«لصوص الحرب والحظر» يعمّقون معاناة الليبيين في ظل «كورونا»

يستغلون هروب الأسر من اشتباكات العاصمة لاقتحام الشقق والمتاجر ونهبها

TT

«لصوص الحرب والحظر» يعمّقون معاناة الليبيين في ظل «كورونا»

استغلت فئة من المواطنين الليبيين والأفارقة، من الخارجين عن القانون، فرصة نزوح آلاف الأسر في العاصمة طرابلس عن منازلها، وانشغال البلاد بالحرب ومكافحة فيروس «كورونا» لاقتحام الشقق والمحال التجارية ونهبها. وجاءت هذه التطورات في وقت طالب فيه قيادي «إخواني» فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، بإطلاق سراح المعتقلين لدى ميليشيات «قوة الردع الخاصة» منذ خمس سنوات.
ومنذ بداية الحرب على طرابلس العام الماضي، بدأت تشكل هذه السرقات ظاهرة مخيفة لليبيين الذين تركوا غالبية أمتعتهم في منازلهم، قبل نزوحهم عنها إلى خارج مناطق الاشتباكات، ونقل عدد من الأهالي لـ«الشرق الأوسط» أنهم «عادوا إلى ديارهم أثناء الإعلان الأخير عن الهدنة الإنسانية، لكنهم وجدوها خاوية، بل وحتى الأبواب والشبابيك تم انتزاعها».
ولمواجهة هذه السرقات والاعتداءات على أملاك السكان، أعلنت وزارة الداخلية، التابعة لحكومة «الوفاق»، أنها ضبطت مجموعة من المتهمين بسرقة عدد من الشقق، والاستراحات في أكثر من حي بالعاصمة، من بينها وادي الربيع، ومنطقة السواني بجنوب شرقي طرابلس.
وتشهد أطراف العاصمة مواجهات مسلحة منذ الرابع من أبريل (نيسان) العام الماضي، ما دفع سكانها إلى النزوح، وترك منازلهم والمتعلقات الخاصة بهم، فرارا من الحرب الدائرة بين القوات التابعة للقيادة العامة، والقوات التابعة لحكومة «الوفاق».
وقالت وزارة الداخلية في بيانها مساء أول من أمس، إن أعضاء وحدة التحري بمركز شرطة «وادي الربيع» تمكنوا من اعتقال مواطن ليبي، متهم بسرقة عدد من الاستراحات بمناطق الحبايبية، وخلة فارس وبئر العالم، وبالتحقيق معه اعترف بجميع التهم الموجهة إليه، بعد أن تم ضبط جميع المسروقات التي كانت بحوزته. مشيرة إلى أن وحدة التحري بمركز شرطة وادي الربيع، تمكنت بتعاون مع أعضاء مكتب البحث الجنائي في تاجوراء من ضبط ثلاثة أشخاص من جنسيات أفريقية، بتهم السرقة، وبالتحقيق معهم اعترفوا بكل السرقات المنسوبة إليهم، وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية وإحالتهم إلى نيابة تاجوراء. وفي ظل الحرب المستمرة في طرابلس، أصبحت هذه الأحياء شبه خاوية من المواطنين، بعد عمليات نزوح واسعة شهدتها العاصمة هرباً من القصف الصاروخي العشوائي، الذي استهدف الكثير من المناطق المأهولة بالسكان، وأودى بحياة عشرات المدنيين. وفي ظل الإجراءات الاحترازية، التي تتخذها البلاد لمواجهة فيروس «كورونا»، ومنها فرض حظر التجول، زادت هذه السرقات في عموم ليبيا، حيث سجلت أجهزة الشرطة عمليات نهب كثيرة للمحال، ومنازل المواطنين المغلقة.
وقال مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن أجهزة الشرطة «لاحظت قيام الكثير من العاطلين عن العمل من جنسيات أفريقية، بالإضافة إلى ليبيين، بمداهمة المحال المغلقة، ويتعرفون على الشقق الخالية لاقتحامها ليلاً، والاستيلاء على محتوياتها».
وأضاف المسؤول الأمني، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير معني بالحديث لوسائل الإعلام، أن الأجهزة الأمنية بدأت توجه دورياتها المتحركة لمراقبة هذه المحال لمنع سرقتها. كما أعلنت مديرية أمن بنغازي القبض على عدد من الأفراد لقيامهم بسرقة المحال التجارية، أثناء فترة حظر التجول المفروضة في المدينة، ضمن إجراءات الوقاية من فيروس «كورونا»، بعد تلقيها شكاوى عدة من أصحابها، وتبين أن أفراد العصابة يحملون جنسية دولة تشاد، وأنهم مطلوبون من جهات أمنية عدة، قبل أن يلقى القبض عليهم ويقدمون لجهات الاختصاص لمحاكمتهم، وإعادة المسروقات.
وفي ظل الاتهامات الموجهة لقوات حكومة «الوفاق» باقتحام سجن صرمان بغرب ليبيا، وإطلاق عشرات السجناء، قال عبد الباسط غويلة، عضو دار الإفتاء التابعة للمؤتمر الوطني العام سابقاً، والمحسوب على تنظيم الإخوان، إن «سجون قوة الردع الخاصة تضم عشرات الأبرياء، ويجب إخراجهم فوراً».
وأضاف غويلة، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، مساء أول من أمس، موضحا: «هناك أبرياء في سجون (الردع) لم يروا عائلاتهم منذ أربع أو خمس سنوات، ويجب على حكومة (الوفاق) الإفراج عنهم».
وتمثل «قوة الردع الخاصة» مع مجموعة من الميليشيات، القوة الرئيسية في طرابلس، وينتمي عناصرها جميعاً إلى «قوة حماية طرابلس» المكونة من «ثوار طرابلس»، و«القوة الثامنة» (النواصي)، و«قوة الردع والتدخل المشترك أبو سليم»، وكتيبة «باب تاجوراء».
ويرى كثير من المتابعين للتحركات المضطربة في العاصمة أن سجون «قوة الردع» ستلقى مصير سجن صرمان، إذا ما تعمقت الخلافات بين هذه المجموعات المسلحة، وستسارع كل مجموعة بإطلاق سراح من يخصها بداخلها، ولذلك حذروا من «تفاقم الوضع الأمني بالعاصمة».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».