مع تمديد الهند فترة الحظر البالغة 21 يوماً لأسبوعين آخرين، توضح المؤشرات الأولية أن تدابير التباعد الاجتماعي بدأت تأتي بثمارها في الحد من انتشار فيروس «كوفيد- 19» في البلاد؛ حيث لاحظ العلماء تغيراً إيجابياً طفيفاً؛ لكنه ملحوظ، في منحنى تفشي الوباء. وقد تجاوزت الإصابات المؤكدة في الهند 13 ألف حالة، في حين بلغ عدد الوفيات نحو 450.
وتنظر الحكومة في تخفيف بعض القيود أثناء فترة الحظر، بالنسبة إلى العاملين في مجال الزراعة، كما سمحت باستمرار العمل في القطاعات الصناعية الضرورية لضمان استمرار عجلة الاقتصاد. وقد تم تقسيم المناطق المختلفة من البلاد إلى مناطق حمراء، وبرتقالية، وخضراء، لتوضيح انتشار الفيروس.
وأصدر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي توجيهات لكافة الوزراء والمسؤولين بمواصلة العمل على إنعاش الاقتصاد خلال فترة ما بعد الحظر. كما اتَّخذت السلطات إجراءات صارمة تجاه خارقي تدابير الحجر الصحي، ووجَّهت أمس تهمة القتل غير العمد لرئيس مركز إسلامي، بعدما عقد تجمعاً الشهر الماضي تقول جهات مختصة إنه أدى إلى قفزة كبيرة في الإصابات بفيروس «كورونا». وتم إغلاق مقر جماعة «التبليغ» في زاوية ضيقة من نيودلهي، ووضع الآلاف من الأتباع، بما في ذلك البعض من إندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش، في الحجر الصحي، بعد أن تبين أنهم حضروا اجتماعات هناك في منتصف مارس (آذار). وقال متحدث باسم الشرطة إن الشرطة رفعت في البداية دعوى على محمد سعد كندهلوي، رئيس المركز، لانتهاكه حظراً على التجمعات الضخمة؛ لكنها قامت الآن بتفعيل القانون الخاص بالقتل غير العمد.
- «رحلة عمر»
وبينما يجد ملايين الهنود أنفسهم عالقين في منازلهم، برزت قصص إنسانية مؤثرة، وأخرى مؤلمة. وكان من أبرزها قصة أم تبلغ من العمر 48 عاماً، قادت دراجتها النارية لمسافة امتدت 1400 كيلومتر من جامو وكشمير، بهدف الاجتماع بابنها الذي كان في ولاية أخرى. وقالت رازيا بيغوم، وهي ناظرة مدرسة قررت إعادة ابنها إلى الديار، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «أقود دراجة نارية منذ 25 عاماً، فقد توفي زوجي منذ أربعة عشر عاماً، وكنت قد اعتدت القيادة إلى حيدر آباد؛ حيث كان عليه إجراء غسيل كلوي. لذا لم أشعر بالخوف رغم بعد المسافة. واعتقدت أنني إذا قدت دراجة نارية صغيرة وحدي، فسأتمكن من إقناع رجال الشرطة بالسماح لي بالسفر؛ ولم أخبر ابني أو أشقائي وشقيقاتي بالأمر». كانت رازيا تتزود بالوقود كلما وجدت محطة في الطريق، وكانت تحمل معها علبة تخزن بها الوقود الإضافي، إلى جانب حملها للطعام اللازم للرحلة. وأوضحت: «كنت أستريح لمدة تتراوح بين 15 و20 دقيقة في محطات الوقود التي أتوقف بها، وأشرب وأمنح المحرك فرصة ليبرد. لحسن الحظ، لم تتعطَّل الدراجة في أي مكان. تم توقيفي من جانب الشرطة عند نقطة تفتيش في الثانية ظهراً، وبعدما استمعوا إلى قصتي قالوا إن الطريق خطير، ونصحوني بالتوقف لبعض الوقت. وبالفعل، انتظرت في ملجأ على جانب الطريق بالقرب من نقطة التفتيش حتى الرابعة مساء، ثم اتصلت بابني وأخبرته بأني قريبة منه». وبذلك، تمكنت رازيا من إعادته إلى الديار.
بدوره، وجد محمد عارف نفسه في موقف مشابه. فقد اضطر عارف البالغ من العمر 36 عاماً، إلى القيام برحلة طولها 2100 كيلومتر بدراجته من مومباي إلى جامو وكشمير. لقد كان صباحاً اعتيادياً بالنسبة إلى عارف الذي يعمل موظفاً أمنياً في مجمع سكني خاص بمومباي، حتى تلقى مكالمة هاتفية من عائلته بمنطقة راجوري في ولاية جامو وكشمير، عرف من خلالها أن والده أُصيب بجلطة دماغية. حاول عارف الذي كان في حالة ذعر وقتها العثور على وسيلة مواصلات ليعود إلى المنزل؛ لكن مع توقف كافة خدمات النقل في البلاد بسبب الحظر، لم يجد سوى دراجة. لذا بدأ رحلته المرهقة الطويلة إلى والده المريض، ووصل أخيراً بفضل مساعدة بعض سائقي شاحنات أقلُّوه في جزء من الطريق.
- أطباء «معزولون» واعتداءات على الشرطة
شهدت الأيام الماضية ارتفاعاً في عدد الهجمات على الأطباء، والاختصاصيين الاجتماعيين، وحتى أفراد الشرطة، مما أثار القلق والمخاوف على سلامتهم، واستدعى نشر السلطات لتحذيرات. جاء ذلك بعدما قطع أفراد منتمون لطائفة «السيخ» يد رجل شرطة بالسيف، وأصابوا آخر في بنجاب، بعدما طلب منهم إظهار تصاريح التجول أثناء الحظر في سوق خضراوات. ويظهر في مقطع مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هارجيت سينغ، المفتش المساعد، وهو يستغيث ويطلب المساعدة. ورغم وحشية الجريمة، نجح أطباء في إنقاذ يد الشرطي، في جراحة استمرت سبع ساعات. وقال دكتور أر كيه شارما، رئيس قسم جراحات التجميل، خلال مكالمة هاتفية: «أهم شيء هو الجزء الحي من اليد، وسنرى بعد ذلك ما إذا كان قد تم إصلاح العضلات التالفة خلال هذه الجراحة. من المبكر جداً الاحتفال بنجاح العملية؛ لكن يحدونا الأمل، فإذا سارت الأمور على ما يرام فسيكون احتمال التعافي 90 في المائة». من جهة أخرى، يعمل الأطباء على مدار الأسبوع لعلاج مرضى فيروس «كورونا»، والحد من عدوى «كوفيد- 19»، ما دفع كل من ساشين ناياك، وساشين باتيدار، وهما طبيبان يعملان في مستشفى حكومي في مدينة بوبال، إلى المبيت في سيارتيهما منذ أسابيع، وذلك كنوع من العزل الذاتي لحماية أسرتيهما. وعندما تنتهي نوبة عملهما اليومية، يستريحان في سيارتيهما بعيداً عن المنزل؛ ويقضيان أوقات الفراغ في القراءة، أو أخذ قيلولة، أو التحدث هاتفياً مع أفراد الأسرة. وجهز الطبيبان سيارتيهما بكل ما يحتاجانه من أغطية، وملابس، وجهاز كومبيوتر محمول. يقول ساشين في تصريحات صحافية لمحطة «إن دي تي في» التلفزيونية: «ينتشر المرض في أيام، ولا يوجد أمام الإدارة أو أمامنا وقت للاستعداد. مهمتنا هي الدفاع عن أنفسنا بأنفسنا». ويتعامل دكتور ناياك مع 100 شخص يومياً على الأقل، إلى جانب فريق عمله. ويوضح قائلاً: «نحن نجمع العينات، وهو ما يمكن أن ينشر العدوى. لهذا السبب قررت الإقامة في سيارتي».
الجدير بالذكر أنه قد تم إغلاق مستشفيين تابعين للقطاع الخاص في مومباي، بعد إصابة بعض أفراد الأطقم الطبية بالفيروس. وكان قد تم اكتشاف إصابة ثلاثة أطباء و26 ممرضة بفيروس «كورونا» المستجد في مستشفى «وكهاردت» في وسط مومباي، وتم إغلاق المستشفى لمنع انتشار العدوى.
- ابتكارات تكنولوجية
يكافح المبتكرون الهنود فيروس «كورونا» باستخدام الطائرات المسيَّرة، وآلات التعقيم، وأدوات الفحص. وتوصل عديد من المؤسسات والشركات الناشئة إلى ابتكارات لدعم معركة مكافحة فيروس «كوفيد- 19»، بينها أجهزة تنفس صناعي منخفضة التكلفة، وطائرات مسيَّرة يتم استخدامها في التعقيم، وإنسان آلي لتوصيل الطعام والدواء، وسماعة طبية خاصة لفحص المرضى عن بعد، وأشعة فوق بنفسجية لتعقيم العملات ومواد البقالة. كذلك تم ابتكار قماش خاص مقاوم للعدوى ليتم استخدامه في المستشفيات، إضافة إلى أدوات اختبار وفحص فيروس «كورونا» منخفضة التكلفة، وحجيرات عزل للمرضى المصابين بالفيروس، وخوذات كروية تصلح لأن تكون بديلاً لأقنعة الأكسجين التقليدية، وآلة إنذار في حال مخالفة المرء إجراء التباعد الاجتماعي. وبينما لم تعتمد البلاد هذه الابتكارات بشكل رسمي في جهودها لاحتواء تفشي الفيروس، تدرس جهات مختصة فاعلية بعضها.
كذلك ابتكرت المعاهد الهندية للتكنولوجيا، والمعهد الهندي للعلوم في بنغالور، عديداً من تطبيقات الهواتف المحمولة، من بينها «غو كورونا غو» و«سامبارك أو ميتر» من أجل رصد الاتصال، وحساب نسبة خطر الاقتراب من شخص مصاب بـ«كوفيد- 19»، وتمكين السلطات من تتبع أي شخص يخالف إجراءات الحجر الصحي المنزلي.
وفي الوقت الذي تعمل فيه أكثر من 20 مؤسسة تقنية وعلمية من أجل التوصل إلى لقاح لفيروس «كورونا»، أنشأت المعاهد الهندية للتكنولوجيا البارزة مراكز بحثية متخصصة من أجل دراسة فيروس «كوفيد- 19» في منشآتها، مشجعة بذلك مزيداً من التطوير لبيئة الابتكار.