لاجئون سوريون «يردون جميل» قرية فرنسية استضافتهم

تبرعوا بألفي قناع قابل للغسل صنعوها بأنفسهم

مصطفى شيخو يسلم أقنعة أنتجها مع أشقائه لصيدلاني في لافارداك الفرنسية (أ.ف.ب)
مصطفى شيخو يسلم أقنعة أنتجها مع أشقائه لصيدلاني في لافارداك الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

لاجئون سوريون «يردون جميل» قرية فرنسية استضافتهم

مصطفى شيخو يسلم أقنعة أنتجها مع أشقائه لصيدلاني في لافارداك الفرنسية (أ.ف.ب)
مصطفى شيخو يسلم أقنعة أنتجها مع أشقائه لصيدلاني في لافارداك الفرنسية (أ.ف.ب)

في أحد أزقة بلدة لافارداك جنوب غربي فرنسا، يعكف لاجئون من سوريا على صنع أقنعة قماشية، «تضامناً» مع سكان القرية التي استضافتهم.
في غرفة صغيرة حولت إلى مشغل، يعمل الأشقاء مصطفى ومحمد وفوزي وحكمت شيخو مع صهرهم رياض، على تقطيع القماش الملون، وطيه، وخياطته، وهم يتبادلون أطراف الحديث بالكردية. على طاولة الكي، تنتظر عشرات الأقنعة، يدوية الصنع، الملونة، تسليمها إلى صيدلية قريبة، كما وصف تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويقول الشقيق الأكبر مصطفى: «أردنا خدمة أبناء البلدة العاجزين عن الخروج، فنحن نعرف معنى ذلك، بعدما عشنا الحرب في ديارنا».
وكان مصطفى، وهو خياط مثل شقيقه الأصغر محمد الذي يعمل في هذا المجال في مدينة أجان المجاورة (جنوب غرب)، يستعد لفتح مشغل خياطة في بلدة لافارداك البالغ عدد سكانها 2300 نسمة. إلا أن إجراءات العزل السارية في فرنسا منذ 17 مارس (آذار) حالت دون ذلك. وقد شارفت حصيلة الوفيات جراء وباء «كوفيد - 19» على 18 ألفاً في هذا البلد.
ويروي محمد (24 عاماً) باللغة الفرنسية: «كان لدينا مخزون من القماش، فبدأنا نصنع الأقنعة لأفراد العائلة. ومن ثم قلنا: لم لا نصنع منها لأصدقائنا في البلدة؟ لقد خدمتنا البلدية (باستضافتهم نهاية عام 2016)، وأردنا أن نقوم ببادرة اتجاههم». وهم يلقون أحياناً مساعدة من شقيقاتهم أو من والدتهم راضية. وقد صنعوا حتى الآن حوالي ألفي قناع قابلة للغسل بسماكة ثلاث طبقات.
ويقول الصيدلاني فريديريك بارت، «بفضل أقنعتهم، يجرؤ بعض الناس على الخروج، إذ توفر بعض الحماية بانتظار أن تصلنا أقنعة فعلية». وتعرض صيدليته، وأخرى في بلدة مجاورة، فضلاً عن بعض الجمعيات، إنتاج عائلة شيخو، وتحاول أن تدفع لها يورو واحداً لكل قناع لتغطية الكلفة.
ويقول فوزي: «يقول لنا بعض الناس إن علينا أن نبيعها بأربعة أو خمسة يورو، إلا أننا لا نريد ذلك، تضامناً».
وقد كتب فوزي، وهو تلميذ في المرحلة الثانوية في التاسعة عشرة من عمره، كتيباً بعنوان «أسعى إلى السلام»، يروي رحلة عائلته المحفوفة بالمخاطر من حمص، حيث كانت تقيم عند اندلاع النزاع في سوريا في 2011، ومن ثم لبنان لبضعة أشهر، من ثم عفرين مسقط رأسهم في سوريا. وقد انتقلت العائلة بعد ذلك إلى إسطنبول، ومنها إلى أثينا، ففرنسا.
ويقول حكمت (17 عاماً) الذي يتكلم مثل فتى فرنسي تقريباً: «لقد تعلمنا أول كلمة بالفرنسية في المطار عندما قيل لنا: بونجور (صباح الخير)». وعلى غرار مئات آلاف اللاجئين، انتقلت العائلة ليلاً إلى جزيرة يونانية على متن مركب مطاطي من الشاطئ التركي يحمل أكثر من طاقته مع نحو 50 شخصاً، كلهم من أقارب عائلة شيخو، من بينهم 19 طفلاً.
ويقول فوزي هامساً: «قبل رحلة العبور هذه قلنا: إما أن نموت معاً أو ننجو معاً. لقد شعرنا بالخوف بطبيعة الحال».
ويقول رئيس بلدية لافارداك فيليب بارير، إن السكان في البداية «لم يرحبوا كثيراً» بقرار استقبال عائلة من اللاجئين السوريين، لكن «من خلال المدرسة والجمعيات والعمل، برهن آل شيخو عن رغبتهم الفعلية بالاندماج، ومبادرة الأقنعة خير دليل على طيبة قلبهم وعزمهم... إنهم معتادون على الكفاح والصمود». وتلمس عائلة شيخو اندماجها الناجح في حياة البلدة في الشارع، ويقول أحد الأشقاء: «أحياناً نلتقي بأبناء البلدة وهم يضعون أقنعتنا. في أحد الأيام شكرتني امرأة تضع قناعاً من صنعنا».


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».