خلال الأسبوع الحالي الذي يُلقي فيه الجميع باللوم على الآخرين، فيما يتعلق بأزمة انتشار فيروس كورونا، طالب وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز بالقيام بدورهم لمواجهة الأزمة. وتتمثل إحدى القواعد العظيمة للحياة العامة في بريطانيا في أنه عاجلاً أم آجلاً ينتهي كل شيء بإلقاء اللوم على لاعبي كرة القدم في أي أزمة تشهدها البلاد.
وبغض النظر عن مدى غرابة عالمنا الجديد في ظل تفشي فيروس كورونا، يمكنك أن تقول شيئاً واحداً مؤكداً، وهو أنه في نهاية المطاف، سنرى من يخرج علينا ليثبت أن نجم نادي مانشستر سيتي والمنتخب الإنجليزي رحيم سترلينغ هو المسؤول عن تفشي وباء كورونا!
وأعلم تماماً أن من يُسمون «الخبراء» سيقولون إن مهرجان شلتنهام، الذي حضره 250 ألف شخص، هو الذي أدى إلى انتشار الوباء، وانتقاله إلى إسبانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، بل وإلى مدينة ووهان الصينية نفسها. لكن هناك من يرى أن الأمر برمته يعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وبالتحديد إلى أقدم عدو للبشرية في المملكة المتحدة، وهم الشباب الذين يلعبون في الدوري الإنجليزي الممتاز (مهرجان «يوم السيدات» أقيم في بلدة شلتنهام البريطانية في مارس (آذار) الماضي)!
وحتى في الأوقات الجيدة، فإن الأشخاص أنفسهم قد استغلوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتسبب ذلك في حدوث أزمة كبيرة في أعداد الممرضين والممرضات، لكي يجروا مقارنات بين رواتب اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز ورواتب الممرضات في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، وذهب بعض منهم إلى ضرب أمثلة براتب أحد اللاعبين، وكيف يمكن لهذا الراتب أن يوفر عدداً كبيراً من الممرضات.
وكما أكدنا أكثر من مرة في صحيفة «الغارديان»، فإن الممرضات يحصلن على أجر قليل للغاية، لا يتناسب مع العمل الكبير الذي يقدمنه.
لكن الغريب أن لاعبي كرة القدم هم فقط الذين يتم إلقاء الضوء على رواتبهم، ومقارنتها برواتب الممرضات والفئات التي تحصل على أجور زهيدة، ونادراً ما نسمع أي شخص يتحدث عن كيف كان يمكن زيادة رواتب الممرضات بالأموال التي تدخلنا بها في الشؤون الليبية، والتي أدت إلى أن تتحول هذه الدولة إلى دولة فاشلة، أو كيف كان يمكن تحسين رواتب الممرضات من خلال الـ53 مليون جنيه إسترليني التي تم تخصيصها لبناء جسر بأحد الحدائق، أو من خلال ثمن شراء حمولة من الأسلحة النووية التي لم يكن سيُسمح لنا باستخدامها ما لم تطلب منا الولايات المتحدة الأميركية ذلك.
لقد مرت أيام قليلة منذ أن بدأ عدد قليل من الأندية (وليس اللاعبين) في الكشف عن خططها للتقدم بطلب للحصول على مساعدة حكومية لدفع رواتب العاملين الذين يواجهون مصيراً مجهولاً بسبب تفشي فيروس كورونا، وقد بدأت الانتقادات الشديدة توجه للاعبي كرة القدم بسبب ما وصف بعدم تعاملهم كما ينبغي مع هذه الأزمة. وفي الأسبوع الماضي، سمعنا جوليان نايت، رئيس لجنة الرياضة والثقافة والإعلام بالبرلمان البريطاني، يتحدث عن «الفراغ الأخلاقي» في الدوري الإنجليزي الممتاز. وفي الوقت الحالي، فإن السؤال الذي يتردد على ألسنة الجميع هو: هل سيتم تخفيض رواتب لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز؟ الإجابة هي: نعم، سيحدث ذلك بنسبة 30 في المائة.
ومع وضع ذلك في الحسبان، يجب أن نشير إلى أن مجلة «فوربس» قد أكدت، خلال العام الماضي، أن 12 من أغنى مالكي أندية الدوري الإنجليزي الممتاز لديهم ثروة إجمالية تصل إلى 74 مليار جنيه إسترليني، فهل تم تخفيض رواتب ملاك الأندية أيضاً؟ أو لو نظرنا للأمور من منظور آخر، سنجد أن غوردون تايلور، رئيس رابطة اللاعبين المحترفين، قد حصل على راتب يتجاوز مليوني جنيه إسترليني العام الماضي، فهل سيتم تخفيض راتبه أيضاً؟
لقد مرت عدة أشهر منذ أن بدأ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في تلقي معلومات عن خطر فيروس كورونا، كما مرت عدة أسابيع منذ أن رأى بعينيه الآثار الهائلة التي تركها هذا الفيروس على الدول الأوروبية المجاورة، لكنه رغم كل ذلك استمر في اتباع استراتيجية تهدف للتخفيف من آثار هذا الفيروس، بالشكل الذي جعل بريطانيا لا تتخذ الإجراءات القوية التي تتناسب مع جسامة الحدث، وذلك قبل إدخاله إلى العناية المركزة (الاثنين) بعد إصابته بفيروس كورونا الشهر الماضي.
ومر ما يقرب من 3 أسابيع منذ أن غيّر هذه الاستراتيجية بشكل جذري؛ وأسبوعان تقريباً منذ أن وعد بإجراء 25 ألف اختبار للكشف عن المصابين بفيروس كورونا بشكل يومي، وأيام معدودة منذ أن تم الكشف عن أنه لم يتم إجراء سوى ألفي اختبار فقط في الخطوط الأمامية للعاملين في المجال الطبي! فهل سيتم تخفيض راتبه هو الآخر؟
بشكل محبط، استغل مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، هذه الأزمة لشن هجوم على لاعبي كرة القدم يوم الخميس الماضي. ومع ذلك، كانت عودة وزير الصحة للواجهة موضع ترحيب نسبياً، على الأقل لأنه قبل ساعات فقط من حديثه، طالب نايجل فاراج، البالغ من العمر 56 عاماً، بإقالته من منصبه، وتعيين شخص من الخارج قادر على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، مثل المدير الفني الهولندي لويس فان غال!
وفي الحقيقة، فإن التصريحات التي أدلى بها هانكوك في ذلك اليوم قد شهدت تحسناً نسبياً عن تصريحاته في اليوم السابق، خلال لقائه مع وزير شؤون الشركات، ألوك شارما. ومع مرور الوقت، باتت هذه المؤتمرات الصحافية، التي يطل علينا خلالها 3 أشخاص يومياً لإلقاء اللوم على الآخرين في هذه الأزمة، تشبه برامج المبتدئين!
لقد كشف هانكوك النقاب عن استراتيجيته المكونة من 5 نقاط للتعامل مع هذه الأزمة. لكن الوزير السابق في مجلس الوزراء المحافظ، غريغ كلارك، الذي يترأس الآن اللجنة العلمية في البرلمان، حذر الأسبوع الماضي من أن المملكة المتحدة الآن «قد تأخرت بشكل واضح» في اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الوقت الضائع بسبب الفشل في إجراء اختبار شامل للعاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وأصبح أملنا الوحيد الآن يتمثل في أن يتم السماح للمختبرات الأصغر بالمساعدة في التعامل مع هذه الأزمة.
في الواقع، هناك شيء مفجع بعض الشيء بشأن مشاهدة الخبراء وهم يؤكدون أن هذه هي اللغة الوحيدة التي تفهمها الحكومة. لقد كان كلارك نفسه يردد فقط نداء بول نورس، رئيس معهد فرانسيس كريك المحترم، الذي قال خلال هذا الأسبوع: «إن المؤسسات مثل مؤسستنا تعمل معاً بروح دونكيرك (دونكيرك هو فيلم حربي تجري أحداثه خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وتصور عملية الانسحاب من ميناء دونكيرك). لقد وضعت الحكومة بعض القوارب الكبيرة والمدمرات في مكانها الصحيح. هذا أكثر تعقيداً بعض الشيء لبدء العمل، ونتمنى لهم كل التوفيق للقيام بذلك، لكن يمكننا، كقوارب صغيرة، المساهمة أيضاً».
لقد بدأت هذه المقالة بأحد القوانين العظيمة للحياة العامة في بريطانيا، وأختمه بقانون آخر: الإصرار المرضي على تصفية كل شيء من خلال منظور الحرب العالمية الثانية، وكأننا لم نبتعد أكثر من 6 أقدام عن أحداث وقعت قبل 75 أو 80 سنة مضت. وختاماً، فإن على الحكومة البريطانية أن تلوم نفسها قبل أن تلقي باللوم على الآخرين.
دفاعاً عن لاعبي كرة القدم في وجه الضغوط
على الحكومة البريطانية لوم نفسها قبل الآخرين
دفاعاً عن لاعبي كرة القدم في وجه الضغوط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة