خسائر أميركا ليست مكاسب للصين

خسائر أميركا ليست مكاسب للصين
TT

خسائر أميركا ليست مكاسب للصين

خسائر أميركا ليست مكاسب للصين

مما لاشك فيه أن أزمة فيروس كورونا ألقت بآثارها على كل من الولايات المتحدة والصين، وعلى العلاقة بينهما. وقد يكون من السابق لأوانه تقييم هذه الآثار على بعض القضايا التي ترتبط بالبلدين، مثل موازين القوى والمكانة في النظام الدولي، خاصة أن الأزمة ما تزال مستمرة، وبعض الخلاصات التي تم الترويج لها في بداية الأزمة، مثل النجاح الصيني (الآسيوي) والإخفاق الأميركي الأوروبي، والقفز من ذلك لنتائج تتعلق بهيكل النظام الدولي، هي الآن محل مراجعة في ضوء ظهور موجة جديدة من الوباء في دول آسيوية كانت تعد نماذج نجاح، والتشكك الغربي المتزايد في المعلومات التي تعلنها الصين بشأن درجة تفشي الفيروس، والنجاح في التعامل معه.
يضاف لذلك أن عدداً من القضايا الكبرى التي أثارها انتشار الوباء، المرتبطة أيضاً بالصين والولايات المتحدة، لن تحسم قريباً، وستستمر محل جدل لسنوات مقبلة، ومنها الأسئلة المتعلقة بالأفضل في التعامل مع الأزمة، هل هي النظم السلطوية أم الديمقراطية؟ الدولة القائمة على الفيدرالية والحكم المحلي أم ذات السلطة المركزية؟ دور الحكومة أم القطاع الخاص والمجتمع المدني؟ وهل المحصلة هي انتصار للقومية والشعبوية أم للعولمة؟
ولكن بعيداً عن هذه القضايا الكبرى، يمكن القول إن أزمة كورونا سيكون لها قدر من التأثير على كل من الصين والولايات المتحدة، والعلاقة بينهما، ودورهما في النظام الدولي، ومحصلة ذلك أن الدولتين ستخرجان خاسرتين من هذه الأزمة، ولكن بدرجات متفاوتة، وخسائر الولايات المتحدة لن تترجم بالضرورة إلى مكاسب فورية للصين.
فأزمة كورونا لن ينتج عنها نشأة نظام دولي جديد، ولكنها بالتأكيد ستؤدي لتسارع الخطوات في الاتجاه الذي كان يسير فيه هذا النظام قبل الأزمة، وهو نظام دولي بلا أقطاب. فالولايات المتحدة تتراجع عن الدور القيادي الذي اعتادت أن تلعبه منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانكفأت بشكل أكبر على نفسها في أثناء أزمة كورونا، ولم تقدم نموذجاً دولياً للتعامل مع الأزمة، وساهمت بمساعدات متواضعة للدول الأخرى، وشدد ترمب على الحاجة لمزيد من الحواجز لدخول السلع والبشر لبلاده. وفي المقابل، ورغم أن الصين طرحت نفسها بصفتها نموذجاً للإدارة الناجحة للأزمة، وحققت بعض المكاسب الرمزية نتيجة لتفعيل قوتها الناعمة، وتقديم مساعدات طبية لكثير من دول العالم، فإن ذلك لا يعني أنها قادرة على ملء فراغ التراجع الأميركي، وقيادة نظام دولي جديد، فما تزال تفتقد لكثير من القدرات، وما زال هناك إشكاليات كبرى بشأن النموذج الذي تمثله. والأرجح أن يستمر العالم في السير نحو اللاقطبية، وترسيخ نظم إقليمية يزداد فيها تأثير القوى المتوسطة، وليس نظاماً دولياً جديداً قائماً على قطبية أميركية أو صينية، أو ثنائية تجمع بينهما.
ومن ناحية أخرى، فإن أزمة كورونا قد وسعت هوة عدم الثقة بين الولايات المتحدة والصين، ومن المتوقع أن تصبح الصين قضية كبرى في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. وقد وجه الرئيس ترمب انتقادات لمنافسه الديمقراطي جو بايدن، مشيراً إلى أنه يتبنى موقفاً «ضعيفاً» تجاه الصين، وأنه عارض إجراءات حظر السفر منها، ولا ينظر إليها على أنها تمثل تهديداً للاقتصاد الأميركي.
إلا أن القضية الأكبر التي بدأت تثيرها إدارة ترمب هي تلك المتعلقة بمدى مسؤولية الصين عن ظهور فيروس كورونا وانتشاره في العالم، ومن المتوقع تحميل نمط الحياة الصيني هذه المسؤولية، والدعوة لتغييره، لأن تأثيره تجاوز الداخل الصيني وامتد لمجتمعات أخرى، وأثر على نمط حياتها، وهي أفكار شبيهه بتلك التي ظهرت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، واتهام الداخل العربي بالمسؤولية عن نمو الإرهاب. وفي هذا الإطار، فإن تسليط الضوء على الداخل الصيني سوف يزيد من التوتر مع الغرب، ويؤثر على الترويج للنموذج الصيني في العالم، رغم ضغوط الصين لعدم تسييس القضية.
وسوف تؤثر أزمة كورونا أيضاً على الموارد الاقتصادية المتاحة لكل من الولايات المتحدة والصين لتحقيق أهدافهما الخارجية، والأمر يبدو أكثر وضوحاً في حالة الصين، فرغم عودة كثير من خطوط الإنتاج، فإن الطلب العالمي على منتجاتها انخفض بشكل كبير نتيجة لحالة الإغلاق. كما أن عدداً من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة والدول الغربية بدأت في التحول بعيداً عن خطوط الإمداد الصينية التي انقطعت في أثناء الأزمة، والاعتماد على إمدادات من دول أخرى، بالإضافة إلى تصاعد الضغوط لاستخدام الموارد محلياً، وليس في الخارج، وسوف يؤثر كل ذلك على قدرة الصين على تمويل أهداف سياستها الخارجية.
باختصار، ليس من المتوقع أن تؤدي تداعيات انتشار كورونا إلى تغيير هيكلي في النظام الدولي، أو توازن القوى بين الصين والولايات المتحدة، ولن يحكمها منطق المباراة الصفرية، بمعنى أن خسائر إحدى الدولتين ستترجم بالضرورة إلى مكاسب للأخرى، ولكن ما زالت هناك فرصة لأن تتحول لمباراة إيجابية يستفيد منها الطرفان والعالم، لو أدركت قيادتا البلدين أهمية التعاون بينهما للخروج من هذه الأزمة.
- مدير معهد البحوث والدراسات العربية أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم