مواجهة بين صحافيين أميركيين و«إف بي آي»

منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 على نيويورك والبنتاغون تضاعفت ميزانية مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي)، من 5 مليارات إلى 10 مليارات دولار تقريبا.
في البداية، اتهمت بأنها قصرت في كشف وجود مؤامرات الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة، وعاشوا فيها شهورا، حتى نفذوا هجماتهم. وسارع كبار المسؤولين في «إف بي آي»، وقالوا إنهم قصروا لأسباب لأنهم ركزوا على الجرائم والمخدرات، وأهملوا الإرهاب والإرهابيين. وثانيا لأنهم عانوا من انخفاض ميزانيتهم.
وسارع الكونغرس وزاد الميزانية، بالإضافة إلى وضع قانون «باتريوت» الذي أعطي «إف بي آي» سلطات أكبر، لكن ربما صارت هذه السلطات أكبر من وظيفة «إف بي آي» الأساسية، وربما أكبر من قيمها الأخلاقية التقليدية.
ورغم نجاح «إف بي آي» في القبض على كثير من الإرهابيين، وفي اكتشاف خطط إرهابية قبل تنفيذها، جاء ذلك على حساب بعض هذه القيم الأخلاقية. ومنها أنها قامت بالتجسس على مساجد، واستخدمت جواسيس مسلمين، وانتهكت حريات مواطنين أميركيين أبرياء.
ومؤخرا، نشرت معلومات بأن «إف بي آي» انتهك حرية الصحافة، وذلك لأن محققين فيها ادعوا أنهم صحافيون. ليس لجمع معلومات من مسلمين، ولكن من أميركيين. وليس عن إرهاب سياسي، ولكن عن تهديدات في مدرسة ثانوية كانت جزءا من مشاغبات تلاميذ وتلميذات.
رغم قلة أهمية الموضوع، ورغم أنه بدأ قبل سنوات (مؤخرا، اكتشفته مؤسسة «إلكترونك فرنتير» التي تهتم بأخلاقيات الإنترنت)، هاج صحافيون وأساتذة صحافة.
في البداية، احتجت وكالة «أسوشييتد برس» لأن شرطي «إف بي آي» ادعى أنه صحافي يعمل معها، عندما كان يسأل (يستجوب) التلميذ المتهم بالتهديدات داخل مدرسة تمبرلين الثانوية في فيلاسي (ولاية واشنطن). وقالت كاثلين كارول، مديرة «أسوشييتد برس» التنفيذية: «أحد عملاء (إف بي آي) يعرف أن الوكالة مؤسسة صحافية جادة، وموثؤق بها. لولا ذلك ما كان ادعى أنه صحافي يعمل معها. لهذا استغل نزاهتنا لتشويه سمعتنا. ماذا يبقى لنا إذا قال كل شرطي إنه يعمل معنا؟».
واحتجت مؤسسة «إلكترونك فرنتير» لأن الشرطي استخدم تكنولوجيا جديدة حصل عليها «إف بي آي»، وهي إرسال فيروس إلى كومبيوتر التلميذ (كان جزء من «المقابلات الصحافية» بالإيميل) بحث في وثائق ومعلومات خاصة بالتلميذ. وقالت تارا ليمي، مديرة في المؤسسة: «ما الفرق بين هاكرز غير قانونيين وهاكرز (إف بي آي)؟ الفرق هو أن (إف بي آي) مسؤول عن الأمن».
وقال إلي كولون، أستاذ في أخلاقيات الصحافة في جامعة واشنطن في ليكسنغتون (ولاية فرجينيا): «يقوض هذا، بالتأكيد، موقف كل الصحافيين الذين يحاولون أداء أعمالهم كمصادر مستقلة للمعلومات التي يقدمونها للناس».
وبسبب قوة الاحتجاجات، سارع جيمس كومي، مدير «إف بي آي»، وأرسل في الأسبوع الماضي «توضيحا» إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، التي كانت قد نشرت سلسلة تقارير تحت عنوان: «خداع (إف بي آي)»، كتب كومي: «يعتمد كل تحقيق شرطي سري على الخدع، وتظل الخدعة أداة حاسمة في مكافحة الجريمة». وأضاف: «يخضع استخدام مكتب التحقيقات الفيدرالي هذه الخدع لرقابات مشددة، سواء داخل المكتب أو من قبل القضاة الذين يجيزون الوسائل التي نستعملها».
وحسب خطة مسبقة، وبعد نشر التعليق، عقد مسؤولون في «إف بي آي» مؤتمرات صحافية دافعوا فيها عن «الخدعة»، لكنهم قالوا إن محققي «إف بي آي» يدّعون، نادرا جدا، أنهم صحافيون. وأشار المسؤولون إلى توجيهية جديدة، منها، أولا: يجب أن يوقع مدير مكتب «إف بي آي» الإقليمي على استخدام مثل هذه الوسيلة. وثانيا يجب أن يستشير مديرو المكاتب المدير العام في الحالات الحساسة.
لكن لم تقتنع كاثلين كارول، مديرة «أ.ب»، وقالت: «أين يوجد الخط الأحمر؟ هل يرتدي شرطي (إف بي آي) ملابس صحافي (لا ملابس شرطي)؟ إذا كانت الخدعة قانونية، فما هي حدودها؟».
ومؤخرا، واجه «إف بي آي» مشكلة أخرى. هذه المرة مع «هيومان رايتس ووتش» (منظمة مراقبة حقوق الإنسان). كان وزير العدل إريك هولدر دعا الدول الأوروبية للتنسيق بهدف كشف مؤامرات محتملة من قبل أوروبيين مسلمين متطرفين ذهبوا إلى سوريا، وتطوعوا مع منظمات إرهابية مثل «داعش». وقال الوزير إن «إف بي آي» يملك «وسائل متطورة».
وسارعت منظمة «هيومان رايتس ووتش» واتهم «إف بي آي» بأنها، باسم هذه «الوسائل المتطورة»، حولت «أفرادا يحترمون القانون إلى إرهابيين بعد أن اقترحت عليهم ثم أغرتهم بارتكاب عمل إرهابي». وأشارت إلى أن «إف بي آي» استعمل مسلمين في التجسس على مسلمين.
وأشارت إلى أكثر من مائة قضية وصلت إلى المحاكم الأميركية منذ اعتداءات سبتمبر عام 2001 عن هذا الموضوع، وأن نصف إدانات «الإرهابيين» اعتمدت على أشخاص «ربما ما كان يمكن أن يتحولوا إلى إرهابيين»، وأن ثلث الإدانات اعتمدت على عملاء (مسلمين) «لعبوا أدوارا هامة في تدبير المؤامرات».
وقالت أندريا براسو، من كبار المسؤولين في المنظمة: «قيل للأميركيين إن حكومتهم تضمن أمنهم من خلال منع أو معاقبة الإرهاب داخل الولايات المتحدة، لكن إذا دققتم في الأمر ستجدون أن عددا من هؤلاء الأشخاص ما كانوا ليرتكبوا هذه الجريمة لو لم تحثهم قوات الأمن وتدفعهم، بل تقدم لهم المال في بعض الأحيان، لارتكاب أعمال إرهابية».
وأخيرا، لم تكن انتهاكات «إف بي آي» في حادث المدرسة الثانوية في فيلاسي (ولاية واشنطن) عن تجنيد مسلمين، أو التجسس على مسلمين. لهذا، يمكن أن تدل على أن للانتهاكات أبعادا بعيدة.