التعبئة تقيّد حركة النازحين السوريين في لبنان وتقلّص عائداتهم المالية

أطفال في أحد مخيمات النازحين السوريين في منطقة البقاع (إ.ب.أ)
أطفال في أحد مخيمات النازحين السوريين في منطقة البقاع (إ.ب.أ)
TT

التعبئة تقيّد حركة النازحين السوريين في لبنان وتقلّص عائداتهم المالية

أطفال في أحد مخيمات النازحين السوريين في منطقة البقاع (إ.ب.أ)
أطفال في أحد مخيمات النازحين السوريين في منطقة البقاع (إ.ب.أ)

علت صرخة سكان أبناء المخيمات من النازحين السوريين، بعد ستة أسابيع من توقف الزيارات اليومية للوفود الأممية والهيئات الدولية والإنسانية مع تفشي وباء «كورونا»؛ ما حال دون الوقوف عند احتياجاتهم من تأمين للمياه والخدمة المنزلية، وما رافقها من مساعدات.
وانعكس غياب الزيارات على تأمين مستلزمات النظافة، وبالتالي بات يهدد صحة أبناء هذه المخيمات مع الخشية من تفشي الأمراض الوبائية. كما انعكس سلبا على التقديمات الاجتماعية الخدماتية والصحية للنازح السوري.
ويشكو النازحون من تأخير المساعدات المالية والغذائية وبدلات المحروقات التي كانت تُصرف لكل أسرة كل شهر، وحتى نهاية الأسبوع الثاني منه، وتبلغ قيمتها أربعين ألف وخمسمائة ليرة عن كل فرد (27 دولارا بحسب سعر الصرف الرسمي) بعدما فقدت العملة نحو خمسين في المائة من قيمتها، ولم يعد بمقدور النازح تأمين ما يحتاج إليه من الضروريات.
يقول حميد أحد النازحين إلى وادي البقاع: «عام 2014 كانت قيمة الحصة لكل فرد ثلاثين دولارا وفي عام 2015 انخفضت إلى سبعة وعشرين دولارا»، ويضيف: «تدني قيمة الليرة اللبنانية جعلت الوضع المعيشي أكثر صعوبة في ظل الحجر الصحي ومنع التجول ومنع العمال من الذهاب إلى أشغالهم». ويشكر النازح علي ذياب بلدية الطيبة على رش المطهرات في المخيم، لكنه يقول إن ذلك غير كافٍ. ويقول: «نحن بحالة عزلة منذ أكثر من شهرين، العمل متوقف والأمم المتحدة لم تزرنا منذ ذلك الحين، والقوى الأمنية تمنعنا من التحرك من على مداخل المخيم». ويشير النازح حسن خلف إلى أن البطاقة التموينية كانت بقيمة 260 ألف ليرة «تكفيني وعائلتي طوال الشهر، لكنها اليوم لا تكفينا أكثر من أسبوع، وما هو أسوأ لقد أتانا الكورونا الذي بات يهدد كل المخيمات بسبب نقص المستلزمات من كمامات وقفازات ومطهرات وصابون».
وتوضح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المساعدات التي تقدمها، وتشير الناطقة باسمها في لبنان ليزا خالد في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أحدث تقرير نشرته الأمم المتحدة. وتقول إن المفوضية تعمل على خطة استجابة خاصة بالكورونا، أما بالنسبة للمساعدات النقدية فهي لم تتغير و«نحن نعمل على زيادة المساعدات للعائلات من النازحين السوريين وزيادة عدد المستفيدين تماشيا مع الوضع المستجد». ونفت المعلومات عن توقف الزيارات، مؤكدة أننا لم نوقف مساعدتنا، ما زلنا نعمل على توزيع الصابون والمطهرات ومواد التعقيم إلى المخيمات، أما موضوع الحفر الصحية فهو ضمن خطة الرعاية الصحية من قبل منظمة اليونيسف.
ويشير تقرير مفوضية شؤون اللاجئين إلى أنها تعمل إلى جانب المنظمات الأخرى في العمل الإنساني، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية، مع جميع السلطات اللبنانية المعنية من أجل احتواء ومنع تفشي الفيروس بين اللاجئين. وشمل ذلك حملات إعلامية جماعية حول تدابير الوقاية والنظافة، وتوزيع المواد المتعلقة بالنظافة الصحية والصرف الصحي، وتجريب وحدات العزل في مختلف المخيمات والمآوي الجماعية، والأعمال التمهيدية لتعزيز القدرة الاستيعابية للمستشفيات ووحدات العناية المشددة من أجل تفادي إنهاك القدرات المحدودة الحالية. وهذه الجهود كلها جارية بشكل متواصل.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.