حرب طرابلس تعمّق خسائر المؤسسات الصحية في ليبيا

القصف المتواصل ألحق أضراراً بالغة بـ27 مرفقاً طبياً... وأرغم بعضها على إقفال أبوابه

عملية إخلاء المرضى عقب قصف مستشفى الاستقلال بطرابلس (الوفاق)
عملية إخلاء المرضى عقب قصف مستشفى الاستقلال بطرابلس (الوفاق)
TT

حرب طرابلس تعمّق خسائر المؤسسات الصحية في ليبيا

عملية إخلاء المرضى عقب قصف مستشفى الاستقلال بطرابلس (الوفاق)
عملية إخلاء المرضى عقب قصف مستشفى الاستقلال بطرابلس (الوفاق)

عمقت الحرب على العاصمة الليبية طرابلس من خسائر القطاع الطبي بمدن الغرب، وجعلت الأطقم الطبية هدفاً سهلاً للقصف المتبادل بين القوتين المتحاربتين على تخومها؛ ما ألحق ضرراً بـ27 مرفقاً للرعاية الصحية، إضافة إلى قرب إغلاق 23 مرفقاً صحياً؛ نظراً لقرب الاشتباكات المسلحة من محيطها.
وحتى يوم أمس كانت أعمدة الدخان لا تزال تتصاعد من محيط مستشفى الاستقلال (الهضبة الخضراء) في طرابلس، بعد تعرضه لقصف صاروخي مساء أول من أمس، مخلفاً عدداً من الإصابات؛ وهو ما أجبر الأطقم الطبية على إخلائه بسرعة من المرضى والمصابين بفيروس كورونا.
وكان مستشفى الخضراء، الذي يتسع لـ400 سرير، أحد المرافق الصحية التي تم تخصيصها لاستقبال مرضى «كوفيد – 19»، لكنه الآن أصبح خالياً بعد تضرره من القصف، وقد اتهمت حكومة «الوفاق» «الجيش الوطني» بقصفه بالصواريخ.
وتعاني البنية التحتية الصحية في ليبيا، التي تعرضت خلال الأعوام التسعة الماضية لتدمير كبير، من أضرار جسيمة بسبب الفوضى الأمنية، والاشتباكات المسلحة والحرب على طرابلس، وسط تحذير وكالات الإغاثة من أن هذه المنشآت غير مؤهلة لتحمل تفشٍ كبير لفيروس كورونا، والمطالبة بوقف الحرب فوراً.
وقال الدكتور المعتز نوفيل، أحد أطقم مستشفى طرابلس المركز، لـ«الشرق الأوسط»، إن القطاع الطبي في عموم ليبيا «تعرض للإهمال خلال السنوات الماضية؛ وهو ما ترتب عنه عجز بعض المستشفيات عن تقديم الخدمة الصحية المطلوبة لمئات المرضى من ذوي الأمراض المزمنة»، لافتاً إلى أن المستشفيات الواقعة في قلب الاشتباكات المسلحة «تضررت بشكل واسع، وخرجت من الخدمة بشكل تام، وهذا يتطلب تدخل الحكومة بشكل عاجل».
وذهب النوفيل إلى أن المرضى هم أكثر الفئات التي تضررت من الحرب الضارية، والتي من الممكن أن يزيد تضررها من مخاطر فيروس كورونا؛ وذلك بسبب عدم قدرة القطاع الطبي على الوفاء بالتزاماته حيالهم.
وفور استهداف مستشفى «الخضراء ناشد جهاز الإسعاف والطوارئ سكان طرابلس بالالتزام بالأدوار السفلية لمنازلهم، والاحتماء بالحوائط الخرسانية».
وأدان يعقوب الحلو، نائب الممثل الخاص للأمين العام، منسق الشؤون الإنسانية، والمنسق المقيم للأمم المتحدة لدى ليبيا، قصف المستشفى، وقال في بيان نشرته البعثة الأممية للدعم في ليبيا، أمس، إنه «في فترة من الفترات لم يكن الناس في ليبيا في حاجة سوى إلى منزل آمن ومرافق طبية عاملة؛ ولذلك يصدمنا خبر وقوع هجوم آخر على أحد المستشفيات».
وأضاف الحلو مستنكراً «لقد هالني ما عرفته من قصفٍ عنيف استهدف (مستشفى الخضراء العام) بطرابلس، مساء أول من أمس؛ ما أدى إلى إصابة أحد عاملي الرعاية الصحية على الأقل، وإلحاق أضرار بالمرفق الطبي الذي يعمل بكامل طاقته. وهذا الهجوم يعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني». لافتاً إلى أن النداءات المتكررة التي وجهتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف الأعمال العدائية «لم تلق سوى التجاهل التام مع اشتداد حدة القتال (...)، وهذا أمر غير مقبول، خاصة في وقت تبرز فيه الأهمية الحيوية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وعاملي الصحة في التصدي لجائحة عالمية».
وتابع الحلو مستغرباً «من غير الممكن تبرير ضربة مستهجنة كهذه، ألحقت ضرراً كبيراً لمنشأة طبية تشتد الحاجة إليها. إنه أمرٌ كارثي أن يستمر تجاهل هدنة يناير (كانون الثاني)، والدعوة التي أطلقت مؤخراً إلى هدنة إنسانية، والتي رحبت بها كل من حكومة (الوفاق) و(الجيش الوطني)، بل ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في خضم جائحة (كوفيد - 19) الحالية». مشدداً على ضرورة «أن يتوقف هذا التصعيد الطائش كي يتسنى للسلطات الصحية، ووكالات الإعانة الاستجابة للجائحة، والاستمرار في الوصول إلى المحتاجين لمساعدة إنسانية عاجلة».
وفي جرد سابق للبعثة الأممية في بداية يناير الماضي، قالت إن ما يقارب نصف المرافق الصحية في بلديات أبو سليم، وعين زارة وتاجوراء بطرابلس، باتت تقع في نطاق الاشتباكات الحالية؛ ما تسبب في إجبار 12 منشأة صحية على الإغلاق، كما أصبحت أربعة مراكز أخرى للرعاية الصحية الأولية في بلدية عين زارة في المناطق المعرضة للخطر، على وشك الإغلاق. وقالت حينها، إن هناك أكثر من 6 آلاف من العاملين الطبيين وغير الطبيين يخاطرون بحياتهم لضمان توفير الخدمات الصحية في البلديات الثلاث، مشددة على أن استمرار العنف قد يؤدي إلى إيقاف ما لا يقل عن 72 ألف استشارة طبية على الأقل شهرياً في 48 منشأة للرعاية الصحية الأولية.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».