«كورونا» يفاقم أزمة اللاجئين السوريين... والدول المضيفة

TT

«كورونا» يفاقم أزمة اللاجئين السوريين... والدول المضيفة

تفاقمت بصورة عميقة مآسي اللاجئين في إدلب شمال غربي سوريا والجزر اليونانية، وعلى حدود الاتحاد الأوروبي خلال الشهور القليلة الماضية. واستعجل انتشار «كورونا» طرح الأسئلة والبحث عن حلول. ومجدداً، ينقسم الاتحاد الأوروبي بشأن مسائل اللجوء والهجرة، ويعكس محدودية قدراته على التعامل مع قضايا السياسة الخارجية والقضايا الأمنية.
وكما كانت الحال في عام 2015، فإن تدهور أوضاع اللاجئين في اليونان وتركيا ناشئ عن تصعيد الحرب الأهلية في سوريا، ذلك أنه في أبريل (نيسان) لعام 2019، أطلق النظام السوري عدداً من الهجمات العسكرية الرامية إلى استعادة السيطرة على محافظة إدلب في شمال غربي البلاد.
وبغية مواجهة تقدم القوات الحكومية السورية، رفعت أنقرة من دعمها المباشر لقوات المعارضة السورية، مع جلب قواتها العسكرية والعتاد الثقيل إلى خطوط المواجهة الأمامية بدءاً من فبراير (شباط) لعام 2020. وترغب تركيا في وقف التدفق المتجدد للاجئين عبر حدودها، ودعماً لمطالبها بإنشاء المنطقة العازلة أو الآمنة داخل المنطقة الحدودية. وبعد تصعيد كبير، اتفقت القيادتان الروسية والتركية على وقف جديد لإطلاق النار في 15 مارس (آذار) من العام الجاري.
وينسحب اتفاق وقف إطلاق النار الجديد على شريط ضيق بطول 6 كيلومترات على جانبي طريق حلب - اللاذقية السريعة. حتى وإن أسفر اتفاق وقف إطلاق النار الجديد عن توقف الغارات الجوية منذ ذلك التاريخ، فإن الترتيبات المزمعة لا تتسم بالاستدامة، ولا تؤدي إلى تسوية المصالح المتعارضة للأطراف المعنية بالصراع السوري. كما أن الأوضاع الراهنة أثبتت صعوبة تنفيذ وقف إطلاق النار بتمامه.
فما الخيارات المتاحة على الطاولة للتعامل مع الأوضاع المتدهورة؟ صار هذا التساؤل أكثر إلحاحاً إثر انتشار «كورونا»، علماً بأن الاتحاد الأوروبي وتركيا توصلا في عام 2016 إلى بيان مشترك عزز أواصر التعاون مع أنقرة بشأن المساعدات الإنسانية ومراقبة الحدود، غير أن البيان يعاني في الوقت نفسه من نقاط ضعف كبيرة ما يطرح الحاجة إلى منهج شامل. وهناك ترجمة مختصرة لتقرير أصدره «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، يتضمن قراءة في واقع الحال وتصورات لمستقبل التعاطي مع هذه الأزمة مع انتشار «كورونا».

- أوضاع مأساوية

تفاقمت مآسي المواطنين النازحين داخلياً في سوريا. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحتى منتصف الشهر الماضي، هرب ما يقرب من مليون سوري – نحو 60 في المائة منهم من الأطفال و20 في المائة من النساء – من القتال والجيش الحكومي. واليوم، فإن نحو ربع المواطنين في المناطق المتضررة من محافظتي إدلب وحلب لا يزالون قيد الفرار والنزوح. والطريق إلى تركيا مغلقة ومسدودة، إذ استمر إغلاق جميع المعابر الحدودية إلى تركيا، من حيث المبدأ، اعتباراً من مارس (آذار) 2015. كما استكملت الحكومة التركية بناء جدار حدودي في عام 2018، واستخدمت القوة في صد وإرجاع اللاجئين الجدد. ولجأ ما يزيد على نصف المليون نازح سوري إلى المنطقة الحدودية في شمال غربي إدلب، وانتقل أكثر من 400 ألف نازح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شرقاً، لا سيما منطقة الباب وعفرين.
وبالنسبة إلى الكثيرين، لا يعدّ هذا أول نزوح داخلي لهم. فمنذ عام 2017، جرى إخلاء ما يقرب من 1.5 مليون مواطن سوري إلى محافظة إدلب من أجزاء مختلفة من البلاد في سياق ما كان يُعرف بـ«اتفاقيات المصالحة»، التي كانت في صالح النظام، ما أسفر عن مضاعفة تعداد السكان في محافظة إدلب، حتى قبل اندلاع الأزمة الراهنة، حيث كان 2.8 مليون مواطن سوري في شمال غربي البلاد يعتمدون على المساعدات الإنسانية. كما زادت الظروف الجوية القاسية من تفاقم أوضاع اللاجئين: فهناك نقص حاد في المخيمات ذات التدفئة المناسبة، والمياه، والمرافق الصحية، والأغذية، والحماية من الهجمات.
ويمكن، في ظل هذه الأجواء، توقع مزيد من النزوح القسري من سوريا في اتجاه الحدود التركية بمجرد اشتداد حدة القتال في محافظة إدلب مجدداً، أو إذا تمكنت دمشق من السيطرة على شمال غربي البلاد. ومع ذلك، ليست تركيا على استعداد حالياً لقبول مزيد من اللاجئين السوريين، وبالتالي من المرجح أن تظل الحدود التركية مغلقة.
حتى على المديين المتوسط والبعيد، من غير المحتمل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بأعداد كبيرة. بدلاً من ذلك، من المرجح بالنسبة لهم المغادرة، أو الرغبة في مغادرة البلاد حتى يستطيعوا الفرار من القمع والاضطهاد المحتمل للغاية، أو – في ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية الطاحنة هناك – محاولة السعي لكسب العيش في أي مكان آخر.

- اللاجئون في تركيا

تستضيف تركيا حالياً أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم. ويشكل اللاجئون السوريون أكبر نسبة منهم بتعداد بلغ نحو 3.6 ملين نسمة. وهناك ما يقرب من 400 إلى 500 ألف لاجئ غير سوري، أغلبهم قادم من أفغانستان، والعراق، وإيران. ويحظى السوريون بحماية مؤقتة، وتعيش نسبة 2 في المائة منهم في مخيمات اللاجئين. ويمكنهم الحصول على تصاريح العمل، ولكن هذا يعتمد في نهاية المطاف على حسن نوايا أرباب الأعمال في تركيا. وبالمقارنة مع البلدان المجاورة، يحظى اللاجئون في تركيا بمعدلات مرتفعة من الالتحاق بالمدارس، كما يعمل جانب كبير منهم في الاقتصاد غير الرسمي. ومع ذلك، لا يزال اللاجئون السوريون يشكلون تحدياً كبيراً أمام الحكومة التركية في محاولات دمجهم واستيعابهم في المجتمع والاقتصاد التركي.
علاوة على ذلك، صارت المواقف الشعبية التركية تجاه اللاجئين أكثر عدائية بصورة متزايدة مع تعمق الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد. ونتيجة لذلك، فرضت الحكومة التركية عدداً من التدابير التقييدية. كما يبدو أن بعض اللاجئين قد تعرضوا للضغوط للتسجيل من أجل العودة الطوعية إلى بلادهم. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رجع نحو 87 ألف لاجئ من تركيا إلى سوريا بين عام 2016 ويناير (كانون الثاني) من عام 2020.
وتلعب فكرة إعادة اللاجئين دوراً متزايداً كذلك في الهجمات العسكرية التي تشنها الحكومة التركية ضد جارتها الجنوبية. فعندما بدأت عملية «غصن الزيتون – أو هجوم عفرين» العسكرية في يناير من عام 2018، أكد الرئيس التركي في خطاب له أن الهدف من وراء العملية هو إعادة منطقة عفرين إلى أصحابها الحقيقيين، وإعادة 3.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم. وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2019، أي قبل شهر واحد من آخر غزو عسكري هناك، طرح إردوغان خطته على الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تتعلق بمشروعات إعادة الإعمار في محاولة منه لتوطين نحو مليون لاجئ سوري في منطقة آمنة.

- حدود اليونان

مع نهاية فبراير (شباط)، أعلنت الحكومة التركية أنها ستفتح الحدود المشتركة مع أوروبا. ووفقاً لذلك، فإنها تجذب اللاجئين والمهاجرين إلى عبور الحدود مع اليونان، الأمر الذي يثير حالة طوارئ إنسانية على الصعيد المحلي. وهناك 4 أهداف ينطوي عليها إعلان أنقرة الأخيرة؛ أولاً: الحصول على مزيد من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي. ثانياً: إلزام أوروبا بتوفير الدعم المالي والدبلوماسي القوي في مواجهة حالة الطوارئ الإنسانية المريعة في إدلب. ثالثاً: توفير الدعم السياسي والعسكري لأجندة الأهداف التركية في شمال سوريا. وأخيراً، تلقي أنقرة الدعم المالي الخاص بجهود إعادة الإعمار هناك، بما في ذلك إقامة مشاريع التنمية السكنية للاجئين السوريين العائدين.
استخدمت الحكومة اليونانية الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية في منع اللاجئين والمهاجرين من دخول أراضي اليونان، كما علقت الحكومة التقدم بطلبات الحصول على اللجوء السياسي لمدة شهر واحد. ووفقاً للتقارير الصحافية، جرى استخدام معسكر سري في البر الرئيسي اليوناني لاحتجاز المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى اليونان بهدف إعادتهم مرة أخرى مباشرة إلى تركيا، في انتهاك واضح لسيادة القوانين اليونانية. وأعرب العديد من ممثلي الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية ومجلس وزراء الداخلية بالاتحاد الأوروبي، عن دعمهم الواضح للحكومة اليونانية في هذه المساعي.
وبحلول منتصف شهر مارس، هدأت الأزمة المباشرة على حدود الاتحاد الأوروبي في اليونان. ومنذ ذلك الحين، تعمدت الحكومة التركية نقل عدة آلاف من المهاجرين واللاجئين غير النظاميين الذين ظلوا موجودين في منطقة إيفروس الحدودية إلى المدن التركية مرة أخرى. فيما وصفه بعض الدوائر الأوروبية بأن محاولة الابتزاز من قبل أنقرة قد بلغت نهايتها في الوقت الراهن. كما استأنفت قوات حرس الحدود التركية المراقبة المنتظمة للحدود.

- الجزر اليونانية

لا تزال الظروف الحياتية للمهاجرين واللاجئين على الجزر اليونانية تتصف بالكارثية. إذ كانت المرافق، (أو ما يُعرف بنقاط الاستقبال) التي أنشئت بدعم من الاتحاد الأوروبي بدءاً من نهاية عام 2015، مصممة لاستيعاب ما يربو قليلاً على 6 آلاف شخص، ولكنها تضم حالياً أكثر من 41 ألف شخص. ويعدّ الازدحام المفرط من النتائج غير المخطط مسبقاً لها لبيان الاتحاد الأوروبي وتركيا المشترك في عام 2016، الذي تنص بنوده – من جملة أمور أخرى – على أنه لا يجوز نقل طالبي اللجوء السياسي، كبند حاكم، إلى البر اليوناني الرئيسي. وفي الأثناء ذاتها، كانت الإجراءات المعنية بطالبي اللجوء شديدة البطء في الجزر اليونانية، مع صعوبة كبيرة في تنفيذ عمليات الترحيل مجدداً إلى تركيا، التي كان من المفترض بها في الأصل الاضطلاع بتنفيذها.
ووجهت المنظمات غير الحكومية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة الانتقادات اللاذعة بشأن الظروف الحياتية في مراكز استقبال اللاجئين. ومما يُضاف إلى مشكلة الازدحام المفرط، هناك نقص الحماية الأمنية، والظروف الصحية المتدنية، وعدم كفاية الوصول إلى الخدمات الطبية، والرعاية النفسية والاجتماعية. وتقع الحوادث وتندلع الحرائق في تلك المراكز بصورة متكررة، وكذلك أعمال العنف والشغب العنيفة، تلك التي أسفرت عن سقوط العديد من الأشخاص بين قتيل وجريح. وكانت أولى حالات الإصابة المسجلة بفيروس «كورونا» بين جموع المهاجرين واللاجئين في مراكز الاستقبال في البر اليوناني الرئيسي تعكس التهديدات الأكثر خطورة على صحة وحياة الأفراد المحتجزين في مخيمات الجزر اليونانية.
وكانت الحكومة اليونانية، منذ شهور، تنظر في اقتراح إجلاء اللاجئين إلى البر الرئيسي. وعلى المديين المتوسط والبعيد، ترغب أثينا في إيواء طالبي اللجوء السياسي الجدد الذين يصلون إلى الجزر اليونانية في مرافق (مراكز استقبال) مغلقة. ومع ذلك، حالت الاحتجاجات المحلية في اليونان حتى الآن، وبدرجة كبيرة، من إنشاء تلك المراكز. ومع قانون اللجوء السياسي الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي بدءاً من يناير الماضي، فرضت الحكومة اليونانية مزيداً من القيود على حقوق طالبي اللجوء بشأن البقاء في البلاد لحين النظر في طلبات اللجوء خاصتهم، وكذلك الاستعانة بقوات الشرطة والجيش في تسريع إجراءات طالبي اللجوء السياسي. ويتوقف نجاح الحكومة اليونانية في إعادة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم إلى تركيا مرة أخرى بأعداد أكبر مما كانت عليه في السابق على فرضيتين مشكوك في صحتهما.
فمن جهة، يتعين أولاً على المحاكم اليونانية اعتبار تركيا دولة ثالثة آمنة لاستقبال اللاجئين المرفوضين. ولقد أثيرت الشواغل القانونية ذات الصلة بتلك المسألة ضد عمليات الترحيل ذات الإجراءات الموجزة للاجئين غير النظاميين أثناء الأزمة الراهنة. ومن جهة أخرى، سوف ينبغي على تركيا توفير قدر من التعاون البناء، ذلك الذي يعد موضع تساؤلات جوهرية بسبب الأزمة الأخيرة على الحدود البرية المشتركة بين البلدين.

- بيان تركي ـ أوروبي

هناك حاجة ملحة لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، سواء لحماية اللاجئين أو لاعتبارات أمن الحدود. وعلى مدار الأسابيع الماضية، أكد الجانبان أن البيان المشترك الحالي للاتحاد الأوروبي وتركيا الصادر في مارس 2016 – والذي يُشار إليه غالباً باسم «معاهدة» أو «اتفاق» اللاجئين أو الهجرة – لا يزال يشكل نقطة الأساس المرجعية المشتركة. وفي أعقاب اجتماع الرئيس التركي في بروكسل بتاريخ 9 مارس، أعلن تشارلز ميتشل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي على الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسات الأمن جوزيب بوريل ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن يعملا معاً على مراجعة كيفية إدخال بيان عام 2016 إلى حيز التنفيذ الفعلي بأفضل صورة عملية ممكنة.
وبحلول عام 2014، أسفر تصاعد الحرب الأهلية في سوريا عن اندلاع أزمة إقليمية ضخمة من النزوح القسري للاجئين، وكل ذلك في حين كانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعاني نقصاً حاداً في المساعدات الإنسانية. وتمثلت الاستجابة الأولى من جانب بروكسل في إطلاق «صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني الإقليمي للاستجابة للأزمة السورية» (المعروف إعلامياً باسم صندوق مدد). ووفر ذلك الصندوق الجديد الدعم المالي الأولي للعديد من بلدان الجوار السوري بدءاً من عام 2014، غير أن المساعدات لم ترق إلى مستوى الاحتياجات.
وفي ضوء أعداد اللاجئين المتزايدة بوتيرة سريعة للغاية، اعتمدت بروكسل إجراءات أكثر شمولاً لإرساء الاستقرار بدءاً من خريف عام 2015، وذلك من خلال خطة العمل المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ويهدف الجزء الأول من هذه الخطة إلى تحسين الأوضاع الإنسانية للاجئين الموجودين في تركيا. ولقد جرى تحقيق ذلك من خلال المساعدات المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي وعبر الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي نفذتها تركيا. وكانت الإصلاحات أكثر تأثيراً من حيث منح اللاجئين آفاقاً حياتية متوسطة المدى. فعلى سبيل المثال، افتتحت أسواق العمل التركية أمام اللاجئين السوريين، وتمكن التلامذة السوريون من الالتحاق بمختلف مراحل التعليم في البلاد. ويتمثل الجزء الثاني من خطة العمل في إدارة الحدود مع تنظيم حملات التوعية ضد الهجرات غير الشرعية ومخاطرها. وكانت هذه الإجراءات تصب في صالح الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تركيا. وبعد كل شيء، رغبت الحكومة التركية في تجنب أن تقوم مقام ممر الهجرة غير النظامية من أجزاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط وآسيا عبوراً إلى أوروبا على المدى البعيد.
ومع ذلك، صار من الضروري التوصل إلى اتفاق سياسي أوسع مجالاً من أجل الشروع في التعاون المشترك بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على أرض الواقع من خلال الممارسات العملية. ولقد جرى ذلك في مارس 2016 عبر البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي التزم فيه الجانب الأوروبي بتوفير مبلغ 6 مليارات يورو حتى نهاية عام 2018. وفي المقابل، لن يتم قبول مزيد من طلبات اللجوء السياسي من اللاجئين السوريين الذين وصلوا بصورة غير قانونية إلى الجزر اليونانية. وبدلاً من ذلك، سوف تجري إعادتهم إلى تركيا في أسرع وقت ممكن – التي سوف تحمل تعريف الدولة الثالثة الآمنة لخدمة هذا الغرض.
وعلى العكس من ذلك، سيقبل الاتحاد الأوروبي الأشخاص الضعفاء القادمين من تركيا من خلال عملية إعادة التوطين، بالأعداد المكافئة للاجئين السوريين العائدين من الجزر اليونانية («آلية رجل برجل»). وفي حالة توقف المعابر غير النظامية عبر بحر إيجة بصورة عامة، عرض الجانب الأوروبي احتمال قبول مزيد من عمليات إعادة التوطين الناشئة عن تركيا. كما التزم الاتحاد الأوروبي كذلك بإعادة تفعيل المحادثات المعنية بانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد بغية مواصلة العمل على تعميق الاتحاد الجمركي، وتسريع المفاوضات بشأن تحرير تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك إلى مختلف دول الاتحاد.



سوريو ليبيا... محاولات خروج متعثر من «سجن الغربة»

صورة لشبان سوريين غرق قاربهم قبالة ساحل ليبيا (الحقوقي طارق لملوم)
صورة لشبان سوريين غرق قاربهم قبالة ساحل ليبيا (الحقوقي طارق لملوم)
TT

سوريو ليبيا... محاولات خروج متعثر من «سجن الغربة»

صورة لشبان سوريين غرق قاربهم قبالة ساحل ليبيا (الحقوقي طارق لملوم)
صورة لشبان سوريين غرق قاربهم قبالة ساحل ليبيا (الحقوقي طارق لملوم)

قبل نحو سبعة أشهر، اتّجه 25 شاباً سورياً، بينهم قُصّر، ممن يقيمون في ليبيا، إلى سواحل أوروبا عبر رحلة هجرة غير نظامية، عاد منهم 4، وغرق الباقون في البحر المتوسط.

هذه الحادثة بقدر ما تركت أثراً سيئاً حينذاك في نفوس عديد من السوريين، فإنها سلّطت الضوء على وجود جالية كبيرة لجأت إلى ليبيا، هرب بعضها من نظام الرئيس السابق بشار الأسد، في حين أن البعض الآخر يعيش في ليبيا من قبل.

وبقدر تنوع الجالية السورية في ليبيا، من طبقة رجال الأعمال، إلى المقاتلين المرتزقة، والأسر المقيمة منذ عهد الرئيس السابق معمر القذافي، والعمال، والراغبين في الهجرة إلى أوروبا... بقدر تنوع المشاكل وسبل النجاة.

كثير من السوريين لا يعتبرون ليبيا وجهة نهائية لهم، بل محطة في طريقهم إلى أوروبا. ولم يكن خبر غرق 21 منهم في «المتوسط» أخيراً، والذي شغل المعنيين بملف الهجرة واللاجئين في البلاد، أولى الكوارث؛ فقد فُجعوا بأكثر من ذلك.

وتشير تقارير منظمات محلية ودولية معنية بالهجرة إلى وفاة عديد من الفارين منهم في البحر المتوسط، أو سقوطهم في قبضة حرس السواحل الليبي الذي أبقى عليهم في السجون.

كثير من السوريين تكيّفوا مع طبيعة الأوضاع في ليبيا، فاندمجوا في المجتمع، وتفاعلوا مع أهل البلد ونمط الحياة فيه، لكن ذلك لم يمنع من وجود «صعوبات وانتهاكات» يتعرض لها كثيرون، ولا سيما طبقة العمال، ومن انتهت صلاحية أوراقهم الثبوتية.

سوريون يحتفلون في ساحة الأمويين بدمشق بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا... 13 مايو (أ.ف.ب)

اليوم وفيما سوريون في مختلف بلدان اللجوء يستعدون للعودة إلى بلدهم وقد بات ذلك متاحاً لهم، لا يزال سوريو ليبيا عالقين في منتصف الطريق. لا هم قادرون على الاحتمال مدة أطول ولا هم قادرون على الرحيل. ويقول سوريون في ليبيا إنهم يواجهون مشاكل عدة من قِبَل الخارجين عن القانون، تصل إلى حجز جوازات السفر.

استمعت «الشرق الأوسط» إلى شكاوى سوريين عديدين مقيمين في ليبيا، وتتمثل مشاكلهم بشكل أساسي في البطالة، والتعرض للخطف، ودفع «فديات» للميليشيات المسلحة، بالإضافة إلى ارتفاع الغرامات الواجب سدادها لمن يرغب في العودة إلى وطنه الآن وقد أصبح ذلك متاحاً.

مخالفات الإقامة

يفرض القانون الليبي المعدل في 14 مارس (آذار) 2024، والمتعلّق بدخول وإقامة الأجانب في ليبيا، رسومَ مخالفة البقاء بعد انتهاء صلاحية التأشيرة أو انتهاء فترة الإقامة، بمقدار 500 دينار عن كل شهر؛ أي ما يعادل نحو 90 دولاراً.

ولا تتوفر في ليبيا إحصاءات رسمية بشأن أعداد الوافدين بالنظر إلى انقسام البلاد منذ عام 2014، لكن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين سبق أن أعلنت في عام 2020، أن هناك قرابة 14.500 لاجئ وطالب لجوء من سوريا في ليبيا.

مطالبات أهالي المعتقلين السوريين في ليبيا الإدارة السورية الجديدة بالتحرك للكشف عن مصير أبنائهم المحتجزين هناك والمساهمة في تسهيل إجراءات عودتهم (متداولة)

أحمد كمال الفاخوري الذي كان وصل إلى ليبيا قبل 10 أعوام، ويقيم في طرابلس، ويعمل في أحد المطاعم مثل عديد من مواطنيه، قال لـ«الشرق الأوسط»: «فرضوا علينا غرامات لا يتصورها العقل؛ تقارب 1500 دولار للفرد». واشتكى الفاخوري من أنه لا يجد قوت يومه أحياناً، لقلة العمل، مطالباً السلطة السورية الجديدة بالتواصل مع الجهات الليبية لحل أزمتهم.

الفاخوري انتقل من مدينة درنة في أعقاب السيول التي ضربتها في أغسطس (آب) 2023، إلى طرابلس، وقال إنه رأى الموت بأم العين، واضطر إلى مغادرة درنة لعدم وجود بيت يؤويه: «الآن نعيش في عناء، ونريد أن يصل صوتنا للعالم، ليعرف الجميع كيف يعيش السوريون في ليبيا. نريد المغادرة إلى بلادنا».

النسيج السوري في ليبيا يضم الآلاف من الأطباء، والمهندسين، والدارسين في الجامعات، فضلاً عن عمال ينتشرون في الأسواق بحثاً عن لقمة عيش لأسرهم.

ولم يصدر عن وزارتَي العمل بحكومتَي ليبيا أي تصريحات بخصوص فرض «ضريبة مغادرة» محددة على السوريين المقيمين بالبلاد، لكن شهادات من الجالية السورية تؤكد مطالبتهم بدفع رسوم مغادرة تُحسب بناءً على مدة إقامتهم.

سقوط نظام بشار الأسد شجّع كثيرين على التفكير في العودة إلى بلدهم و«الخروج من سجن الغربة»، كما يقولون، لكنهم اصطدموا بضرورة تسديد هذه الرسوم التي تمثل عبئاً مالياً كبيراً على الأفراد كما العائلات.

«الشرق الأوسط» سعت للحصول على إفادة من الوزارتين بخصوص شكاوى السوريين من انتهاء أوراقهم الثبوتية، ومطالبتهم بتسديد غرامات يرون أنها «تفوق قدراتهم المالية»، لكن من دون رد من جانبهما.

وناشد السوري زكريا سعدي السلطات في شرق ليبيا وغربها إلغاء «ضريبة المغادرة»، ليتسنى لمن يرغب من الجالية السورية في العودة أن يفعل ذلك.

سعدي تحدث عن المعاناة اليومية لأبناء بلده، وقال: «من غير المعقول في ظل الظروف القاسية التي نعيشها، أن يُطلب من كل سوري هذه المبالغ كضريبة خروج من بلد لجأ إليه هرباً من الحرب». ويرى سعدي أن «هذه الضريبة تُعتبر عائقاً كبيراً أمام أي محاولة للعودة إلى الوطن، وتُشكّل عبئاً يفوق طاقتنا في ظل تردّي أوضاعنا المالية».

وقال إن «غالبية السوريين في ليبيا هم من العائلات البسيطة التي لا تمتلك دخلاً ثابتاً، وبعضها مهدّد بالطرد أو الخطف أو الاستغلال؛ ما يجعل المغادرة خياراً مصيرياً»، متسائلاً: «كيف يُطلب من المُهجَّر أن يدفع ثمن خروجه وكأنه سائح أو مقيم ميسور؟!».

ووجّه سعدي رسالة إلى وزارة خارجية بلاده، لاتخاذ موقف رسمي بهذا الخصوص، ومطالبة الجانب الليبي بإعفاء السوريين من الرسوم، والعمل على تنظيم آلية عودتهم وتسهيلها، وحماية من لا يزال مضطراً للبقاء.

مشكلة جوازات السفر

يتحدث عديد من السوريين في ليبيا عن تعرضهم لمشكلات كثيرة بسبب انتهاء الإقامات وجوازات السفر. ونقلت وسائل إعلام سورية أن مراقبة التعليم في مدينة مصراتة (غرب ليبيا) منعت 100 تلميذ سوري من الالتحاق بالمدارس الحكومية؛ نظراً لانتهاء جوازات سفر أولياء أمورهم.

مهندس وعمّال بناء سوريون في ورشة إعادة إعمار منازل في قرى دمرتها الحرب في محافظة إدلب (أ ف ب)

ولعدم وجود سفارة أو قنصلية أو تمثيل دبلوماسي سوري في ليبيا، لم يتمكن آلاف من الوافدين السوريين من تجديد جوازات سفرهم، وظلوا عالقين على أمل تدخل سياسي ينهي أزمتهم.

وتُقدّم ليبيا التعليم المجاني في المدارس الحكومية لأبناء المقيمين الأجانب، وهو ما عدّه الدكتور الليبي أيمن بن حليم «عبئاً مالياً كبيراً على بلاده»، وقال إنه «نظراً للعدد الكبير من العمالة الأجنبية في ليبيا، خاصة من دول الجوار؛ تُستهلك موارد التعليم العام والمجاني بشكل مفرط».

واستغرب طارق لملوم، الحقوقي الليبي والباحث في شؤون المهاجرين وطالبي اللجوء، مما أسماه «وجود شروط إقامات مكلفة وتعجيزية في ظل اشتراط جوازات سفر على أشخاص فرّوا من بلدان نزاع، والحكومة في غرب ليبيا لا تعترف بتمثيل دبلوماسي لبلدهم».

وفي منتصف مايو (أيار) 2025، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إنه أصدر توجيهات بفتح سفارة وقنصلية لدى ليبيا. كما تحدث عبر حسابه على منصة «إكس» عن أنه سيزور ليبيا لاستكمال الإجراءات والتنسيق المشترك لفتح السفارة والقنصلية؛ بغية تقديم خدمات للسوريين في ليبيا، وتعزيز العلاقات بين البلدين.

سجون حكومتين وميليشيات

ويتحدث السوري حيان القدّاح عن أوضاع أبناء بلده في ليبيا، ويشير إلى أن «منهم من ينتظم في العمل، وهناك من ينام في الطرقات لعدم امتلاك أموال لسداد أجرة السكن»، لكنه يلفت إلى مأساة ارتهان جوازات سفر البعض ممن لا يقدرون على سداد تكاليف الفندق.

ويحكي القدّاح في إفادة لـ«الشرق الأوسط» عن تعرض عدد كبير ممن أسماهم بـ«العمالة الوافدة» التي هربت من الأوضاع الأمنية والجيش في عهد الأسد، ولجأت إلى ليبيا باعتبارها خط أمان سعياً للهجرة إلى إيطاليا، لكن في النهاية تقطّعت بهم السبل.

وساهم الانقسام السياسي الليبي، ووجود حكومتين متنازعتين على السلطة، في تعقيد أزمة السوريين؛ إذ لا تعترف حكومة غرب ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بالإجراءات التي تجريها غريمتها في شرق البلاد بقيادة أسامة حمّاد، والمدعومة من «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.

قوات تابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» في طرابلس (رويترز)

وسهّلت خطوط طيران «أجنحة الشام» نقل السوريين بأعداد كبيرة خلال السنوات الماضية من دمشق إلى بنغازي، لكنهم كانوا دائماً يواجهون عقبة عدم اعتراف المدن الواقعة تحت سيطرة حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة بختم الخروج الذي حصلوا عليه في بنينا.

ويضيف القدّاح أن كثيراً من الشباب السوريين في السجون بطرابلس وبنغازي «لا يستطيعون دفع أموال الفدية المطلوبة منهم، والتي تصل إلى 3 آلاف دولار أحياناً». ويضيف: «السجون الليبية مليئة بالسوريين بتهمة الهجرة غير المشروعة، من بينهم أطفال ونساء».

وتحدث الباحث الحقوقي لملوم عن العراقيل التي تواجه السوريين في ليبيا، ومن بينها عدم السماح لهم بالسفر من طرابلس إلى عمّان بسبب عدم وجود خطوط مباشرة، لكنهم أيضاً «يصطدمون بجدار الإجراءات التعجيزية، ومنها السؤال عن الإقامة، أو دفع رسوم مخالفة البقاء في ليبيا من دون إقامات».

وتساءل لملوم: «كيف يجددون جوازاتهم ويستخرجون إقاماتهم، وليس لبلدهم تمثيل قنصلي في بلدنا؟!»، وأضاف: «الأمر الأهم أن الأغلبية منهم مسجّلون لدى مفوضية اللاجئين؛ أي إن تسجيلهم كان داخل مكتب وسط العاصمة، والدولة سمحت بذلك».

وانتهى لملوم إلى أن «هذه الإجراءات فتحت باب الاستغلال؛ إذ تعرض الكثير من السوريين للاستغلال والاحتيال من قِبَل مكاتب وأشخاص قاموا بعمل إقامات لهم، تبيّن لاحقاً أنها مزورة».