبعاد هذا الاقتراح عن طاولة النقاش، للتنصل من مسؤولياتهم عن أحداث 1915، وعلى الإدارة الأميركية أن ترى هذه الحقيقة وتتصرف على أساسها.
في السياق ذاته، قال السفير التركي في واشنطن، سردار كليج، إن بيان الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول أحدث عام 1915، لا يعكس حقيقة ما جرى، ويتضمن ادعاءات لا أصل لها، ويتغاضى عن آلام ومظالم تعرض لها مئات آلاف المسلمين على يد العصابات الأرمينية.
وبعث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رسالة إلى بطريرك الأرمن في تركيا، إسحاق مشعليان، قال فيها إننا: «نستذكر بإجلال الأرمن العثمانيين الذين فقدوا أرواحهم في الظروف القاسية للحرب العالمية الأولى، التي تسببت في معاناة كبيرة لشعوب العالم... أقدم التعازي الخالصة لأحفادهم، وأترحم على أرواح جميع المواطنين العثمانيين الذين فقدوا حياتهم في هذه الفترة المؤلمة».
وأضاف إردوغان: «نعلم جميعاً الجهات التي تحاول نبش التاريخ لإشاعة العدواة والبغضاء، متجاهلة وحدتنا التي ولدت من قلب الأناضول... عدم إتاحتنا الفرصة لذوي النوايا الفاسدة وسعينا لمستقبل نتمتع فيه بالازدهار والأمان والوحدة، يعدّ من أهم غاياتنا».
وطالب رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، خلال إحياء الذكرى 105 لإبادة الأرمن، أول من أمس، تركيا بتقديم اعتذار لبلاده عن هذه الجريمة التي قال إنها ارتكبت ضد الحضارة الإنسانية.
وفي كلمة مقتضبة عبر الفيديو بعد وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري للإبادة في العاصمة يريفان، قال باشينيان، إنه بعد أكثر من قرن على هذه الأحداث لا تزال تداعيات الإبادة قائمة، وقال: «نندد بجريمة ليست فقط ضد هويتنا الإثنية وإنما ضد الحضارة الإنسانية... إن تركيا لم تقدم أبداً اعتذارات عما ارتكبته... أرمينيا تطالب باعتراف رسمي بالمجازر في تلك الفترة على أنها (إبادة)».
وحتى الآن اعترف 31 دولة حول العالم بأحداث عام 1915 على أنها إباد للأرمن على يد العثمانيين.
وبحسب اتفاقية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح «الإبادة الجماعية» أو «العرقية»، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟