هل نحتاج لكل هذه الأخبار عن «كورونا»؟

في الأسبوع الماضي، نشر أندرو سولومون مقالاً في «نيويورك تايمز»، قال فيه إن كل شخص يعرفه تقريباً اندفع إلى درجة من درجات «الحزن أو الخوف أو اليأس»، بسبب ما يسببه فيروس «كورونا» من أضرار، قبل أن يبرهن على صحة ما ذهب إليه بالإشارة إلى نتائج استطلاع رأي نفّذته مؤسسة «كيسر فاميلي فاونديشن - Kaiser Family Foundation» أخيراً، وهو الاستطلاع الذي توصل إلى أن «ما يقرب من نصف المستطلعة آراؤهم يشعرون بأن صحتهم العقلية تضررت للسبب نفسه».
ليس هذا بعيداً عما نشرته «واشنطن تايمز» قبل شهر أيضاً، حين نقلت عن خبراء متخصصين قولهم: «يجب أن يأخذ الجمهور الجائحة على محمل الجد، لكن من المهم أيضاً عدم المبالغة، فالمخاوف من (كورونا) مسوَّغة ومفهومة على حد سواء، لكن وسائل الإعلام تتعرض لاتهامات متزايدة بإثارة عقلية الذعر، عبر ممارسات غير مدعومة بالحقائق، تأتي بنتائج عكسية».
لقد بات واضحاً أن نمط التغطية السائد في وسائل الإعلام العالمية لجائحة «كورونا» يمكن أن يسهم في الإضرار بجهود إدارة الأزمة؛ إذ يعتقد أليسون هولمان، الأستاذ المساعد المختص ببحوث الإعلام والصدمات الجماعية، بجامعة كاليفورنيا، أن تغطية الصحافة «هي السبب في نفاد ورق التواليت من الأسواق، وليس انتشار الفيروس، لأن تلك التغطية أثارت ذعر الجمهور، ودفعته لتخزين احتياجاته» من دون حاجة فعلية لذلك.
يشرح هذا إلى حد كبير النتيجة المفاجئة التي أظهرها استطلاع رأي أجراه معهد «غالوب»، في الأسبوع الثالث من شهر مارس (آذار) الفائت، حيث قبع الإعلام في المركز الأخير عند سؤال المستطلَعة آراؤهم عن مدى رضاهم عن أداء المؤسسات المختلفة في الولايات المتحدة الأميركية خلال أزمة «كورونا»؛ فبينما حصلت المستشفيات على نسبة تأييد بلغت 88%، وحكومات الولايات على نسبة 82%، لم يحصد الإعلام سوى رضا 44% فقط.
من بين أهم الأسباب التي أدت إلى هذه التقييمات السلبية للتغطية الإعلامية المواكبة لـ«كورونا» مسألة الأخبار الزائفة (Fake News) بطبيعة الحال، لكنّ ثمة سبباً آخر لا يقل أهمية يتعلق بمساحة التغطية المفترضة لأخبار الجائحة (Width of Coverage)؛ إذ يبدو أنه حدث إفراط في تلك التغطية، أدى إلى تشبع، وقاد إلى حالة من حالات الملل والاكتئاب وإشاعة اليأس وتعزيز المخاوف.
تنقل «نيويورك تايمز» عن د. آمي سيربوس، مديرة المحتوى بمنصة «توك سبيس» العلاجية، نصيحتها للجمهور بـ«الحد من استهلاك المواد الإعلامية للحد من التوتر والقلق المحيطين بأزمة (كورونا)»، بل إن سيربوس تذهب إلى أبعد من ذلك حين تتساءل: «هل نحن بحاجة إلى كل هذه التقارير لاتخاذ القرارات الصحيحة؟»، قبل أن تنصح مجدداً: «أوقفوا تشغيل الإشعارات، وطالعوا الأخبار في أوقات محددة من اليوم».
لم نتمكن في المنطقة العربية من إجراء الدراسات واستطلاعات الرأي الضرورية في مواكبة أزمة «كورونا» لأسباب نعرفها جميعاً، ومع ذلك فإن كثيراً من المقاربات البحثية الغربية يبقى صالحاً للبناء عليه إذا ما تضافر مع الملاحظة البحثية المقننة لما يجري في منطقتنا.
وببساطة شديدة، يمكن القول إن غالبية وسائل الإعلام العربية تحولت إلى «نشرات (كورونا)»، وهو أمر له عواقب خطيرة؛ أولاها تحويل المجال الإعلامي إلى مجال أحادي، وثانيتها إرغام الجمهور على التعرض القسري لقصة واحدة ذات جوانب ومعالجات لا تنفد، وثالثتها الإسهام في إشاعة المزيد من مشاعر الحزن والقلق والخوف واليأس، ورابعتها دفع الجمهور لاتخاذ قرارات خاطئة أو غير ضرورية، وخامستها حرمان الجمهور من حقه في التعرض لتغطية إعلامية متوازنة.
أزمة «كورونا» خطيرة، وتستحق القطاع الأكبر من تغطية وسائل الإعلام، لكنها ليست كل العالم؛ والأفضل منحها قدر المساحة المتناسب مع أهميتها، بموازاة تلبية اهتمامات الجمهور الموضوعية والترفيهية الأخرى.