خلال ستة أسابيع فقط، تضاعف عجز الموازنة الأميركية أربع مرات لهذا العام، ليصل إلى ما يقرب من أربعة تريليونات دولار، وهي أعلى نسبة زيادة في تاريخ الولايات المتحدة، أخذا في الاعتبار المدة القصيرة التي استغرقها العجز.
فمنذ أن أطل فيروس كورونا برأسه على الاقتصاد الأميركي، مطلع الشهر الماضي، بدأت الحكومة الفيدرالية تضخ تريليونات الدولارات لتحفيز الاقتصاد الذي بات يعاني من أسوأ ركود منذ الكساد العظيم 1929.
وفي أحدث تقرير لها، توقعت لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة في الكونغرس، أنه بحلول عام 2023 سيتجاوز الدين الأميركي مستويات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945. فمنذ اندلاع أزمة الفيروس، تجاوزت المبالغ التي خصصها الكونغرس لتحفيز الاقتصاد 2.3 تريليون دولار، فضلا عما يقرب من 450 مليار دولار، تم الموافقة عليها أمس لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على المرور من هذا النفق المظلم.
ويتفق العديد من المحللين على أن الولايات المتحدة على وشك أن تدخل المنطقة الخطرة للميزانية، حيث من المتوقع أن يفوق حجم ديون أميركا حجم اقتصادها، الذي يتعدى 20 تريليون دولار، بحلول نهاية العام.
وتقول مايا ماكغوينيس، رئيس لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة في الكونغرس: «لقد جعلنا الأمر أسوأ بشكل كبير من خلال الزيادات في الإنفاق والتخفيضات الضريبية. وهذا يعني أنه بمجرد أن نتغلب على الأزمة المباشرة التي نواجهها، فإن التعافي سيكون أكثر تعقيداً بسبب حقيقة أن الدين كان كبيراً جداً عندما ضربنا الوباء».
وفي أسوأ السيناريوهات، تتوقع لجنة الميزانية بالكونغرس أن يصل الدين الفيدرالي إلى 117 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025. وهو ما يتجاوز بسهولة الرقم القياسي البالغ 106 في المائة المسجل في عام 1946. ومع ذلك، لن يمثل ذلك تهديداً فورياً للحكومة الفيدرالية، لأن أسعار الفائدة قريبة من الصفر، حيث يمكن لوزارة الخزانة الاقتراض بثمن رخيص.
وسيبقى التحدي أمام إدارة الرئيس دونالد ترمب، والإدارة المقبلة، هو إعادة إحياء الاقتصاد بحيث يمكن التغلب على الدين من خلال النمو بدلاً من التقشف، مثلما حدث بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن ما يقلق البنك المركزي الأميركي الاحتياطي الفيدرالي حقا، هو أن يستيقظ التضخم من سباته الطويل، ويتسبب في ارتفاع أسعار الفائدة قبل أن ينتعش النمو بشكل كبير. هنا قد يصبح ثقل الدين المتزايد صداعا يؤرق أي رئيس مهما كانت حنكته أو براعة إدارته.
ومن شبه المؤكد أن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد مزيدا من المخصصات والمساعدات التي سيوفرها الكونغرس، سواء للأفراد أو للشركات، لإعادة الاقتصاد على قدميه. فرغم كبر حجم المساعدات والحزم التحفيزية، فإن العديد من المشرعين والمحليين يدركون أنها لن تكون كافية في مواجهة الانهيار الاقتصادي الذي تسبب فيه الوباء. وبلا شك، فإنه كلما زاد تأثير الفيروس التاجي على الاقتصاد، تضطر الحكومة الفيدرالية إلى التدخل بقوة، والضغط بشكل أكبر على موازنة الدولة التي تعاني أصلا من عجز سنوي وصل إلى تريليون دولار قبل الأزمة.
من المتوقع أن يوافق الكونغرس، خلال الأيام القبلة، على شريحة دعم رابعة بقيمة 500 مليار دولار لتحفيز الاقتصاد. ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تستمر الحكومة الفيدرالية في الاستدانة والإنفاق على حماية الاقتصاد على المدى القصير دون تفاقم النتائج الاقتصادية في المستقبل؟
وما يجعل أزمة الفيروس التاجي أكثر تدميراً للاقتصاد عن أي أزمة سابقة، هو أنه ليس تسببه فقط في شلل شبه كلي لقطاعات الاقتصاد كافة، بل إنه تسبب في انهيار سوق العمل الأميركية بشكل غير مسبوق، حيث تسبب في تسريح ما يزيد على 22 مليون عامل خلال الأربعة أسابيع الماضية فقط، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بشكل كبير خلال الأسبوعين القادمين، وسوف تستمر الزيادة حتى يعود الاقتصاد إلى طبيعته.
وبصرف النظر عن الضغط الذي تسبب فيه تسريح العمال على الحكومة الفيدرالية من حيث توفير إعانات البطالة التي تلتزم بها الحكومة أمام كل من يترك عمله، فإن انهيار سوق العمل يصاحبه انهيار في القوة الشرائية والاستهلاكية للمستهلكين، وهو أكبر محرك للاقتصاد الأميركي. وبطبيعة الحال، انهارت عائدات الضرائب المحلية والفيدرالية بشكل غير مسبوق. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة، حتى الآن، حول مدى الخسائر التي تسبب فيها الفيروس التاجي على مصادر الإيرادات للولايات والحكومة الفيدرالية، فإن المؤشرات الأولية تنبئ بحجم الدمار.
جدير بالذكر أن منحنى الدين الأميركي كان في صعود مستمر حتى قبل الأزمة المالية العالمية 2008، حتى وصل إلى 79 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. مقارنة بـ35 في المائة في عام 2007، ولم تكن النسبة مخيفة حتى مطلع العام الحالي، إلا أنه بالنظر إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، الذي يتخطى 20 تريليون دولار، يمكن توقع حجم المسؤولية التي ستقع على الإدارات القادمة في حال استمر منحنى الدين في الارتفاع.
على مدى السنوات العشر الماضية، ناقش الاقتصاديون مسألة مقدار الديون التي يمكن للولايات المتحدة تحملها بشكل معقول. لكن معظمهم يوافق على أن الاحتياطي الفيدرالي وأعضاء الكونغرس، ليس لديهم كثير من الأدوات لتجنب زيادة الدين. لكن بشكل عام، هناك قبول بين الاقتصاديين بأن المسار الذي تسير عليه الولايات المتحدة غير مستدام.
«كورونا} يدفع عجز الموازنة الأميركية إلى مستويات تاريخية
الدين العام يتجاوز حجم اقتصاد الولايات المتحدة بنهاية العام
«كورونا} يدفع عجز الموازنة الأميركية إلى مستويات تاريخية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة