أحزاب السلطة تشترط عدم التشكيك في شرعية بوتفليقة مقابل المشاركة في مبادرة «الإجماع الوطني»

المعارضون يعتبرونها خطوة تهدف إلى إنقاذ النظام

أحزاب السلطة تشترط عدم التشكيك في شرعية بوتفليقة مقابل المشاركة في مبادرة «الإجماع الوطني»
TT

أحزاب السلطة تشترط عدم التشكيك في شرعية بوتفليقة مقابل المشاركة في مبادرة «الإجماع الوطني»

أحزاب السلطة تشترط عدم التشكيك في شرعية بوتفليقة مقابل المشاركة في مبادرة «الإجماع الوطني»

دعا قياديون في «تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي»، الذي يعد أكبر تكتل للمعارضة الجزائرية، إلى «اتخاذ موقف رافض حازم» ضد مبادرة سياسية أطلقها أقدم حزب معارض، بذريعة أنه «يروّج لمشاريع النظام ويترجم إرادته الرامية إلى الالتفاف على مطلب التغيير». وتواجه المعارضة تصدعا واضحا بشأن هذه القضية، ذلك أن قطاعا منها ينادي بالتغيير بمشاركة السلطة القائمة، بينما ينادي قطاع آخر بتغيير يبدأ برحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم.
وقال عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم» وأحد قياديي «التنسيقية»، لعدد من الصحافيين إن «المعارضة الحقيقية التي تطمح إلى التغيير وترى أن هذا النظام فاشل وليس له ما يقدم للجزائر، عليها أن ترفض ما يسمى مبادرة الإجماع الوطني لأنها تهدف إلى إنقاذ النظام»، بينما صرح رئيس حزب «جيل جديد» والعضو الفاعل في «التنسيقية» بأن الرد على النظام «ينبغي أن يكون حازما، وذلك برفض مبادرته التي يعرضها علينا بواسطة حزب جبهة (القوى الاشتراكية)».
وتسعى قيادة «القوى الاشتراكية» منذ شهر إلى حشد التأييد حول مشروع تسميه «إعادة بناء الإجماع الوطني»، حيث التقت بـ«أحزاب الموالاة» وهي «جبهة التحرير الوطني»، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، و«الحركة الشعبية الجزائرية»، و«تجمع أمل الجزائر»، وحصلت منها على تأييد للمشروع، رغم أن مضمونه غير معروف، وكل ما هو معروف عنه هو أن «القوى الاشتراكية» تريد مؤتمرا لـ«الإجماع الوطني» تحضره المعارضة والسلطة، لكن عمليا لا يعرف كيف سيتم الجمع بين الطرفين حول طاولة واحدة للحوار، ولم يشرح مسؤولو الحزب تفاصيل مسعاهم، واكتفى سكرتيره الأول بالقول: «نحن لا نقترح أي شيء، ونفضل أن نسمع من الجميع حتى نخرج بفكرة واضحة عن آليات تنفيذ إجماع وطني بحلول تحمي البلاد من المخاطر المحدقة بنا، وأول هذه المخاطر الحرب الأهلية الجارية في ليبيا وتداعياتها على الجزائر».
وأول عقبة ستواجه مسعى «الإجماع الوطني»، بحسب بعض المراقبين، تكمن في أن السلطة لا ترى بأن البلاد تعيش أزمة سياسية تستدعي الدعوة إلى حوار يفضي إلى «إجماع». وبهذا الخصوص قال عمارة بن يونس، رئيس «الحركة الشعبية» الموالي للرئيس بوتفليقة، « هناك خط أحمر اسمه شرعية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي لا يمكن التشكيك فيها. ومعنى ذلك أننا لا نريد أن نسمع بأن بوتفليقة رئيس غير شرعي، أو دعوة إلى رحيله عن الحكم، فمن يطالب بذلك عليه أن ينتظر انتخابات 2019».
ويقول نشطاء «التنسيقية» إن بوتفليقة مريض ولا يقوى على الوفاء بأعباء الرئاسة. وقد جاء سفر الرئيس للعلاج في فرنسا ليمنحهم ورقة قوية تعزز موقفهم. أما «القوى الاشتراكية»، فتتحاشى إبداء موقف من مرض الرئيس ومدى قدرته على الاستمرار في الحكم، ما دفع قادة «التنسيقية» إلى اتهام حزب رجل الثورة حسين آيت أحمد بـ«بيع القضية في المزاد العلني». والمقابل، حسبهم، هو أن السلطة منحت الحزب مقاعد في البرلمان بمناسبة انتخابات البرلمان التي جرت في 2012، والتي شارك فيها بعد أن قاطع كل المواعيد الانتخابية السابقة.
ودخلت «التنسيقية» مساء أمس في اجتماع بمقر «مجتمع السلم» للخروج بموقف موحد من مسعى «القوى الاشتراكية» بعد أن ظهر شرخ في صفها الداخلي، فقد شارك قياديان من «مجتمع السلم»، أحدهما رئيسه السابق أبو جرة سلطاني في مشاورات «القوى الاشتراكية» حول «الإجماع الوطني»، من دون العودة إلى قيادتهما، ما أثار حفيظة رئيس الحزب مقري الذي أعلن براءته منهما.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم