السودان: مخاوف انتشار «كورونا» لم تمنع احتفالات ذكرى «اعتصام القيادة»

TT

السودان: مخاوف انتشار «كورونا» لم تمنع احتفالات ذكرى «اعتصام القيادة»

نشر الجيش السوداني قواته ومدرعاته في محيط قيادته العامة، وسط العاصمة الخرطوم، وسدّ كل الطرق المؤدية إليها، تزامناً مع ذكرى مرور عام على الاعتصام الشهير (6 أبريل - نيسان 2019)، الذي أدى إلى إسقاط حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وذلك بعد ساعات من نفيه لأي عملية انقلابية، وعدم وجود أي قرائن لحدوث انقلاب وسط القوات المسلحة، لكن الطوارئ الصحية المفروضة على البلاد بسبب «كورونا» قلصت الاحتفالات الشعبية بذكرى الاعتصام. وصادف يوم أمس مرور عام على توافد ملايين السودانيين للاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، للمطالبة بعزل الرئيس عمر البشير، وإسقاط نظام الإسلاميين، مرددين هتافهم الشهير «تسقط بس». ودام الاعتصام 5 أيام، قررت بعدها قيادة الجيش تنحية البشير في 11 أبريل 2019، وتكوين مجلس عسكري انتقالي، برئاسة النائب الأول للبشير عوض بن عوف. بيد أن المعتصمين رفضوه، فاضطرت قيادة الجيش لتنحيته، وتكوين مجلس عسكري جديد، برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وحالت «حالة الطوارئ الصحية» وفرض حظر التجول لمواجهة جائحة «كورونا» دون تنظيم ملايين السودانيين لمهرجانات، يحتفون فيها بذكرى 6 أبريل، التي تمتد لأكثر من يوم بدء الاعتصام، إذ تشمل أيضاً ذكرى ثورة أبريل 1985، التي أسقط فيها السودانيين ديكتاتورية الرئيس الأسبق جعفر النميري بثورة شعبية مثيلة.
ودعت «لجنة العمل الميداني»، بتحالف «قوى إعلان الحرية التغيير»، في بيان، إلى اختصار فعاليات الاحتفال بالذكرى الأولى للاعتصام إلى «مهام فردية»، بدلاً عن المهام الجماعية، اتساقاً مع الأوضاع الصحية التي تواجه البلاد جراء فيروس «COVID - 19»، وفرض حالة الطوارئ الصحية، وإعلان حظر التجول. وقالت اللجنة، في بيان بالمناسبة: «نعتذر لجماهير شعبنا بمرور ذكرى عظيمة كهذه، دون وضع واجبات جماعية، نتشارك في تنفيذها». وعوضاً عن ذلك دعت إلى تنظيم فعاليات فردية، تستمر من يوم أمس حتى الحادي عشر من الشهر الحالي، ذكرى سقوط حكم البشير و«الإسلاميين».
وتتضمن الفعاليات ترديد الثوار لهتافات الثورة من أماكنهم، ورفع أعلام السودان على أسطح المنازل والسيارات والشوارع، وإضاءة فلاشات الهواتف في الساعة الثامنة مساء، وترديد النشيد الوطني، مع إضاءة الشموع ليلاً، والتقاط صور ونشر صور مواكب الثورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحثّ الناس على اتباع الإرشادات الصحية للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا. والتزم المواطنون بالتوجيهات التي حددتها لجان العمل الميداني، وانطلقت «الزغاريد» من داخل المنازل وسطوح المباني عند الساعة الواحدة بـ«توقيت الثورة»، وهو التوقيت الذي دأب «تجمع المهنيين السودانيين» على تحديده لبدء المواكب والمظاهرات منذ انطلاقها. وقالت الصحافية درة قمبو، على صفحتها في موقع التواصل «فيسبوك»، إنها وقفت في منتصف البيت، وهتفت «حرية سلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وتابعت موضحة: «تذكرت في تلك اللحظة الزغرودة التي أطلقتها الزميلة هدى عبد الله في نقطة تجمع الصحافيين، إيذاناً بانطلاق الموكب نحو القيادة العامة للجيش... لحظتها كان يكتب تاريخ جديد، بدأ في شوارع وأزقة الخرطوم شرقاً، ولم ينتهِ إلا كيفما أرادت أرواح الشهداء الكرام».
وأعادت الصحافية، شمايل النور، نشر صور جنود من الجيش، استشهدوا وهم يدافعون عن المحتجين، أو أحيلوا للتقاعد مبكراً. وقالت إلى جانب صورة النقيب حامد، الذي أصيب وهو يقف مدافعاً عن الشعب، وما زال يتلقى العلاج خارج البلاد: «النقيب حامد ملحمة لم تروَ بعد».
وكان النقيب حامد، أحد الضباط الذين تصدوا لقوات الأمن وكتائب «الإخوان»، التي حاولت فض الاعتصام، وكانت النتيجة أن تم اقتناصه من على البعد. وزيّنت النور صفحتها بصورة للملازم أول محمد صديق، أحد الضباط «الأصاغر»، الذين تمردوا على قيادتهم، وأعلنوا مبكراً الانحياز للثورة ضد التعليمات العسكرية. وواجه صديق المحاولات العنيفة، التي قامت بها كتائب ظل الإسلاميين لفض الاعتصام، وخرج في صباح 9 أبريل بـوسط المعتصمين، وقال قولته الشهيرة لضابطه الأعلى، وهو يأمره بالعودة إلى ثكنته من وسط المعتصمين: «مخالف للأوامر سعادتك»، وبقي بين المعتصمين هو والقوة التي يقودها، وهي عبارة عن عربة رباعية الدفع، كانت مسلحة برشاشة «دوشكا»، وعدد من الجنود. وبعد نجاح الثورة أثارت إحالة صديق للتقاعد موجة من السخط بين الثوار. وفي تغريدة على حسابه في موقع «تويتر»، قال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إن 6 أبريل «يعد معلماً هاماً في مسار التغيير بالبلاد»، وذكّر الناس بأن «الرحلة لا تزال طويلة، وعلينا أن نعمل سوياً بذات الروح، التي استطعنا من خلالها الإطاحة بـ30 عاماً من الاستبداد والقمع»، لإحداث التحول المنشود في جميع مناحي الحياة بالبلاد. من جهته، نشر الجيش السوداني دون إعلان قوات كبيرة خارج ثكناته، وأغلق الطرق الرئيسية، المؤدية إلى قيادته عند شارع الجيش وسط الخرطوم، دون أن يقدم تفسيراً للخطوة، فيما لوحظ انتشار لافت لقوات الشرطة في بعض الأماكن. ونقلت «الشرق الأوسط» السبت أن مجموعات من «الإسلاميين» الموالين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، كانوا يتحركون لتدبير «انقلاب عسكري» يعيدهم للسلطة مرة أخرى، بالتزامن مع ذكرى الاعتصام، وأن السلطات قررت اتخاذ إجراءات احتياطية لمواجهة الاحتمالات كافة، بما في ذلك الدعوة لحملة اعتقالات لرموز النظام المعزول، وتشديد الحراسات على بعض المواقع والأشخاص.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».