صورة الطبيب في الأدب

كثير من كبار الأدباء أطباء... بينهم تشيخوف وشنيتسلر وسيلين وعبد السلام العجيلي

ملك فارس كما يبدو في إحدى قصص ألف ليلة وليلة  -  يوسف إدريس  -  فرديناند سيلين  -  عبد السلام العجيلي  -  أنطون تشيخوف
ملك فارس كما يبدو في إحدى قصص ألف ليلة وليلة - يوسف إدريس - فرديناند سيلين - عبد السلام العجيلي - أنطون تشيخوف
TT

صورة الطبيب في الأدب

ملك فارس كما يبدو في إحدى قصص ألف ليلة وليلة  -  يوسف إدريس  -  فرديناند سيلين  -  عبد السلام العجيلي  -  أنطون تشيخوف
ملك فارس كما يبدو في إحدى قصص ألف ليلة وليلة - يوسف إدريس - فرديناند سيلين - عبد السلام العجيلي - أنطون تشيخوف

للطبيب مكانة شبه مقدسة في مخيلة الإنسانية، بصفته سلطة المعرفة والأخلاق. لا تختلف هذه الصورة في الإبداع المكتوب عنها في الإبداع الشعبي الشفاهي، وتتعاظم في أوقات الأوبئة التي يتحلى فيها الأطباء بشجاعة المحاربين القدماء في عصور القتال المتلاحم.
وفي حين يُدفع الجنود إلى الحرب بقرار قد يتخذه رجل واحد، ويلقون حتفهم دفاعاً عن قضايا قد لا تكون قضاياهم، يذهب الأطباء ومساعدوهم إلى المستشفيات بمحض إرادتهم هذه الأيام، وهم يعرفون أن احتمالات موتهم قائمة بالوباء العالمي، حتى أطباء العراق الذين بدوا في مستشفيات خربة دون وسائل حماية لا يتأخرون عن واجبهم، مقدمين مثالاً لقيمة الفداء التي يختارونها كل يوم بحرية وهم يدافعون عن الإنسانية في قضية عادلة لا يشوبها أي لبس.
يواصل الوباء إيقاع الضحايا في صفوف الطواقم الطبية، من الصين إلى إيطاليا التي منيت بأكبر خسارة في صفوف الأطباء والممرضين. وبدا العالم وكأنه يتذكر أهمية هذه المهنة التي يرزح أبطالها في البلاد الفقيرة تحت ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة. عاد الطبيب، ولو على المستوى المادي فحسب، إلى صدارة المشهد بعد أن تقهقر مع كثير من المهن العلمية والفكرية عن مشهد تصدرته مهن تكنولوجيا الاتصالات والصيارفة والمضاربين في البورصة وسماسرة العقارات.
صورة ترمب واقفاً وراء أنتوني فوسي، خبير المناعة والأمراض المعدية، يتحدث للأميركيين عن خطورة وباء كورونا بحقائق تنافي استهانة ترمب بالوباء، بثت رسالة تطمين للأميركيين: لقد بدأ الرئيس يتعقل، ويترك الإفتاء في الطب لأهله؛ تمثل الصورة انتصاراً للعلم على غطرسة السلطة الجامحة.
الخبر الأول في نشرات الأخبار محجوز لصناع الحياة من الأطباء المعالجين في المستشفيات والباحثين في المعامل، وقد كان حكراً على صُناع الموت قبل هذه الجائحة العالمية؛ ارتفع صوت الحكمة وخفت صوت الجنون، ولو إلى حين.
نشأ الطب بصفته فرعاً من فروع الحكمة والفلسفة، مثلما نشأت الرياضيات. وفي حين انفصلت المعرفة الرياضية في الوعي العام عن أصلها الفلسفي، ظل الطب مرتبطاً مع الفلسفة بحبل سُري، واحتفظ الطبيب بلقب حكيم في كثير من المجتمعات حتى وقت قريب، مثلما يبدو ارتباط الطب بالإبداع الأدبي والكتابة إلى اليوم ظاهرة تستحق التأمل. كثير من كبار الأدباء في العالم أطباء، وبعضهم يستمر في مزاولة الطب مع الكتابة، ومن بينهم أنطون تشيخوف، أحد أهم أعمدة الأدب الروسي، وآرتور شنيتسلر الألماني، وفرديناند سيلين الفرنسي، والاسكوتلندي آرثر كونان دويل صاحب شرلوك هولمز، والسوري عبد السلام العجيلي، الحكيم الذي افتقدت مدينة الرقة الحكمة من بعده.
رأيت بعيني حجم الحب الذي تكنه الرقة لحكيمها، ولا شك أن منزلته الرفيعة تنبع من هذه المهنة الجليلة، وقد رأيت مكانة مماثلة لحكماء في الريف المصري، حيث ولدت. كانت كلمة الطبيب نافذة في المجتمع لا ترد، وكان الأطباء يمارسون أدواراً في تحديث القرى، وفي الصلح بين الناس. المرأة التي غادرت بيت زوجها، ولم تستجب لكل الوسطاء، لا تستطيع أن ترد الحكيم إذا ما طرق بيت أهلها.
العجيلي كان استثناء لأنه صنع هذه المكانة في مسقط رأسه، بينما كان الحكماء الذين عرفتهم في صباي يأتون من بعيد، فالحكمة والقداسة لا تُصنع إلا في المعامل البعيدة. ومع انتشار التعليم، وزيادة عدد الأطباء من أبناء القرى الذين يعملون في قراهم، بدأ لقب الحكيم في الانحسار. أصبح الطبيب ابنهم الذي رأوه يكبر أمام أعينهم، بكل ما في طفولته ومراهقته من رعونة، وأصبح يتعلم الطب في محافظته؛ أي أنه لم يغب عن أعينهم حتى في سنوات الدراسة، كما كان جيل العجيلي يغيبون في العواصم أو يسافرون للخارج.
في «ألف ليلة وليلة» عجز أطباء مملكة فارس عن شفاء مليكها من البرص، وجاء الحكيم دوبان ليشفيه. وتخبرنا القصة شيئاً إضافياً: إن سلطة الحكيم يمكن أن تتغلب على سلطة الحاكم، ويستطيع الحكيم أن يمارس سلطته وينتصر حتى بعد الموت!
كان العلاج بسيطاً: أشبع الحكيم دوبان الصولجان بالأدوية، وطلب من الملك أن يقبض عليه، ويضرب به الكرة حتى تعرق، وسرى الدواء في جسمه. وهكذا، شفي الملك، واتخذ من الحكيم نديماً، الأمر الذي أثار غيرة الحاشية، فوسوس أحد الوزراء للملك: «أما ترى أنه أبراك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك؟ فكيف تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضاً؟!». اقتنع الملك بأن الحكمة تقتضي التخلص من الحكيم بالفعل، وأرسل في طلبه، فمثل بين يديه. ولما لم تجد توسلاته، استمهل الملك حتى يعود إلى داره، يوصي أهله وأصحابه بدفنه، ويهديهم كتبه، ويحمل إليه كتاباً هو خاص الخاص. وأخذ يشرح له مزايا الكتاب العجيب الذي سيمكنه من مواصلة استشارة صاحبه بعد الموت: «فيه شيء لا يُحصى، وأقل ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعت رأسي، وفتحته وعددت ثلاث ورقات، ثم قرأت ثلاثة أسطر من الصفحة التي على يسارك، فإن الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما سألتها عنه».
يحذرنا الأطباء اليوم من خطورة اقتراب اليد من الفم بعد لمس أي شيء لا نعرفه، لكن الملك يونان لم يجد من يحذره، وأخذ يبلل أصبعه من لعابه ليُقلِّب صفحات الكتاب المسموم، فمات!
سلطة الطبيب الخيِّرة يعالجها الكاتب السويدي بير أولوف إينكويست في روايته «زيارة طبيب صاحب الجلالة» التي ترجمتها للعربية سوسن كردوش قسيس، ونشرتها «دار المنى» عام 2015. تحكي قصة أول حركة تنوير تبنتها السلطة خلال حكم الملك كرستيان السابع (1768-1772)، وكان شاباً بسيطاً مضطرب العقل، استطاع الطبيب الألماني التنويري يوهان فريدريخ سترونزي أن يكسب ثقته، وبات يصدر مراسيم تقدمية مهمة يضع الملك توقيعه عليها دون أن يقرأها، لكن الطبيب وقع في غلطة خلط العواطف بالسياسة. أقام علاقة مع الملكة، واستطاعت الحاشية أن تصطاده من هذا الخطأ، وتعدمه وتستعيد سيطرتها.
للطبيب صورة الملاك، لكنه قد يكون شريراً أيضاً، خاصة أن كلمة حكيم الفضفاضة تتسع لدجال مثل راسبوتين حمل لقب «معالج روحي»، دون أن يكون ضعيفاً أو منكسراً. لكن يوسف إدريس الطبيب أباح لنفسه أن يُصوِّر انكسار طبيب من أصل ريفي أمام زوجة قاهرية من أصل برجوازي في واحدة من أكثر قصصه رهافة «لغة الآي آي»، حيث يأتيه مريض ريفي كان صديقه في المدرسة، ولا يجد بداً من استضافته في بيته من أجل استئناف فحوصه في الصباح، حيث أمضى الليل إلى جوار صديقه القديم يحاول أن يكتم تأوهات وجعه خوفاً من الزوجة الساخطة المتسلطة.
والآن، تتطلع البشرية إلى الحكيم مكشوفة العصب، لعله يعلن الخبر السعيد: «خلصت أيامه»؛ أيام الوباء طبعاً.



انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.