بسبب الخوف من عدوى وباء «كورونا»، اتجهت سيدات مصريات مرة أخرى إلى ممارسة العادات والطقوس القديمة، التي من بينها إعداد «الخبز الشمسي» الذي تم التخلي عنه في المدن والمناطق الحضرية، بسبب التكنولوجيا والوجبات السريعة، فبعدما درج كثير من السيدات على شراء أرغفة الخبز من أفران آلية قريبة من مساكنهن، قررن العودة لإعدادها داخل منازلهن، وذلك بكميات تكفي لإطعام أفراد عائلاتهن على مدار عدة أيام، خوفاً من إصابة أحد أفراد الأسرة بفيروس «كورونا»، حال اضطراره للدخول وسط زحام الأفراد أمام الأفران والمخابز.
فتحية سعد، معلمة مصرية، يتجاوز عمرها خمسين ربيعاً، تقيم بـ«منطقة فيصل» بالجيزة (غرب القاهرة) كانت قبل عشرين عاماً أو أكثر، تعد مع والدتها بشكل أسبوعي الخبز الذي يسمونه في الوجه القبلي حيث نشأت: «العيش الشمسي»، إذ كانت تستيقظ من النوم مبكراً، وتقوم بإعداد العجين في إناء من الفخار يطلق عليه «الماجور»، ثم تغطيه، وتتركه حتى يختمر، وتقوم بعد ذلك بتقطيع العجين إلى قطع صغيرة توزعها على «مقارص»، وتضعها في الشمس لبعض الوقت، وقبل ذلك بقليل يعمل أحد أفراد العائلة على إشعال الفرن المبني من الطين وقوالب الطوب اللبن، بأعواد الحطب، وحين يصل إلى درجة من السخونة تلقي والدتها الأرغفة داخل الفرن وتغلق الفوهة بطبق قديم من الألمنيوم، حتى تشم رائحة نضج الأرغفة. كانت الأمور تتم بمتعة كبيرة، وكانت الأرغفة تفوح منها رائحة طيبة وتملأ المكان، وفق فتحية.
وقبل انتشار الأفران البلدية الآلية في جميع أنحاء المدن والقرى المصرية، كانت أُسَر كثيرة - وخصوصاً في الريف – تعتمد على تناول الخبز المعد بالمنازل، وكانوا يمتنعون عن شراء خبز الأفران الحكومية، تماشياً مع عادات وتقاليد نشأوا عليها، وفق عفاف محمود، وهي ربة منزل تعيش بالقاهرة، والتي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كنا نعيش في محافظة المنيا (جنوب القاهرة) كان والدي يشتري في موسم حصاد القمح كميات كبيرة تكفي حاجة الأسرة حتى الموسم التالي، وكان يوم الخَبز يوماً مميزاً، إذ كنا نوزع على الجيران أرغفة الخبز الساخنة ذات المذاق الشهي».
وتستهدف مصر الوصول بإنتاجها من القمح هذا العام إلى 9 ملايين ونصف مليون طن، وهو ما يعني زيادة الإنتاج بنحو واحد ونصف مليون طن عن العام الفائت، والذي شهد استيراد نحو 13 مليون طن من القمح، بحسب ما أعلنت وزارة الزراعة المصرية التي أشارت في بيان لها إلى أن المساحة المزروعة من القمح موسم 2019 - 2020 بلغت 3 ملايين ونصف مليون فدان تقريباً.
ويبدأ حصاد القمح المصري في شهر أبريل (نيسان) الجاري، ويتم توريده إلى الصوامع العامة والخاصة بأسعار تحددها الحكومة. وللتغلب على أزمة إهدار كميات كبيرة من القمح، توسعت السلطات المصرية خلال السنوات الماضية في إنشاء الصوامع بأنحاء عدة من الجمهورية.
ووفق منال عبد الواحد، وهي مهندسة تقيم بالجيزة، فإن كثيراً من السيدات اتجهن مرة أخرى إلى إعداد الخبز بالمنازل؛ لا سيما بعد قرارات التباعد الاجتماعي وبقاء السيدات العاملات في منازلهن خلال الفترة الجارية، وتضيف: «أنا - مثلاً - قمت باستغلال بطاقة التموين للحصول على كميات من الدقيق والخميرة، لإعداد الخبز بنفسي في فرن الغاز المنزلي».
وذكرت أنها تخشى المجازفة بابنها الذي يبلغ عمره نحو 13 عاماً، لشراء الخبز بشكل يومي في ظل الأوضاع الحالية؛ حيث تعد ما يكفيها من الخبز لمدة يومين أو ثلاثة، ثم تكرر الأمر مرة أخرى.
«كورونا» يعيد مصريات إلى «الخبز الشمسي»
خوفاً من «العدوى» و«قيود الحظر»
«كورونا» يعيد مصريات إلى «الخبز الشمسي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة