رئيس «النواب» الليبي يقترح مبادرة لإنهاء الأزمة... و«الوفاق» ترفض

تشمل إعادة هيكلة المجلس الرئاسي وكتابة الدستور

TT

رئيس «النواب» الليبي يقترح مبادرة لإنهاء الأزمة... و«الوفاق» ترفض

في ظل تصاعد وتيرة الحرب على العاصمة الليبية طرابلس، أطلق رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، مبادرة تستهدف حل الأزمة السياسية، تتمحور في مجملها حول تفكيك المجلس الرئاسي الحالي، الذي يقوده فائز السراج، وإعادة هيكلته، والتأكيد على دور القوات المسلحة في حماية البلاد.
وتعد مبادرة رئيس مجلس النواب واحدة من عدة مبادرات محلية، استهدفت جميعها حلحلة الأزمة المستعصية في البلاد منذ إسقاط النظام السابق. لكن دائماً ما كان ينظر إليها على أنها تقدم حلولاً من طرف واحد، دون تقديم تنازلات تراعي «مكتسبات الطرف الآخر»، فضلاً عن أنها لم تصمد أمام آلة الحرب، التي تمضي في طريقها منذ عام وأكثر على أطراف العاصمة.
وضمّن صالح مبادرته، التي أطلقها مساء أول من أمس، ثماني نقاط، وفي مقدمتها تولي أقاليم ليبيا الثلاثة بنغازي (برقة)، وطرابلس، والجنوب (فزان) اختيار من يمثلهم في المجلس الرئاسي الجديد، المكون من رئيس ونائبين، بالتوافق بينهم، أو بالتصويت السري تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن يتولى هذا المجلس مجتمعاً مهام القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال المرحلة الجارية.
وسبق لفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي في طرابلس، إطلاق مبادرة في يونيو (حزيران) الماضي، تروم حل الأزمة السياسية المستعصية. وقبل قرابة شهرين طرح عقيلة مبادرة من 12 نقطة، قال إنها تشكل في مجملها «ثوابت وطنية» بهدف حل الأزمة الليبية، وصولاً إلى «دولة المؤسسات والقانون»، ومن بينها «تفكيك الميليشيات المسلحة والعصابات المسيطرة على العاصمة، على أن تكون للقيادة العامة صلاحية الضم والدمج وجمع السلاح»، والتأكيد على دور «القوات المسلحة في تطهير البلاد من الجماعات الإرهابية»، قبل أن يلفت النظر إلى أن مجلس النواب هو «الجسم التشريعي الوحيد المنتخب في ليبيا، ولا يجوز إقحام أجسام أخرى قبل الانتخابات البرلمانية بهدف الترضية، على حساب جسم حقيقي يمثل إرادة الليبيين».
وتعاني ليبيا من انقسام حاد بين موالين لـ«الجيش الوطني» بشرق البلاد، في مواجهة المجلس الرئاسي، المدعوم دولياً، بمدن الغرب الليبي، عمّقته العملية العسكرية على العاصمة طرابلس، التي قضى فيها أكثر من 4600. بينهم 540 من الجانبين.
وبالنظر إلى تعدد المبادرات المحلية، دون إحراز نتائج إيجابية، رأى عبد العظيم البشتي، المحلل السياسي الليبي أن نجاح هذه المبادرات «لا بد أن تسبقه تنازلات متبادلة من كلا الطرفين، خاصة أن لكل منهما مصالح يريد ضمان تحقيقها».
وتحدث البشتي لـ«الشرق الأوسط» عن «دور المجتمع الدولي، الذي يتوجب عليه في حالة تبني هذه المبادرات، أن يمارس ضغوطا على الدول الداعمة للطرفين، حتى لا تعيق إمكانية وقف إطلاق النار، وطمأنتها على مصالحها المشروعة، دون شطط، أو تدخل سافر في الشأن الليبي».
وفي مبادرته الجديدة التي شدد فيها على عدم المساس بالقوات المسلحة، قال رئيس مجلس النواب، إن «المجلس الرئاسي الجديد يقوم بعد اعتماده بتسمية رئيس للوزراء ونواب له، يمثلون الأقاليم الثلاثة لتشكيل حكومة يتم عرضها على مجلس النواب لنيل الثقة، ويكون رئيس الوزراء ونائباه شركاء في اعتماد قرارات مجلس الوزراء»، كما يتم تشكيل لجنة من الخبراء والمثقفين لوضع وصياغة دستور للبلاد بالتوافق، يتم بعدها تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تنبثق عن الدستور المعتمد، الذي سيحدد شكل الدولة ونظامها السياسي.
أما بخصوص مجلس النواب، فقد أكد عقيلة أنه «يستمر في ممارسة رسالته ودوره كسلطة تشريعية منتخبة، إلى حين انتخاب مجلس نواب جديد»، مشددا على أن «الإقليم الذي يُختار منه رئيس المجلس الرئاسي لا يُختار منه رئيس الوزراء»، بالإضافة إلى أنه «لا يحق لرئيس المجلس الرئاسي الجديد ونوابه الترشح لرئاسة الدولة في أول انتخابات رئاسية».
لكن طرح رئيس مجلس النواب استقبله مؤيدون للمجلس الرئاسي في العاصمة بـ«الرفض»، مشيرين إلى أن «الرئاسي» «يحظى بشرعية دولية، وأي حديث عن تعديله لا بد من أن يمر وفق اتفاق يضمن إجراء انتخابات رئاسية ونيابية».
ويرجع متابعون ليبيون عدم نجاح المبادرات السابقة إلى أن كل طرف يسعى من منطق القوة «للحفاظ على مكتسباته»، دون النظر للطرف الآخر.
وسبق للسراج إطلاق مبادرة سياسية لحل الأزمة في بلاده، تتضمن مجموعة من النقاط، أهمها الدعوة إلى ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، وذلك بتمثيل جميع مكونات الشعب الليبي ومن جميع المناطق، ودعوة مجلس الأمن والمجتمع الدولي لتأييد هذا الاتفاق، لتكون مخرجاته ملزمة للجميع، والتي ستفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، كما دعا جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي إلى تقديم الدعم اللازم لإنجاح العملية الانتخابية.
وكان أعضاء من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور عن ممثلي التبو، المقاطعين للهيئة، وممثلو الطوارق قد طرحوا مبادرة العام الماضي بشأن التوافق الشامل على الدستور من أجل حل الأزمة الليبية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.