الماليون ينتخبون نوابهم رغم هجمات المتشددين... والفيروس

TT

الماليون ينتخبون نوابهم رغم هجمات المتشددين... والفيروس

توجّه الناخبون في مالي أمس لاختيار نوابهم في دور ثان من الانتخابات التشريعية أبقت السلطات على موعدها رغم أعمال العنف التي يقوم بها متشددون وانتشار فيروس «كورونا» المستجد في البلاد، وخطف المعارض الرئيسي لنظام الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا.
وجرى التصويت بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً وكان يفترض أن يستمر حتى السادسة مساء، بينما يُنتظر إعلان النتائج الأولية مطلع الأسبوع، مع العلم أن الدور الأول جرى في 29 مارس (آذار) الماضي. وقال الطالب موسى دياكيتي (23 عاما) في العاصمة باماكو أمس: «أدليت بصوتي. هذا ضروري رغم الوضع الحالي. نحتاج إلى نواب جدد لتعزيز ديمقراطيتنا». وكان الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا أعلن في رسالة إلى الأمة، ظهر خلالها مرتديا كمامة أنه «في الديمقراطية لا شيء يضاهي الشرعية الدستورية الكاملة وسير عمل المؤسسات». وأيدت أغلبية الطبقة السياسية الإبقاء على موعد هذه الانتخابات الذي تم تأجيلها مرات عدة.
والرهان على هذه الانتخابات كبير ويتمثل بتجديد ولاية البرلمان المنبثق عن انتخابات 2013 وكان يفترض أن تنتهي ولايته في أواخر 2018، وبدفع تطبيق «اتفاق الجزائر» للسلام قدما. وينص الاتفاق، الذي تم التوقيع عليه في 2015 بين المجموعات المسلحة الاستقلالية وباماكو، على تخفيف المركزية عبر إصلاح دستوري يقره البرلمان. لكن شرعية البرلمان المنتهية أصبحت موضع تشكيك. ولكن كيف يمكن إثارة حماس ماليين يشككون في قدرة قادتهم على انتشال البلاد من الحرب والفقر؟
وتساءل إبراهيم سانغو رئيس بعثة «سينيرجي» التجمع الذي يضم منظمات تنشر مراقبين في هذه الانتخابات «في الوسط وفي الشمال، هل سيتمكن السكان من التصويت بحرية؟»، موضحا أن «الجماعات الإرهابية تهدد السكان في وسط البلاد» لثنيهم عن التصويت.
وشهدت الدورة الأولى التي جرت في 29 مارس، خطف رؤساء مراكز للتصويت وسرقة وتدمير صناديق اقتراع. كما نفذ المتشددون الكثير من هجمات الترهيب بالدراجات النارية في مناطق تمبكتو الريفية. وقالوا للسكان: «لا تصوتوا وإلا سنتولى أمركم»، بحسب تقرير داخلي للأمم المتحدة. ونقل التلفزيون الرسمي عن وزير إدارة الأراضي أبو بكر ألفا باه اعترافه بأن نحو ألف من أصل أكثر من 22 ألف مركز اقتراع لم تفتح أبوابها. وقال دبلوماسي من إحدى دول منطقة الساحل إن نسبة المشاركة المرتفع في بعض مناطق الشمال (أكثر من 85 بالمائة في كيدال مقابل معدل يبلغ 35.5 بالمائة في البلاد وانتخاب نواب بنسبة 91 بالمائة أو 97 بالمائة من الأصوات) يشير إلى «احتمال حدوث تزوير» .
وفي العاصمة، بلغت نسبة المشاركة في الدورة الأولى 12.9 بالمائة. ويشير سانغو إلى أن هذا المعدل المنخفض للمشاركة يندرج ضمن المستويات الطبيعية في مالي.
انتخب 22 نائبا (من أصل 147) في الدورة الأولى، بينهم زعيم المعارضة إسماعيل سيسي الذي خطف في 25 مارس أثناء مشاركته في الحملة. وفي غياب أي دليل رسمي، تحوم الشكوك حول الجماعة المتشددة التي يقودها أمادو كوفا. وتجري مفاوضات لإطلاق سراحه، بحسب حزبه. ويرى بريما علي ديكو رئيس قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة باماكو أن «إسماعيل سيسي صيد ثمين يمكن استبداله من خلال شخصيات أخرى مهمة مسجونة» . ولم تثن عملية الخطف غير المسبوقة هذه، السلطات عن الإبقاء على موعد الاستحقاق الانتخابي، وكذلك الأمر بالنسبة لانتشار فيروس «كورونا» المستجد في البلاد.
وأعلنت مالي رسميا تسجيل 216 إصابة و13 وفاة بـ«كوفيد - 19» . وكما يحدث في جميع أنحاء العالم، يثير احتمال انتشار الفيروس قلقا كبيرا بشأن القدرة على التصدي للوباء. وفرضت السلطات حظر تجول ليلا وأغلقت المدارس وفرضت قيودا على النشاطات. ولكن في عاصمة بلد يعد من أفقر دول العالم ويعيش السكان فيه من عملهم اليومي، لم تخلُ الأسواق والمساجد ووسائل النقل العامة.
وتعهد الرئيس المالي أمس بأنه «سيتم تطبيق جميع التدابير الصحية والأمنية الضرورية بدقة». من جهته، دعا عثمان أميرو ديكو الزعيم التقليدي في الساحل الأفريقي أمير منطقة ليبتاكو الواقعة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر السبت إلى هدنة إنسانية لمنع انتشار فيروس «كورونا» في المنطقة التي تعاني من أعمال عنف داخلية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟