رهانات الرئيس الفرنسي لتخطي أزمة «كورونا»

عمال فرنسيون يصنعون نعوشاً لضحايا «كورونا» (أ.ب)
عمال فرنسيون يصنعون نعوشاً لضحايا «كورونا» (أ.ب)
TT

رهانات الرئيس الفرنسي لتخطي أزمة «كورونا»

عمال فرنسيون يصنعون نعوشاً لضحايا «كورونا» (أ.ب)
عمال فرنسيون يصنعون نعوشاً لضحايا «كورونا» (أ.ب)

للمرة الرابعة تحدّث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطولا لمواطنيه مساء الاثنين ليطلعهم على أمرين: الأول، أنه مدد العمل بنظام الحظر حتى 11 مايو (أيار) القادم. والثاني، أنه بدءاً من هذا التاريخ، ستبدأ فرنسا بالخروج من حالة الإغلاق تدريجيا، حيث سيعود الموظفون إلى وظائفهم والعمال إلى مصانعهم والتلامذة إلى مدارسهم، لكن يوجد شرط أساسي هو أن تبين الأسابيع الأربعة التي تفصلنا عن التاريخ الموعود أن الفرنسيين سيبقون منضبطين بتنفيذ الإجراءات المعمول بها منذ 17 مارس (آذار) الماضي، وأنه تمت السيطرة على تفشي الوباء. لكن في الوقت عينه، ستبقي السلطات المطاعم والمقاهي والمتاحف والفنادق وكل أماكن التجمع الجماهيري مغلقة، وستمنع حصول الأحداث الثقافية والرياضية وستبقي الطلاب الجامعيين في منازلهم حتى منتصف الصيف. ولم يفت ماكرون الإشارة إلى ضرورة أن يبقى كبار السن ملتزمين الحجر، وهو أيضا حال كل شخص يشكو من مرض أو عارض يجعله هشا وضعيفا أمام وباء (كوفيد - 19).
حقيقة الأمر أن ماكرون واقع بين مطرقة الأخصائيين الذين يدعونه إلى الحذر وينبهونه من التسرع في وضع حد للحجر، وبين سندان أرباب العمل والاقتصاديين الذين يشددون على ضرورة العودة الى إحياء الدورة الاقتصادية لأن الخسائر الإضافية التي سيمنى بها الاقتصاد الفرنسي سيصعب لاحقا التغلب عليها إذا استمر الوضع على حاله. فرئيس فيدرالية الأطباء في فرنسا جان بول هامون اعتبر أمس، تعقيبا على قرار فتح المدارس أنه «ضرب من الجنون»، مضيفا أن التخلي عن الحظر «سريعا وبشكل غير منظم سيعني عودة الفيروس الى الانتشار».
ورد وزير التربية جان ميشال بلانكيه على ذلك مؤكدا أن «تدابير مختلفة» سيتم اتخاذها لتدارك التفشي بين التلامذة أكانوا صغارا وكبارا. كذلك قرعت عدة نقابات ناقوس الخطر، إذ إن العودة إلى العمل من غير اتخاذ إجراءات الوقاية المشددة ستعني المخاطرة بحياة المهندسين والكوادر والعمال. والواقع أن فرنسا ما زالت تفتقر لوسائل الوقاية الضرورية. وحتى اليوم، كانت الكمامات مثلا حصرا على الجسم الطبي وعلى الأشخاص الذين هم على تماس مع العاملين فيه. وعندما يأتي ماكرون على فرضية إلزام الجمهور بارتداء الكمامات، فإنه يتعين قبل ذلك توفيرها. أما لماذا ركوب المخاطر بإعادة صفوف الحضانة والتلاميذ إلى صفوفهم، فالسبب الرئيسي في ذلك أن لا سبيل آخر أمام الأهل للعودة الى العمل ما دام الأولاد والأطفال في البيوت.
ليست مسألة التلاميذ سوى تفصيل من التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة. فالرئيس وعد بأن تكون السلطات الصحية قادرة على إجراء فحص لكل شخص تبدو عليه علامات الإصابة بالفيروس. لكن المشكلة أن فرنسا لا تتوافر لديها ما يكفي لإجراء هذه الفحوصات المختبرية على نطاق واسع، علما أن ماكرون استبعد سلفا إجراءها على نطاق واسع كما فعلت ألمانيا مثلا.
واضح أن ماكرون قد سعى لفتح «نافذة للأمل» أمام الفرنسيين عن طريق تحديد تاريخ معين يكون فاتحة «عهد جديد» بعد شهرين من فرض ما يمكن تشبيهه بـ«الإقامة الجبرية» في المنازل. وخياره ليس طبيا وصحيا فقط بل هو إلى حد بعيد «سياسي». ورغم أن شعبيته استعادت بعض عافيتها في زمن «الكورونا»، إلا أن استطلاعات الرأي تبين غياب الثقة بالحكومة وتدابيرها وإجراءاتها. فالشارع الفرنسي متلهف لمعرفة المصير الذي ينتظره ولعل أكبر دليل على ذلك أن أكثر من 36 مليون فرنسي شاهدوا واستمعوا لكلمة ماكرون وهو أعلى رقم في تاريخ التلفزة الفرنسية على الإطلاق. وما لفت أنظار المراقبين أن لهجة ماكرون «الحربية» التي تبناها في كلمته السابقة أخلت المكان للهجة مختلفة تماما. فقد اعترف بأن بلاده لم تكن مستعدة تماما لمواجهة الوباء وأن أخطاء ارتكبت. وبالتوازي مع الجهد المالي الكبير الذي تبذله الدولة لمساعدة الشركات وتخفيف وطأة توقف الدورة الاقتصادية عليها وعلى الموظفين والعمال، أشار ماكرون إلى توفير مساعدات مالية للطلاب المحتاجين وللعائلات المعوزة، وخصوصا إلى الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل توفير وسائل الوقاية، وعدم الاعتماد على الخارج.
يبدو لكثير من المراقبين أن محنة الفيروس سيكون لها كبير الأثر على السياسات الاقتصادية والاجتماعية لفرنسا في السنوات المتبقية من عهد ماكرون الذي ينتهي في مايو من العام 2022، والتحدي الرئيسي الذي ينتظر السلطات هو استعادة ثقة المواطنين عن طريق التزام سياسة الشفافية التي غابت عن التعامل في الأسابيع الأولى من تفشي الوباء. أما التحدي الثاني فعنوانه النجاح في احتواء الفيروس في الوقت الذي زادت فيه أعداد الضحايا على 15 ألف وفاة وعشرات الآلاف من الإصابات. إنما التحدي الثالث فهو طمأنة المواطنين إلى أن الدولة استفادت من تجربة «كورونا» وأنها ستكون جاهزة لمواجهة الأوبئة القادمة.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية مقابل نشر محتوى هذه المؤسسات.

وقال ستيفن جونز، مساعد وزير الخزانة، وميشيل رولاند وزيرة الاتصالات، إنه سيتم فرض الضريبة اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني)، على الشركات التي تحقق إيرادات تزيد على 250 مليون دولار أسترالي (160 مليون دولار أميركي) سنوياً من السوق الأسترالية.

وتضم قائمة الشركات المستهدفة بالضريبة الجديدة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب» و«إنستغرام»، و«ألفابيت» مالكة شركة «غوغل»، وبايت دانس مالكة منصة «تيك توك». وستعوض هذه الضريبة الأموال التي لن تدفعها المنصات إلى وسائل الإعلام الأسترالية، في حين لم يتضح حتى الآن معدل الضريبة المنتظَرة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقال جونز للصحافيين إن «الهدف الحقيقي ليس جمع الأموال... نتمنى ألا نحصل عائدات. الهدف الحقيقي هو التشجيع على عقد اتفاقيات بين المنصات ومؤسسات الإعلام في أستراليا».

جاءت هذه الخطوة بعد إعلان «ميتا» عدم تجديد الاتفاقات التي عقدتها لمدة3 سنوات مع المؤسسات الإعلامية الأسترالية لدفع مقابل المحتوى الخاص بهذه المؤسسات.

كانت الحكومة الأسترالية السابقة قد أصدرت قانوناً في عام 2021 باسم «قانون تفاوض وسائل الإعلام الجديدة» يجبر شركات التكنولوجيا العملاقة على عقد اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع شركات الإعلام الأسترالية وإلا تواجه غرامة تبلغ 10 في المائة من إجمالي إيراداتها في أستراليا.