قرار حظر تجول مفاجئ يفجِّر غضباً واسعاً في تركيا

شرطي تركي خلال دورية في شارع خالٍ بإسطنبول أمس (إ.ب.أ)
شرطي تركي خلال دورية في شارع خالٍ بإسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

قرار حظر تجول مفاجئ يفجِّر غضباً واسعاً في تركيا

شرطي تركي خلال دورية في شارع خالٍ بإسطنبول أمس (إ.ب.أ)
شرطي تركي خلال دورية في شارع خالٍ بإسطنبول أمس (إ.ب.أ)

شهدت الولايات التركية التي أعلنت الحكومة فيها حظراً للتجول اعتباراً من منتصف ليل أول من أمس، ولمدة 48 ساعة، تنتهي عند منتصف ليل اليوم (الأحد)، في إطار تدابير مواجهة تفشي فيروس «كورونا» المستجد» (كوفيد - 19)، ارتباكاً شديداً، وحالة من الاضطراب، نتيجة الإعلان المفاجئ للحظر الذي جاء قبل ساعتين فقط من بدء سريانه.
وعقب إعلان وزارة الداخلية حظر التجول الذي يشمل 31 ولاية في أنحاء البلاد، في مقدمتها إسطنبول وأنقرة وإزمير، تدافع الأتراك إلى الشوارع في محاولة للحاق بمحلات البقالة، لتخزين ما يستطيعون من مواد غذائية. وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع مصورة، أمس، تخلى الناس عن التدابير الصحية، والتعليمات الصادرة عن السلطات، وتجمعوا في طوابير طويلة أمام المحلات والمخابز، وحدث تدافع شديد ومشاجرات وصلت في بعض الأماكن إلى إطلاق أعيرة نارية.
واتخذت السلطات التركية قرار الحظر دون سابق إنذار، وقال رئيس بلدية إسطنبول إمام أكرم إمام أوغلو، إن الحكومة اتخذت القرار وحدها دون استشارة أحد؛ بل ودون أن تكلف نفسها عناء إعلام المسؤولين المحليين. وأضاف إمام أوغلو في تغريدة نشرها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «لا ينبغي اتخاذ قرار حظر التجول فجأة. نحن في بلدية إسطنبول لا علم لنا بهذا القرار، ولا نعرف ما هي الخدمات التي سنقدمها في إسطنبول خلال فترة الحظر». وتابع: «كل قرار لا يصدر بناء على تفكير وتعاون مشترك، يخلق الذعر والارتباك».
وجاء قرار الحظر المفاجئ بعد 3 ساعات من مؤتمر صحافي لوزير الصحة فخر الدين كوجا، مساء أول من أمس، أعلن فيه ارتفاع عدد الوفيات جراء الفيروس إلى 1006 بعد تسجيل 98 وفاة خلال 24 ساعة، بينما ارتفعت الإصابات إلى 47 ألفاً و29 إصابة، بعد تسجيل 4747 حالة جديدة.
وقال رئيس بلدية أنقرة الذي فوجئ أيضاً بقرار الحظر، إن البلدية ستقوم بكل ما يتعين عليها، وطمأن سكان العاصمة أنقرة، في تغريدة على «تويتر» بأن البلدية ستعمل بكل طاقتها من أجل راحتهم، وأن عليهم فقط أن يلتزموا بالبقاء في منازلهم، وسيصلهم الخبز من المخابز التابعة للبلدية (خبز الشعب) حيث يجلسون. مضيفاً: «اطمئنوا، سنعمل نيابة عنكم». ومن جانبه، انتقد رئيس بلدية إزمير تونش صويلار إعلان القرار بشكل مفاجئ، وعدم إبلاغ البلديات به مسبقاً لتتخذ الاستعدادات اللازمة، وأكد عبر «تويتر» أنه على الرغم من ذلك، لن تترك البلدية أي مواطن دون خبز أو ماء.
وتصاعدت الانتقادات لحكومة الرئيس رجب طيب إردوغان من جانب المواطنين الذين فوجئوا بقرار حظر التجول، واعتبر كثيرون أن الحكومة تتخبط في قراراتها لمواجهة فيروس «كورونا». ورأت المعارضة التركية أن الحكومة فشلت في التعامل مع أزمة الفيروس منذ البداية، وأن قراراتها دائماً تأتي بنتائج عكسية تتسبب في ذعر المواطنين.
واتهم أحمد داود أوغلو، رئيس حزب «المستقبل» المعارض، ورئيس وزراء تركيا الأسبق، حكومة إردوغان، بالفشل في إدارة أزمة تفشي وباء «كورونا»، بعد أن أعلنت قرار فرض حظر تجوال بشكل مفاجئ. وقال في بث مباشر أمس عبر صفحة حزبه على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه على الرغم من أن بعض قرارات الحكومة للتعامل مع الأزمة هي قرارات صائبة، فإن تنفيذها يعكس الفشل والتخبط دائماً، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الحزمة الاقتصادية التي أطلقها الرئيس رجب طيب إردوغان في 18 مارس (آذار) الماضي بمبلغ 15.4 مليار دولار للتعامل مع تداعيات انتشار «كورونا» هي قرار جيد؛ لكن تنفيذه غير واضح على الإطلاق، ولم يتضح من الذي استفاد من هذه الحزمة.
وتساءل داود أوغلو عن السبب الذي دفع الحكومة إلى إعلان قرار حظر التجول في الولايات الإحدى والثلاثين قبل ساعتين فقط من سريانه، قائلاً إن وزير الصحة فخر الدين كوجا عقد مؤتمراً في السابعة مساء، ليعلن عن آخر التطورات المتعلقة بالفيروس وسبل مواجهته؛ لكنه على الأرجح لم يكن يعلم أن هناك قراراً بفرض حظر التجول. وأضاف داود أوغلو أن مثل هذه القرارات لا تصدر عن شخص واحد؛ بل تأتي نتيجة التشاور بين أعضاء الحكومة، حتى يتمكن كل وزير من اتخاذ التدابير اللازمة في مجال اختصاصه، لافتاً إلى أن طريقة الإعلان عن القرار تظهر أن أعضاء الحكومة لم يكن لديهم علم مسبق به.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟