«كورونا»... سيناريوهات الخيال العلمي والأدبي

حدث يتغذى على البصري أكثر مما يتغذى على السرد الروائي

مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ
مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ
TT

«كورونا»... سيناريوهات الخيال العلمي والأدبي

مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ
مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ

بمجرد أن صُنف ڤيروس كورونا بمستوى الجائحة، بدأ القراء حول العالم يستعيدون الأفلام والروايات الديستوبية والأبوكلبتية التي تستشرف نهاية العالم من خلال الحروب النووية وأوبئة الدمار الشامل، كما صاروا يبحثون عما يُعرف بأدب الأوبئة، فيستعيدون عناوين «الطاعون» لألبير كامو، و«العمى» لخوزيه ساراماغو، و«رَنِمِزِيسْ» رَبَّة الانتقام، لفيليب روث، وغيرها من الروايات والقصائد التي تحمل عناوين الوباء حتى وإن كانت مضامينها خالية منه. أما لجوؤهم إلى تلك المنتجات الأدبية فلم تكن بطبيعة الحال بحثاً عن علاج. إذ لا تحتوي أي رواية عن لقاح أو مصل ضد أي نوع من أنواع المرض، ولكن رغبة في الاستئناس بأناس تلك الروايات والتعرّف على أقدارهم. وتصريف فائض الخوف والانفعال الذي يسكنهم، بمعنى إعادة تشييد المشهد الحياتي عبر «بينصية» مُلحة تفسر واقع الخوف الآني من خلال فحوى النص الأدبي والعكس، أي فهم النص الأدبي على إيقاع رعب الواقع الموبوء.
هكذا أعاد كورونا إلى الواجهة قراءة فن كتابة الخيال العلمي بالقوة ذاتها التي دفع بها للارتداد إلى مطالعة كلاسيكيات أدب الأوبئة، فرواية «الرجل الأخير» للروائية ماري شيللي، المكتوبة عام 1826 تتحدث عن وباء يجتاح العالم اليوم، وعن بشر يقاومونه بكل الطرق من أجل البقاء، وذلك من خلال بطل يصارع لإبقاء عائلته خارج الخطر، إلى أن يفنى الجميع ولا يبقى إلا هو بصفته الناجي الوحيد. وهذا خيال روائي استشرافي يقف أمامه إنسان اللحظة الكورونية باندهاش، حيث يجد له مكاناً شعورياً في سياق الرواية، تماماً كما يستعيد غابريل غارثيا ماركيز قيمة ومعنى الحُبّ، من خلال الحيلة التي يدبرها فلورينتينو أريثا بطل رواية «الحب في زمن الكوليرا» بإيهام السلطات بأن السفينة التي تعبر النهر موبوءة بالكوليرا، ليتخلص من المسافرين ويختلي بحبيبته السبعينية فيرمينا، وذلك لخلق فضاء حجر صحي عاطفي يتمثل في رفع العلم الأصفر، إشارة إلى وباء الكوليرا، وبذلك يضمن للسفينة حرية الحركة. وهذه لقطة أدبية مؤانسة في هذا المفصل الحياتي المعتم.
الڤيروس المتخيل في رواية «عيون الظلام» الصادرة مطلع الثمانينات من القرن الماضي للروائي الأميركي دين كونتز، صار ڤيروساً واقعياً مطلع العام الحالي، خصوصاً أن مدينة ووهان الصينية التي تفشى فيها الوباء تتطابق مع المدينة المتخيلة في الطبعات الجديدة من الرواية «ووهان 400». وهو المخيال ذاته الذي اعتمده ستيفن كينغ في روايته «نهاية العالم» الصادرة نهاية السبعينات. حتى ما شُوهد في صالات السينما كفيلم «عدوى» (Contagion) صار يشاهد على الشاشات كأمر واقع، بكل ما فيه من مخاطر التماس الجسدي بين البشر، وإجراءات العزل الصحي، وإغلاق المطارات، وتعطيل دور العبادة، ورعب مواجهة وحشية الڤيروس الخفي بشكل فردي أوجماعي، كأن الفيلم يسجل واقعة كورونا بشكل تفصيلي، الأمر الذي يعزز لدى القراء نظرية المؤامرة، المستمدة هذه المرة من فكرة الحرب البيولوجية، وذلك بسبب تطابق سيرورة الوباء مع الخيال الأدبي، كما يلمّح إلى أن أدب ما بعد كورونا قد كُتب قبل الحدث، في الوقت الذي يدفعهم فيه إلى الارتداد مرة أخرى لوساعات ومخيال الأدب المحض.
هذه هي الصورة المحدثة أدبياً للموت الأسود (الطاعون) الذي تكلم عنه جيوفاني بوكاتشيو في «الديكاميرون». وهو ذاته الموت الأحمر، الذي تحدث عنه إدغار آلن بو في «قناع الموت الأحمر». فالموت الوبائي مهما كان لونه المجازي هو موت واقعي. ولأن كورونا ليس حدثاً أدبياً بقدر ما هو لقطة قيامية متشظية، سرعان ما يرتد الإنسان المعولم قارئاً ومشاهداً، إلى شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ليكون شاهداً على قضية كبرى من القضايا المعولمة، وما يترتب عليها من اهتزاز للتاريخ، من دون أن يغفل عن أدبية البعد الرمزي لهذه الجائحة، فهذه ليست جريمة معلومة الملامح كظاهرة الإرهاب مثلاً، بل هي مواجهة مع عدو شبحي يندس في كل أرجاء العالم، وله من طاقة الدمار ما يصعب الإلمام به، أو التنبؤ بمدياته.
هذا الدمار الذي يكاد يشل مفاصل العالم يتجاوز رمزية سقوط البرجين في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولذلك يبدو الخراب الشامل الذي أحدثه كورونا في الاقتصاد والسياسة ومفهوم حقوق الإنسان يصعب تصوره مروياً في عمل أدبي، سواء كان واقعياً أو متخيلاً، لأن فيه من الرعب ما لا يمكن لأدب الخيال العلمي والديستوبيا أن يستوعبه. وعليه فإن العودة إلى مطالعة أدب الأوبئة بأشكاله الواقعية والغرائبية، إنما يعني البحث عن صورة مقربة لجائحة مزلزلة تحدث في لحظة زمنية معقدة ومتشابكة، مع غياب أي أفق للسيطرة على ڤيروس كورونا الميت والمُميت في آن، الذي يعي تماماً نقاط ضعف الإنسان وهشاشة نظام القرية الكونية، كأنه هو مؤلف رواية الرعب هذه، والممسك بحبكتها، فهو كمؤلف كالإله الخفي الذي قال به لوسيان غولدمان، حيث يتحكم في كل مفاصل الرواية وأقدار أبطالها من دون أن يراه أحد.
ولأن اللحظة اليوم هي لحظة الصورة، يتغذى حدث كورونا كواقعة على البصري أكثر مما يتغذى على السرد الروائي، إلى جانب استحواذه كمروية على السرد ذاته ومتعلقاته من الوصف والخيال، لدرجة أن سيولة الصور تموضعه في موقع الخيال. فصورة الحرم المكي خالياً من المصلين تشكل جزءاً مرعباً من مروية الڤيروس. وهي صورة لن تغادر الذاكرة البشرية، وستبقى راسخة بعمق في الأذهان، مثلها مثل صور ميدان سكوير تايم وغيره من ميادين العواصم العالمية الفارغة، وصور توابيت ضحايا كورونا، وصور شاشات أسواق المال المطلية بالأحمر، وصور المطارات الخالية من المسافرين، وصور البشر الملثمين بأقنعة الوقاية في كل مكان، وصور الملاعب الرياضية ومدرجاتها الخاوية. وهي صور تعيد إلى الذاكرة البشرية مشاهد انفجار مفاعل تشرنوبل، وانهيار برجي التجارة في نيويوك، وتسونامي المحيط الهندي.
تخزين الصور في وجدان البشرية بقدر ما يعطيها سمات السرد والخيال، بقدر ما يبتذلها. وكلما تكاثرت الصور امتصت الحدث، وإن أعادت التذكير بأن ما عُرض سينمائياً أو روائياً، ليس سوى افتراضات مقابل مرجعية هذه النازلة. وبذلك تتضاءل قيمة كل سيناريوهات الخيال العلمي المؤفلمة قبالة هذا الوباء الذي يبدو حدثاً استعراضياً، حيث يتوازى عنفه الواقعي مع عنفه الرمزي. فهو ليس حدثاً موضعياً كبكتيريا «أنثراكس» المعروفة باسم الجمرة الخبيثة، التي اتهمت فيها القاعدة بمحاولة النيل من المؤسسة الأمريكية. وعلى الرغم من الهلع الذي أصاب العالم بعد أن صمم وأطلق قرصان إنترنت فلبيني ڤيروس إلكتروني باسم «I love you»، فإن ذلك الإرهاب الإلكتروني لم يحدث هذه الهزة العميقة في وعي ونفسية وأخلاقيات البشر. وربما هذا هو ما يفسر الكيفية التي تحولت بها السرديات الإعلامية إلى جزء من حفلة الرعب الكوروني، لتمكين الخيال بشقيه العلمي والأدبي من استيعاب واقعية هذه القيامة التي تتشظى بوحشية وبطء.
- كاتب سعودي



«الحصن بيغ تايم» وجهة جديدة لإنتاج المحتوى العربي والعالمي من قلب السعودية

نقلة نوعية لتدعيم المحتوى العربي والعالمي من قلب العاصمة السعودية (هيئة الترفيه)
نقلة نوعية لتدعيم المحتوى العربي والعالمي من قلب العاصمة السعودية (هيئة الترفيه)
TT

«الحصن بيغ تايم» وجهة جديدة لإنتاج المحتوى العربي والعالمي من قلب السعودية

نقلة نوعية لتدعيم المحتوى العربي والعالمي من قلب العاصمة السعودية (هيئة الترفيه)
نقلة نوعية لتدعيم المحتوى العربي والعالمي من قلب العاصمة السعودية (هيئة الترفيه)

دشّنت الهيئة العامة للترفيه في السعودية يوم الاثنين استوديوهات «الحصن بيغ تايم – AlHisn Big Time Studios»، وبذلك أصبحت العاصمة السعودية الرياض تحتضن واحدة من أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في الشرق الأوسط.

وتعد «استوديوهات الحصن بيغ تايم» التي بنيت في فترة قياسية لم تتجاوز 120 يوماً نقلة نوعية تعزز من صناعة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في المنطقة وتدعم المحتوى العربي والعالمي وتبسط عمليات الإنتاج عن طريق جمع احتياجات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في موقع واحد، مما يسهم في دعم قطاع الإنتاج بمعايير عالمية، ورفع جودة الأعمال الإنتاجية وخفض تكلفتها إضافة إلى توفير خدمة لجميع الشركات المتخصصة في هذا المجال الواعد.

تساهم الاستوديوهات في رفع جودة الأعمال الإنتاجية وخفض تكلفتها لجميع الشركات المتخصصة في المجال (هيئة الترفيه)‏

قلعة لإنتاج المحتوى العربي والعالمي

وقال وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري إن استوديوهات الحصن⁩ لا مثيل لها في العالم العربي، داعياً المختصين والمهتمين بهذا القطاع للاستفادة من فرصة توفر هذه المنشأة الفريدة، التي بدأت العمل في ظل منظومة حكومية متكاملة لخدمة المستثمرين وشركات الإنتاج، مشيراً إلى أن ما سيتم تقديمه من خلال استوديوهات الحصن لن يكون له مثيل في أي مكان آخر.

من جهته قال رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ إن استوديوهات الحصن⁩ ستكون قلعة لإنتاج المحتوى العربي والعالمي، مشيراً إلى أن السعودية تعد من أكثر الدول استهلاكاً للمحتوى في المنطقة بنسبة تصل إلى 65 في المائة، وأن الإنتاج سيتم من خلال المنصات السعودية التي تتمتع بحوافز غير مسبوقة.

تسعى الاستوديوهات إلى تبسيط وتسريع عمليات الإنتاج وجمع احتياجات الإنتاج في موقع واحد (هيئة الترفيه)

وأضاف آل الشيخ «إننا سنشهد نقلة كبيرة برعاية كريمة ودعم لا محدود من مقام خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الذي أثمر دعمهما عن إنجاز هذه الأعمال في وقت قياسي، ومنها استوديوهات الحصن التي تم إنجازها في 4 أشهر فقط».

وأعلن رئيس هيئة الترفيه أن عمليات الإنتاج ستبدأ فعلياً في نهاية نوفمبر الحالي، حيث سيتم البدء في تصوير أول الأعمال الفنية، وتابع «لدينا 9 أفلام مصرية و 8 أفلام سعودية ومسلسلان سيتم العمل عليها خلال الأشهر الستة المقبلة».‏

افتتحت استوديوهات الحصن أبوابها ومساحاتها الواسعة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في المنطقة (هيئة الترفيه)

استوديوهات نوعية بأحدث التقنيات

وتشكل استوديوهات الحصن فرصة استراتيجية للقطاع المالي والمصرفي لدعم شركات الإنتاج من خلال توفير التمويل اللازم لاستخدام الاستوديوهات المجهزة بأحدث التقنيات، مما يعزز جهود دعم صناعة الإنتاج في المملكة، ويمهد الطريق لتحقيق قفزة نوعية في مجالات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني على الصعيدين المحلي والإقليمي.

وتضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10500 متر مربع بإجمالي مساحة للمشروع تصل إلى 300 ألف متر مربع، إضافة إلى قرية إنتاج تحتوي على ورش للنجارة والحدادة وتفصيل الأزياء.

تشكل استوديوهات الحصن فرصة استراتيجية للقطاع المالي والمصرفي لدعم شركات الإنتاج (هيئة الترفيه)

وتشمل المرافق الإضافية أجنحة فاخرة لكبار الشخصيات، ومكاتب للإنتاج السينمائي، وغرف مونتاج متكاملة، مما يوفر بيئة عمل مثالية تسهم في تحقيق أعلى كفاءة للإنتاج.

وتجولت «الشرق الأوسط» في منطقة الاستوديوهات التي تضمّ «منطقة الإنتاج»، وتتكون من مباني الاستقبال والسكن المهيأ لفرق العمل، بالإضافة إلى مباني الخدمات مثل المطعم والمسجد والخدمات العامة والعيادات الطبية.

فنانون ومنتجون من العالم العربي خلال مشاركتهم في حفل افتتاح الاستوديوهات بالرياض (هيئة الترفيه)

وجرى تصميم منطقة الإنتاج بطراز معماري محلي مهيأ لاحتضان مجموعات العمل وتلبية جميع احتياجات الفريق، ومن ذلك مباني الإسكان المجهزة على أعلى طراز لخدمة مشاريع العمل طويلة الأمد.

وتضم منطقة post production عدة أجنحة لخدمات المونتاج والتلوين واستوديو الصوت، بالإضافة إلى ذلك توجد منطقة wardrobe depot المخصصة لورش صناعة الملابس والخشب واحتياجات التصوير وأدوات الإنتاج المختلفة.

تساهم الاستوديوهات في توفير الوقت والجهد والتكاليف ودعم قطاع الإنتاج في المنطقة بمعايير عالمية (هيئة الترفيه)

وتحتضن الاستوديوهات الواسعة إمكانات متعددة، ومن ذلك المسبح الخارجي الذي يقع على مساحة 50 في 50 والمخصص للتصوير الخارجي، بالإضافة إلى الاستوديو الأول الذي يتمتّع بقدرات لإنجاز 3 مشاريع للتصوير في وقت واحد.

كما يتربع أحد الاستوديوهات على مساحة 5 آلاف متر مربع، وبارتفاع 14 متراً، ويحتضن مجسمات للتصوير داخل طائرة أو قطار بالإضافة إلى التصوير تحت الماء وبه غرفة مخصصة لمخرج العمل.

السعودية أضحت تملك واحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج السينمائي والتلفزيوني في الشرق الأوسط (هيئة الترفيه)

ويضم مبنى آخر متحفاً يعرض مقتنيات نادرة وأدوات تصوير قديمة، شارك في إنجاز بعض أشهر الأفلام العالمية، بالإضافة إلى استوديو خاص له القدرة على الحركة في دائرة كاملة، ويتميز بإمكانات نوعية لتصوير مشاهد مع هطول المطر أو الثلوج، ومزوّد بممرّ للخدمات المساندة تضم غرف المكياج وتبديل الملابس.

وتوفر استوديوهات «الحصن بيغ تايم» لكل المبدعين إمكانية إنجاز أعمالهم وفق أعلى المستويات، لا سيما من قبل الشركات السعودية الواعدة التي كان ينقصها مكان مهيأ بأفضل الخدمات لإنتاج أعمالهم.