«كورونا» تحوّل المنازل إلى أفران والمحجورين خبازين

جاء عصر {المنقوشة} والصاج و{أبو حليب}

«خبز بالحليب» من ليلى فتح الله  -  «خبزة البركة» من مي يعقوبي
«خبز بالحليب» من ليلى فتح الله - «خبزة البركة» من مي يعقوبي
TT

«كورونا» تحوّل المنازل إلى أفران والمحجورين خبازين

«خبز بالحليب» من ليلى فتح الله  -  «خبزة البركة» من مي يعقوبي
«خبز بالحليب» من ليلى فتح الله - «خبزة البركة» من مي يعقوبي

بات على سيدات العالم أن يفعلن أشياء لم يعتدنها، كأن يعجنّ دقيقاً أو يجلسن أمام المواقد. فإلى جانب إدارة شؤون المنزل، فرضت الإجراءات الاحترازية وحظر التجول عليهن تدبير بدائل منزلية للطعام، وتأمين ما يلزم من الخبز، بعد الإقبال المتزايد على شراء المواد الغذائية بشراهة.
هذه الحالة الطارئة استشعرها بعض الشيفات في الوطن العربي، فسارعوا إلى إعداد وصفات للخبز دون اتفاق مسبق، بمختلف أنواعه وتسمياته، بداية من «البركة» وانتهاء بـ«الخبز بالحليب».
تقول الشيف مي يعقوبي، صاحبة وصفة «خبزة البركة»، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الوصفة لم تكن في البداية بهذا الاسم، بينما هي مجرد وصفة للخبز العربي المكون من شريحتين، تعتمد على الطحين الذي يعد من المكونات الحيوية. بساطة هذه الوصفة أنها لا تحتاج سوى الدقيق والماء، فكان الهدف هو مشاركة متابعي عبر صفحتي على (فيسبوك) بوصفة تلبي الاحتياجات، دون الحاجة لأدوات طهي معقدة أو حتى مهارة».
أما عن إطلاق اسم «خبزة البركة» على هذه الوصفة، فتقول يعقوبي: «رائحة العجين والخبز بالبيت تجلب الشعور بالبركة، والأيدي التي تخبز هي يد منتجة، وفكرة أن يخبز الشخص بيديه تحمل كثيراً من الرمزية، فمن يملك قوت يومه يملك القوة لمواجهة أي صعاب». وتضيف: «قطعة خبز مع زيت وزعتر وجبة مشبعة تكفينا، وتشعرنا بالرضا الذي يعيدنا إلى بركة بيوت جدودنا، ومن هنا جاءت التسمية».
وترى يعقوبي أن الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تملك فرصة للتواصل مع آلاف المتابعين، يقع على عاتقهم مسؤولية مجتمعية كبيرة في الوقت الحالي، وتقول: «النجاح في تخطي هذه الجائحة يتوقف على مدى التزام الشعوب بالعزل التام، ورأيت أنها فرصة لمساعدة المتابعين في أي مكان على الالتزام بالعزل المنزلي قدر المستطاع».
وتؤكد يعقوبي أهمية هذا الدور، وسط مخاوف من اضطرار بعض الدول لغلق جميع المحال، إذا تفاقم الوضع أكثر من ذلك، وهو ما دفع بعضهم لتخزين كل ما يمكن تخزينه، كنوع من الحماية.
وعلى حد قولها، ترى مي يعقوبي أن المتابعين بحاجة لوصفة كهذه، فـ«هذه الوصفة خصيصاً كان لها صدى رائع، وحظيت بكثير من التفاعل من قبل المتابعين، ربما لأنها وصفة مُنقذة، إذا تعرضنا لنقص في السلع الغذائية في أسوأ الأحوال».
وانتهت يعقوبي إلى أن الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي حان دورهم الحقيقي، إذ تضيف: «النصائح النظرية متوفرة حولنا في كل مكان، بينما جاء دور الإنفلونسرز (المؤثرين) ليكونوا هم التطبيق والنموذج لكيفية العبور من هذه المرحلة القاسية، أيضاً المتابعين بحاجة لأن يشعروا بأن الجميع في السفينة نفسها».
أما الشيف ليلى فتح الله، فتروي لـ«الشرق الأوسط» كواليس وصفة «الخبز بالحليب» التي حظيت أيضاً بتفاعل ضخم من قبل متابعيها، وتقول: «اخترت وصفة الخبز بالحليب لأن العجين والخبز يشعرني بالراحة، رائحته بالبيت تحمل نفحات الخير، ربما أكون قلقة مثل كثيرين من أن يمتد العزل المنزلي للحد الذي يؤثر على السلع الأساسية، هنا سنكون بحاجة ماسة لتأمين متطلباتنا بتجهيزها في المنزل لأنه بالطبع أطيب».
وتضيف: «جزء من احترامي لمهنتي ولمتابعي أن أكون قريبة لهم، أشعر بمسؤولية كبيرة نحو كل من يقتطع من وقته ليتابع وصفاتي، لا سيما في هذا الوقت العصيب».
وعن رأيها في دور الشخصيات المؤثرة في الوقت الحالي، تقول الشيف ليلى: «زاد التواصل بيني وبين متابعي خلال هذه المحنة، الإنفلونسر (المؤثر) عليه أن يكون واعياً بما يدور حوله. مثلاً وقت الثورات، كنت حريصة على مشاركة متابعي بوصفات بعيدة عن المكونات المُكلفة، والأمر نفسه منذ جائحة كورونا، حيث يشعر الملايين بالزعر، ليس فقط جراء كورونا بشكل مباشر، ولكن بسبب الهزة الاقتصادية التي ربما تظهر تداعياتها لاحقاً».
أما ما تخطط الشيف ليلى لتقديمه خلال الفترة المقبلة، فتقول عنه: «قبل ظهور فيروس (كورونا)، كنت بصدد تجهيزات الموسم الرمضاني التي توقفت تماماً.
لكن أشعر أن علاقتي بمتابعي أكثر خصوصية من مجرد الشكل المهني لتقديم الوصفات، لذلك أقدم كل الجديد يومياً من مطبخي، وأشارك، فنحن الآن سواء أمام محنة واحدة، وبحاجة لئلا يبخل أي شخص بتقديم يد العون التي ربما تبعث الطمأنينة في القلوب، حتى إن كانت في وصفة خبز شهية».
وبجانب ما قدمته مي يعقوبي وليلى فتح الله، كانت وصفات الخبز الشامي للشيف غادة التلي، وخبز الصاج للشيف سالي فؤاد، من بين الأصناف التي لاقت متابعة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لسهولة طريقة التحضير والتنفيذ التي تعتمد على مزج الدقيق بالماء وبعض الخميرة، لكن الأمر يتطلب التدريب على التعامل مع اللهب، خاصة أن كثيراً من السيدات ليس لديهن خبرة سابقة بمثل هذه المواقف.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.