لبنان على عتبة انفجار اجتماعي

بين الخوف من «كورونا» والقلق على لقمة العيش

لبناني يسحب أموالاً بالليرة التي  تراجعت قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة مؤخراً (رويترز)
لبناني يسحب أموالاً بالليرة التي تراجعت قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة مؤخراً (رويترز)
TT

لبنان على عتبة انفجار اجتماعي

لبناني يسحب أموالاً بالليرة التي  تراجعت قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة مؤخراً (رويترز)
لبناني يسحب أموالاً بالليرة التي تراجعت قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة مؤخراً (رويترز)

بين الخوف من انتشار فيروس «كورونا» والقلق على المستقبل مع الظروف الاجتماعية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وحجز المصارف على أموالهم، يبدو أن الانفجار الاجتماعي بات قريبا بعدما دخل لبنان فعليا مرحلة الانهيار الاقتصادي.
وبعد أكثر من شهر ونصف الشهر على التعبئة العامة المستمرة لمواجهة كورونا، وما سبقها من أشهر طويلة من الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم، أصبح اللبنانيون أمام حائط مسدود في غياب أي خطة واضحة من قبل السلطة للخروج من المأزق.
وإذا كانت فئة منهم لا تزال قادرة على الصمود وتأمين لقمة العيش بالحد الأدنى فإن القسم الأكبر من الشعب اللبناني بات اليوم متساوياً في المستوى المعيشي وفي الخوف على صحته التي باتت مهدّدة بخطر الإصابة بفيروس كورونا.
وبعدما كان البنك الدولي قد حذّر نهاية العام الماضي من أن يصبح 50 في المائة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر، أعلن أمس وزير الصناعة عماد حب الله أنّ نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى 55 في المائة بناء على تقديرات البنك الدولي، مجددا التأكيد على بطالة وأزمة سيولة وعجز في الميزان التجاري.
أمام هذا الواقع، يؤكد مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية سامي نادر، والأستاذة في علم الاجتماع منى فياض، أن الشعب اللبناني لن يصمد كثيرا وسيعود إلى الشارع حتى قبل إنهاء التعبئة العامة بعدما فقد أي أمل بالتغيير.
وتقول فياض لـ«الشرق الأوسط» «الوضع خطير واللبناني بات يعيش كل يوم بيومه لتأمين لقمة عيشه، وإذا كانت أزمة كورونا انعكست سلبا على اقتصاد دول العالم فنحن نعيش الانهيار قبل انتشار الوباء الذي أتى ليضاعف أزماتنا، فيما الحكومة تتفرّج وكأنها غير معنية بكل ما يحصل». من هنا، تؤكد «أن الشعب اللبناني لن ينتظر طويلا والثورة ستستعيد زخمها قريبا، وهو ما بات يبحث جديا فيما بين مجموعات الناشطين، للتحرك مع اتخاذ إجراءات الحماية من كورونا، وما حصل خلال جلسات البرلمان الأخيرة، مؤشر واضح على هذا الأمر».
بدوره، يرى نادر أن لبنان دخل مرحلة الانهيار الاقتصادي وبات الانفجار الاجتماعي قريبا، بعدما خرجت الأمور عن السيطرة في غياب أي ضوابط والسقوط في الهاوية بات حتميا، والدليل ما يحصل من فوضى في سعر صرف الدولار الذي قارب 4 آلاف ليرة».
ويقول لـ«الشرق الأوسط» «الحكومة لا تزال غير قادرة على وضع خطة إصلاحية. يتعاملون مع الوضع وكأن لديهم الكثير من الوقت فيما يعيش اللبنانيون قلق لقمة العيش والخوف من انتشار الوباء الذي قضى بدوره على ما تبقى من أعمال ومؤسسات وأدى إلى صرف آلاف الموظفين».
ويلفت إلى أنه وبدل أن تستغل الحكومة هذا الوقت لاتخاذ قرارات حاسمة من شأنها من تضع الأمور على الطريق الصحيح، كأن تطلب دعم صندوق النقد الدولي، باتت قرارات وتعاميم مصرف لبنان هي التي تتحكم بحياة المواطن وأمواله، فيما يفترض أن يكون مجلس الوزراء هو المسؤول على مواجهة الأزمات وليس المصرف المركزي، وذلك في تعد واضح على الملكية الفردية وقانون النقد والتسليف».
ويعتبر أن «هذا الواقع جعل اللبنانيين متساوين في الفقر بعدما كان واضحا أن تعاميم مصرف لبنان الأخيرة التي تسمح بسحب ودائع الدولار بالليرة اللبنانية بسعر السوق، تستهدف فقط صغار المودعين الذين يحتفظون بأموالهم في لبنان ودفعوا بالتالي فاتورة الأزمة، عبر «هيركات» غير مباشر». وفيما يحذّر نادر من شح المواد الغذائية في المرحلة المقبلة بعدما ارتفعت أسعارها إلى مستوى غير مسبوق نتيجة فقدان الدولار من السوق وارتفاع سعر صرفه إلى أعلى مستوياته، يرى أن الشعب اللبناني الذي كسر حاجز الخوف على صحته وإجراءات التعبئة العامة للتحرك ضد السلطة، لن يبقى ساكتا طويلا وسيخرج مجددا إلى الشارع رفضا لهذا الواقع.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.