تأثرت كرة القدم بشدة بتداعيات تفشي فيروس كورونا، حيث لم يعد من الممكن إقامة المباريات، وهناك الكثير من الشك وعدم اليقين بشأن ما إذا كان يمكن استئناف الموسم الحالي للدوريات المختلفة أم لا. وتواجه جميع الدوريات والأندية في أوروبا تحديات مالية مماثلة. ويزعم الدوري الإنجليزي الممتاز أن خسائره المحتملة لهذا الموسم قد تصل إلى 1.14 مليار جنيه إسترليني. وتطلب معظم الأندية في أوروبا من جميع الموظفين (بما في ذلك اللاعبون) قبول تخفيض كبير في أجورهم. ومنحت بعض الأندية بعض الموظفين من غير اللاعبين إجازة غير مدفوعة الأجر. أما بالنسبة للاعبين، فهناك الكثير من الأسباب التي تجعل هذه التخفيضات في الأجور غير مقبولة.
وكان داني روز لاعب نيوكاسل يونايتد المعار قال، إن لاعبي دوري إنجلترا الممتاز لكرة القدم في موقف لا يحسدون عليه بسبب ما يتعرضون له من ضغوط في ظل الدعوات المطالبة بتخفيض رواتبهم خلال أزمة فيروس كورونا. أول هذه الأسباب هو أن هناك تعاقداً بين هؤلاء اللاعبين وبين أنديتهم، ويجب احترام بنود هذه التعاقدات؛ نظراً لأن هذا هو أحد الأركان الأساسية لكرة القدم الحديثة. ويفصل المبدأ المعروف بـ«الاستقرار التعاقدي» بين وضع لاعب كرة القدم ووضع أي عامل عادي آخر. ويمكن للعامل «العادي» الرحيل عن المؤسسة التي يعمل بها مقابل دفع تعويض بسيط أو إخطار هذه المؤسسة قبل رحيله بفترة محددة. كما يحق لصاحب العمل إنهاء العلاقة بينه وبين العامل في أي وقت، بشرط احترام فترة إخطار العامل بإنهاء التعاقد أو دفع تعويض. أما إذا تعاقدت الأندية مع لاعب، فإنها تخاطر بدفع رسوم الانتقال ودفع أجور كبيرة.
وفي مقابل هذه المخاطر، لا يمكن للاعبين الرحيل عن النادي قبل نهاية العقد، إلا في حالة واحدة، وهي اتفاق جميع الأطراف المعنية على خلاف ذلك. ويعلم اللاعبون أيضاً أن الأندية التي يلعبون لها سوف تمنحهم أجورهم كاملة خلال فترة التعاقد.
وبالتالي، فإن مطالبة الأندية للاعبين الآن بتخفيض رواتبهم تعد بمثابة تقويض لمبدأ الاستقرار التعاقدي هذا. وإذا أصرت الأندية على تخفيض الأجور، فيجب وضع اللاعبين في نفس وضع أي عامل عادي. وبالتالي، فإن الأندية التي تخفض أجور لاعبيها يجب أن تقبل بأنه يمكن للاعبين إنهاء عملهم مجاناً، وأنه لا يمكن لهذه الأندية أن تطلب رسوم انتقال عندما يرغب اللاعب في الرحيل إلى ناد آخر.
وكان من المتوقع من أصحاب المؤسسات التي تدار بصورة جيدة أن يحافظوا دائماً على احتياطي مالي يمكنهم من الاستمرار في العمل في أي فترة يتعرضون خلالها لأزمة تؤدي إلى انخفاض الإيرادات. لكن الكثير من الأندية لا تملك هذا الاحتياطي المالي، وهو ما يجعلها تواجه ضغوطاً كبيرة في الوقت الحالي، والسبب في ذلك أنها «تفرط» في دفع الأموال للاعبين وفي سوق الانتقالات. وفي بداية كل موسم، تنفق الكثير من الأندية «طواعية» أموالاً أكثر مما لديها، على أمل أن تتمكن من البقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز (وبالتالي الحصول على عائدات البث التلفزيوني)، وعلى أمل تحقيق أرباح من خلال بيع بعض اللاعبين بأسعار تفوق المبالغ المالية التي دفعت لهم عند التعاقد معهم.
وحتى تكون هذه الأندية قادرة على المنافسة، فإنها تكون على استعداد للمخاطرة باستخدام جميع مواردها من أجل تدعيم صفوفها بأكبر قدر ممكن. وإذا تغلبت هذه الأندية على كل هذه المخاطر ونجحت في تحقيق أرباح، فإنها لا تعطي جزءاً من هذه الأرباح إلى الموظفين أو اللاعبين. وفي هذا الإطار، دعونا لا ننسى أنه في موسم 2017 – 2018، حققت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز أرباحاً مشتركة بلغت نحو 285 مليون جنيه إسترليني قبل خصم الضرائب، ومع ذلك لم تعط أي جزء من هذه الأرباح للاعبين. وبالتالي، لا يكون من العدل أن تطلب من الموظفين واللاعبين التضحية بأجورهم عندما تعاني هذه الأندية الآن من صعوبات مالية.
وعلاوة على ذلك، هناك تأثير ضار آخر لتخفيض الأجور على اللاعبين؛ لأنه بمجرد أن تعود الأمور إلى طبيعتها وتستأنف المباريات وتذاع على قنوات البث التلفزيونية المختلفة، فإن اللاعبين الذين قبلوا بتخفيض أجورهم سوف يساعدون في تسهيل عملية شراء أنديتهم للاعبين جدد، وبالتالي السماح بإحضار منافسين لهم في مراكزهم. وبالتالي، لا يمكن قبول تخفيض الأجور إلا إذا التزمت الأندية بسداد الأجور قبل دفع أموال أخرى للتعاقد مع لاعبين جدد.
كما أن خفض الأجور سيكون له عواقب ضريبية مهمة على الحكومات المختلفة، في الوقت الذي تحتاج فيه الحكومات إلى جميع الأموال المتاحة. فعلى سبيل المثال، تطلب أندية الدوري الإنجليزي الممتاز من اللاعبين تخفيض رواتبهم بنحو 570 مليون جنيه إسترليني، وهو ما يعني أن الحكومة الإنجليزية ستخسر ضرائب بقيمة تتجاوز 200 مليون جنيه إسترليني. وفي ضوء الأزمة الصحية الحالية، فإن مطالبة الأندية للاعبيها بتخفيض أجورهم تبدو سلوكاً أنانياً للغاية من جانب هذه الأندية التي تضع مصالحها المالية قبل مصلحة الشعب. وبدلاً من تخفيض الرواتب، سيكون من الأفضل بالنسبة للأندية واللاعبين التبرع بجزء من أجورهم للمستشفيات ومؤسسات الرعاية الصحية.
والخلاصة، يجب على الأندية ألا تطلب من لاعبيها تخفيض أجورهم إلا إذا كان ذلك ضرورياً من أجل بقاء هذه الأندية. وإذا كانت الأندية خائفة حقاً من أنها قد لا تستطيع البقاء والالتزام بتعهداتها المالية، فهذا يعني أن هذه الأندية لم تكن حذرة في تعاملاتها السابقة وأنه يتعين عليها التوقف عن دفع رواتب اللاعبين! وإذا وصلت الأمور إلى هذه الدرجة، فيحق للاعبين إنهاء عقودهم مقابل دفع تعويض بسيط مثل الموظفين العاديين.
لكن إذا قرر اللاعبون تقديم الدعم المالي للأندية من خلال تخفيض رواتبهم، فيجب أن يخضع هذا التخفيض لشروط معينة، مثل تعهد الأندية بعدم دفع رسوم انتقال لاعبين جدد حتى تقوم برد المبالغ المالية التي خصمتها من جميع اللاعبين! وفي لفتة من جانب لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، كان جوردان هندرسون قائد فريق ليفربول وراء اجتماع اللاعبين لبدء إنشاء صندوق خيري لمساعدة هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا في إطار مكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19).
يجب عدم إجبار اللاعبين على تخفيض أجورهم... والأسباب كثيرة
تخفيض رواتبهم لا يفيد إلا الأندية وينبغي احترام بنود التعاقد بين الطرفين
يجب عدم إجبار اللاعبين على تخفيض أجورهم... والأسباب كثيرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة