أزمة «كورونا» كشفت هشاشة النظام الصحي البريطاني

أعضاء الجهاز الطبي في مستشفى ليفربول الملكي الجامعي (أ.ف.ب)
أعضاء الجهاز الطبي في مستشفى ليفربول الملكي الجامعي (أ.ف.ب)
TT

أزمة «كورونا» كشفت هشاشة النظام الصحي البريطاني

أعضاء الجهاز الطبي في مستشفى ليفربول الملكي الجامعي (أ.ف.ب)
أعضاء الجهاز الطبي في مستشفى ليفربول الملكي الجامعي (أ.ف.ب)

يدين الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني جيريمي كوربن تردّي وضع النظام الصحي «غير الجاهز» لمواجهة تدفق المرضى المصابين بـ«كوفيد-19» بسبب عقد من الإجراءات التقشفية، بينما تنتقد رابطة مديري الصحة العامة «سنوات الاقتطاعات (المالية) القاتمة» التي تدفع البلاد ثمنها اليوم.
ومنذ بداية انتشار وباء كورونا الذي أودى بحوالى 14 ألف شخص في المملكة المتحدة، انهالت الانتقادات لنقص التمويل المزمن للنظام الصحي الوطني (إن إتش إس) الشامل والمجاني الذي يعتز به البريطانيون.
وبات رئيس الوزراء بوريس جونسون، أحد الناجين من الوباء والذي وعد خلال حملة الانتخابات البرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بضخ المليارات في النظام الصحي، يؤكد أنه سيقدم له «كل ما يلزم».
وتعاني دول عدة أخرى من الوضع نفسه، خصوصاً فرنسا حيث يحتج السلك الطبي منذ سنوات محذراً من ضعف خدمات الطوارئ. وفيما تجاوز الوضع قدرة المستشفيات وباتت الوفيات تعد بالآلاف، وعد الرئيس إيمانويل ماكرون بـ«خطة واسعة» للاستشفاء.
وقال أستاذ السياسة الصحية في جامعة «لندن سكول أوف إيكونوميكس» إلياس موسيالوس إن «النظام الصحي الوطني يعاني من نقص في التمويل معترف به منذ 2010 (...) عرقل رده على فيروس كورونا المستجد».
من جهته، أكد أستاذ سياسة الصحة الدولية في جامعة «إمبريال كوليدج أوف لندن» فرانكو ساسي لوكالة الصحافة الفرنسية أن الاستعداد لأزمة صحية مثل وباء كورونا «لم يكن كافياً بشكل واضح في غالبية الدول الصناعية بما فيها بريطانيا».
وأوضح موسيالوس أن ميزانية النظام الصحي البريطاني «تمثل 7.6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، أي النسبة نفسها تقريباً التي كانت محددة في 2012 بينما ارتفع عدد السكان وكلفة العلاج». وأضاف أن هذه الميزانية كانت ترتفع تاريخيا نحو 4 في المائة سنويا، لكن بعد الأزمة المالية في 2008-2009 التي أدت إلى تقليص كبير في نفقات الخدمات العامة، لم ترتفع سوى 1.5 في المائة لسنوات عدة. ولاحقاً عاودت الميزانية الارتفاع خصوصاً بعد فضيحة واسعة عرفت باسم «ميد ستاف» عندما نسبت مئات الوفيات إلى سوء العناية في أحد المستشفيات التابعة للنظام الصحي الوطني.
وهذا النقص المزمن في الأموال يترجَم بنقص في عدد الأسرّة الذي يبلغ في المعدل 2.5 لكل ألف شخص في بريطانيا، مقابل ستة لكل ألف في فرنسا وثمانية لكل ألف في ألمانيا، حسب أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
والفرق أكبر في عدد الأسرّة المخصصة للعناية المركزة التي يتحدد فيها مصير المرضى المصابين بـ«كوفيد-19» بأعلى درجات الخطورة. وتملك بريطانيا أقل من نصف ما لدى فرنسا وأقل بخمس مرات مما تملكه ألمانيا، حسب موسيالوس.
ومن النتائج الأخرى لسنوات التقشف هذه النقص الخطير في الطواقم. وقال موسيالوس إن «نحو مائة ألف وظيفة شاغرة حالياً في النظام الصحي الوطني، أي وظيفة من كل 12»، معظمها لأطباء وممرضين، خصوصاً في أقسام العناية المركزة الممتلئة اليوم.
وأكد فرانكو ساسي أن المملكة المتحدة التي كانت تضم في الأساس عددا من الممرضين والممرضات أقل مما هو في فرنسا أو ألمانيا، «واحدة من الدول النادرة في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي» التي شهدت انخفاضاً في عددهم في السنوات الأخيرة.
وهذا الوضع ناجم عن الصعوبة في التوظيف بسبب ظروف العمل القاسية والأجور الضئيلة. لذلك يتخلى كثيرون عن عملهم أو يتجهون إلى القطاع الخاص أو العمل في الخارج.
وردت بريطانيا على أزمة كورونا باستدعاء الممرضين والأطباء المتقاعدين ليعاودوا عملهم، لكن هؤلاء وبما أنهم مسنون، في وضع هش وهامش حركتهم محدود.
وقال ساسي: «لم ننه بعد تحليلاتنا لكن هناك مؤشرات قوية إلى أنه عندما تكون القدرة على الاستقبال في العناية المركزة أكبر، يسجل معدل وفيات أقل».
وتشير فيونا جونسون من مركز الدراسات المتخصص بالقطاع الصحي «نوفيلد تراست» إلى أنه مع انتشار الوباء «تم تأجيل العديد من العمليات (غير المرتبطة بكوفيد-19)»، ما يمكن أن يؤثر على الصحة العامة في وقت لاحق. وتضيف أنه في المقابل «سيكون لدينا طواقم منهكة وسيطرح ذلك مشكلة أخرى. حالياً نحن في وسط ميدان المعركة».


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك من اليسار: القلب السليم مقابل القلب المصاب بالرجفان الأذيني (غيتي)

تتبُع الرجفان الأذيني باستخدام ساعة ذكية؟ تجنّبْ هذا الفخ

يعاني الملايين من الأميركيين من الرجفان الأذيني - وهو اضطراب سريع وغير منتظم في إيقاع القلب يزيد من خطر المضاعفات القلبية الوعائية، بما في ذلك السكتة الدماغية

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».