التبرعات والإنفاق في لبنان بين فوضى وعجز

TT

التبرعات والإنفاق في لبنان بين فوضى وعجز

أظهرت الجهود الأهلية للتخفيف من تداعيات الإجراءات الحكومية للحد من انتشار فيروس «كورونا»، أعرافاً جديدة لناحية جمع التبرعات ووجهات إنفاقها، تعكس «فوضى» في التعاطي مع الملف من قبل الجمعيات الأهلية والبلديات، خارج الرقابة الحكومية على وجهات الإنفاق.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة منذ الخريف الماضي، تمثلت في ازدياد معدلات البطالة والعجز الاقتصادي وتراجع إيرادات الدولة، في ظل قيود مصرفية على التحويلات والسحوبات المالية، وتراجع قدرات الدولة على الإنفاق، انفجرت في أزمة «كورونا» عندما أقفل جزء كبير من المؤسسات والقطاعات الإنتاجية كنتيجة لإجراءات الحد من انتشار الفيروس وحظر التجول التي فرضتها الحكومة.
وتنامت الدعوات لتكثيف التكافل الاجتماعي، للحد من تداعيات الأزمة في هذه المرحلة، وهو ما دفع متمولين لتقديم المعونة للأسر الفقيرة، في ظل عجز الدولة عن تقديمها لأكثر من 500 ألف عائلة، في حين تأخر صرف المعونات المادية التي تعتزم الحكومة دفعها للأسر الفقيرة بانتظار تنقية لوائح المستفيدين. وإلى جانب البلديات التي سارعت إلى صرف حصص غذائية للسكان ضمن نطاقها، يحمل شبان في أكثر من منطقة لبنانية، صناديق لجمع تبرعات باسم جهات وجمعيات محلية يُسمع بها للمرة الأولى، فيما تتولى البلديات جمع التبرعات من المتمولين في نطاقها، وتستخدم صندوقها البلدي لتوفير دعم للأسر الفقيرة، وهو ما أثار أسئلة عن الرقابة التي من المفترض أن تُمارس على تلك الإدارات الرسمية أو على عمل الجمعيات.
وفيما تتحدث مصادر عن «فوضى» في هذا الجانب، حيث «يحصل تفلّت تحت ستار الأزمة» خارج قيود الرقابة، يستبعد عضو لجنة «الدفاع الوطني والداخلية والبلديات» في البرلمان اللبناني النائب محمد خواجة أن تكون هناك فوضى، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية فرضت هذا الشكل، لكنه يفترض أن يخضع للرقابة.
وتعتبر وزارة الداخلية والبلديات هي الجهة المعنية بتنظيم عمل الجمعيات والأحزاب والبلديات، وتدخل الأحزاب من ضمنها، كونها «جمعيات سياسية» تحصل على علم وخبر من «الداخلية».
ويشير خواجة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هناك قوانين ترعى عمل الجمعيات وناظمة لها، مشدداً على أنه «من يخالف هذه القوانين لأغراض متعددة، يجب إيقاف عملها، وإذا كانت من أعمال جرمية أو تجاوزات، فإن القضاء سيتحرك ويحاسب».
ويكشف خواجة عن اجتماع قريب للجنة «الدفاع الوطني والداخلية» في البرلمان، «سيكون موضوع الرقابة على البلديات والجمعيات في هذه الظروف أساسياً على جدول أعمال الجلسة»، لكنه يتوقف في الوقت نفسه عند الأزمات التي تعصف بلبنان، من الأزمتين الاقتصادية والمعيشية إلى انفجار أزمة انتشار «كورونا»، ليشير إلى أنه «لا يمكن إلا تشجيع العمل الأهلي ضمن حدود الرقابة والقانون، بالنظر إلى عجز الدولة عن رعاية المواطنين وتلبية احتياجاتهم، وذلك لمساعدة الناس على مواجهة الأزمة تحت رقابة الدولة وضبطها لتلك النشاطات».
ولا ينفي خواجة أن لبنان «دولة هشة بسبب الأزمات التي تعاني منها، بإمكانيات مصفرة، وهو يوجب التكافل الاجتماعي بمعزل عن الخلافات والانقسامات للحد من تداعيات الفيروس». وإذ يلفت إلى أن البلدية هي «حكومة المنطقة أو المدينة أو القرية التي تمثلها»، يطالب وزارة المالية بصرف المستحقات المتوجبة عليها للبلديات كي تستطيع أن تقوم بواجباتها تجاه سكان المنطقة الخاضعة لها، وأن تتابع أوضاع المواطنين «لنضمن الخروج من الأزمة بأقل الخسائر وبأقصر وقت من الوضع الاستثنائي الذي نمر به».
ولا يتيح القانون للبلديات ولمعظم الجمعيات جمع التبرعات من دون إذن حكومي، لأن جمع التبرعات يحتاج إلى مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وعادة من تسمح الحكومة لتلك الجهات بذلك في الظروف الاستثنائية شرط خضوعها للرقابة، حيث تراقب السلطة الإدارية وجهات التبرع والإنفاق، وتقدم هي الوثائق والمستندات للكشف عن وجهات الصرف، وفي حال مارست الجمعيات نشاطات فوضوية تتعرض للملاحقة الإدارية والقضائية وصولاً إلى سحب العلم والخبر منها.

غير أن توسع الصلاحيات الاستثنائية للبلديات، ينظر إليها البعض على أنها تكريس لـ«فوضى منظمة»، حيث «تعطي لامركزية القرار للبلديات، وهو مختلف عن اللامركزية الإدارية»، بحسب ما يقول الباحث السياسي الدكتور مكرم رباح لـ«الشرق الأوسط»، معتبراً أن «إعطاء اللامركزية للبلديات، هو إعطاؤها عملياً للأحزاب، وهو نوع من خبث تمارسه الحكومة لإعطاء فرصة للأحزاب لتؤكد لقاعدتها بأنها الحل الوحيد بلبنان، في مقابل الاعتباطية بتنفيذ الخطط الحكومية».
ويضيف «الحكومة تظهر أنها ليست مستقلة بسبب عجزها عن فرض قراراتها، ويبدو أنها تتحرك بتنسيق واضح وبإيعاز من الأحزاب»، لافتاً إلى حركة «حزب الله» ضمن نطاق نفوذه، ويقول إن التطبيع الذي جرى لعمل البلديات «يظهر أن حركة الحزب لا تبدو نافرة لأنها جزء من تحركات أحزاب أخرى بدأها الحزب التقدمي الاشتراكي، حيث تحمل المسؤولية ونزل إلى الميدان».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.