إسطنبول تدفع ثمن تصعيد إردوغان ضد عمدتها

شوارع مدينة إسطنبول خالية من المارة والمتاجر مغلقة (رويترز)
شوارع مدينة إسطنبول خالية من المارة والمتاجر مغلقة (رويترز)
TT

إسطنبول تدفع ثمن تصعيد إردوغان ضد عمدتها

شوارع مدينة إسطنبول خالية من المارة والمتاجر مغلقة (رويترز)
شوارع مدينة إسطنبول خالية من المارة والمتاجر مغلقة (رويترز)

في الوقت الذي تضررت فيه تركيا بشدة جراء انتشار فيروس «كورونا المستجد» الذي أودى بحياة نحو 1300 شخص في البلاد، فاجأ حظر التجول مدينة إسطنبول، حتى عمدتها نفسه، حيث فُرض حظر التجول فجأة في المدينة البالغ عدد سكانها 16 مليوناً -وآخر شخص علم بذلك هو أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية المدينة.

وأعلنت وزارة الداخلية التركية، مساء الجمعة، فرض حظر التجول على 31 مدينة رئيسية لمدة 48 ساعة، بما في ذلك إسطنبول، وهي أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان في البلاد. وبعد ذلك بوقت قصير، ظهر وجه العمدة المذهول على وسائل التواصل الاجتماعي لسكان إسطنبول، وقال إمام أوغلو مخاطباً السكان برسالة فيديو عاجلة: «بصفتنا رئيس بلدية المدينة، لم يتم إبلاغنا بهذا القرار الحاسم. نحن لا نعرف حتى ما الخدمات التي يمكننا تقديمها غداً في إسطنبول. أيُّ قرار يتم اتخاذه من دون الشعور بالمجتمع والتعاون يؤدي فقط إلى الارتباك والذعر»، وفقاً لما نشرته صحيفة «دي تسايت» الألمانية.

كان المعنى الواضح للائحة الاتهام هذه هو الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي كان مسؤولاً عن حظر التجول قصير المدى. وترى الصحيفة سبباً وراء تولي إمام أوغلو الهجوم المفاجئ شخصياً؛ فمنذ فوزه المفاجئ في الانتخابات في يونيو (حزيران) الماضي، كان عمدة إسطنبول المرشح المعارض الواعد في خضم الصراع مع إردوغان، وزادت أزمة «كورونا» من تكثيف العلاقة التنافسية بين السياسيين.

وكان إمام أوغلو قد دعا بالفعل إلى حظر تجول شامل في إسطنبول في شهر مارس (آذار)، للحد من الوباء. ومن ناحية أخرى، لطالما تحدث إردوغان ضد القيود بعيدة المدى على الحياة العامة، ربما بسبب القلق من أن يُلقى عليه اللوم في العواقب الاقتصادية. ولكن حتى من دون حظر التجول، تسبب تأثير «كورونا» مؤخراً في انخفاض سعر الليرة إلى أدنى مستوى له في الأزمة المالية لعام 2018.

وبدأ رئيس البلدية بجمع التبرعات في إسطنبول لمساعدة ضحايا أزمة «كورونا» في مارس، وأعلن وزير الداخلية أن الإجراء غير قانوني. وقيل إن الإغاثة من الأزمات من اختصاص الدولة وليست مسألة تخص البلديات؛ فقد تم تجميد حسابات التبرعات في إسطنبول دون مزيد من اللغط. وعندما ناشد إردوغان السكان بعد ذلك بقليل، قام بإلقاء بعض الأقساط الشهرية من راتبه الرئاسي في الوعاء على نحو لافت. فلا تريد أنقرة أن تقدم للمعارضة أدنى فرصة للظهور في أزمة «كورونا»، وفقاً لما ذكرته الصحيفة.
ويعود شجار إردوغان المستمر مع إمام أوغلو إلى الانتخابات المحلية العام الماضي، حيث انتصر السياسي التابع لحزب المعارضة اليساري ألا وهو حزب الشعب الجمهوري على نحو مفاجئ ضد المرشح من حزب إردوغان المحافظ، حزب العدالة والتنمية. ثم استفاد الرئيس الغاضب وزعيم الحزب من نتائج المخالفات المزعومة وكررا الانتخابات.

وفاز إمام أوغلو مرة أخرى هذه المرة بفارق واضح. ومنذ ذلك الحين، تم الاتفاق على أن يرسل حزب الشعب الجمهوري نجمه الشاب إلى إردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2023. وتقول الصحيفة إن الرئيس التركي الذي انطلقت مسيرته السياسية أيضاً في مكتب عمدة إسطنبول، لم ينس إذلال الانتخابات المحلية التي خسرها مرتين، ومنذ ذلك الحين وهو يعرقل منافسه المحتمل حيثما استطاع. وبالكاد يوجد مشروع تنمية حضرية كبير لم يشتكِ فيه إمام أوغلو من مضايقات الحكومة المركزية في السنوات الأخيرة، وهو ما يقطع وصول إدارته إلى الموارد والتمويل.

إردوغان يقبل بالأضرار التبعية
وتشير "دي تسايت" إلى أن إردوغان يقبل ما وصفته بـ«أضرار جانبية جسيمة» من أجل الحفاظ على منافسيه «صغاراً». لقد تلقى إمام أوغلو، المفاجأة، الكثير من التعليقات الداعمة على رسالة الفيديو الخاصة به، ولكن لم يفهم جميع سكان إسطنبول على الفور سبب انزلاق عمدة مدينتهم إلى حظر التجول من غير استعداد.

لقد تسببت حسبة إردوغان في دفع المدينة ثمناً باهظاً لذلك، وفق الصحيفة. فخلال ساعتين تقريباً مرت من إعلان حظر التجول إلى دخوله حيز التنفيذ، أُصيب العديد من سكان إسطنبول بالذعر لدى المتاجر في حيّهم. وفي العديد من الأماكن كان هناك ازدحام غير منضبط، وأحياناً معارك تمثل بالضبط نوع التقارب الجسدي الذي من المفترض أن يمنعه الحظر، وقد يكون معدل الإصابة قد زاد قليلاً في تلك الليلة.
ووفقاً للتقرير، تتجه إسطنبول نحو حالة طوارئ مشددة. حيث تقع نحو 60% من أكثر من 50000 حالة إصابة بـ«كورونا» في البلاد في العاصمة. وحذر سنان أديامان، رئيس الجمعية الطبية التركية، من أن 80% من أسرة العناية المركزة مشغولة الآن. وكانت جمعيته قد أشارت في السابق إلى أن منحنى العدوى في تركيا يرتفع بشكل ملحوظ بشكل أسرع من معدل الوفيات. وحتى الآن، تم الإبلاغ رسمياً عن أكثر من 1296 حالة وفاة فقط بسبب «كورونا»، وهو ما لم يرغب أديامان في نسبه إلى محاولات الإخفاء، ولكن إلى طرق تسجيل مختلفة. وهو ليس الطبيب الوحيد الذي يتوخى الحذر في الوقت الحالي بعد أن أجبرت السلطات الزملاء على «تصحيح» التعليقات المقلقة. كما أعلن فخر الدين ألتون، المتحدث باسم إردوغان: «نحن نكافح بنشاط ضد المجموعات العاصية والمضللة التي تهدف إلى إثارة السكان وتحريضهم».


مقالات ذات صلة

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

رئيسة «الجنائية الدولية» تنتقد أميركا وروسيا بسبب التهديدات الموجّهة للمحكمة

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)
خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)
TT

رئيسة «الجنائية الدولية» تنتقد أميركا وروسيا بسبب التهديدات الموجّهة للمحكمة

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)
خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)

انتقدت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، الولايات المتحدة وروسيا، بسبب تدخلهما في تحقيقات المحكمة، ووصفت التهديدات والهجمات على المحكمة بأنها «مروعة».

وقالت القاضية توموكو أكاني، في كلمتها أمام الاجتماع السنوي للمحكمة الذي بدأ اليوم (الاثنين)، إن «المحكمة تتعرض لتهديدات بعقوبات اقتصادية ضخمة من جانب عضو دائم آخر في مجلس الأمن، كما لو كانت منظمة إرهابية»، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وأضافت: «إذا انهارت المحكمة، فإنّ هذا يعني حتماً انهيار كلّ المواقف والقضايا... والخطر على المحكمة وجودي».

وكانت أكاني تشير إلى تصريحات أدلى بها السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، الذي سيسيطر حزبه الجمهوري على مجلسي الكونغرس الأميركي في يناير (كانون الثاني) المقبل، والذي وصف المحكمة بأنها «مزحة خطيرة»، وحض الكونغرس على معاقبة المدعي العام للمحكمة.

القاضية توموكو أكاني رئيسة المحكمة الجنائية الدولية (موقع المحكمة)

وقال غراهام لقناة «فوكس نيوز» الأميركية: «أقول لأي دولة حليفة، سواء كانت كندا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا: إذا حاولت مساعدة المحكمة الجنائية الدولية، فسوف نفرض ضدك عقوبات».

وما أثار غضب غراهام إعلان المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي، أن قضاة المحكمة وافقوا على طلب من المدعي العام للمحكمة كريم خان بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، والقائد العسكري لحركة «حماس» بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية فيما يتصل بالحرب المستمرة منذ ما يقرب من 14 شهراً في غزة.

وقوبل هذا القرار بإدانة شديدة من جانب منتقدي المحكمة، ولم يحظَ إلا بتأييد فاتر من جانب كثير من مؤيديها، في تناقض صارخ مع الدعم القوي الذي حظيت به مذكرة اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي، على خلفية تهم بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

كما وجهت أكاني، اليوم (الاثنين)، أيضاً انتقادات لاذعة لروسيا، قائلة: «يخضع كثير من المسؤولين المنتخبين لمذكرات توقيف من عضو دائم في مجلس الأمن».

وكانت موسكو قد أصدرت مذكرات توقيف بحق كريم خان المدعي العام للمحكمة وآخرين، رداً على التحقيق في ارتكاب بوتين جرائم حرب بأوكرانيا.