تقنية مطوّرة لرصد الغازات الضارة بدقة عالية

علماء «كاوست» يصممون أجهزة استشعار لحماية العاملين في الأماكن المغلقة

تستخدم الأقطاب لجمع خصائص الأُطُر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور
تستخدم الأقطاب لجمع خصائص الأُطُر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور
TT

تقنية مطوّرة لرصد الغازات الضارة بدقة عالية

تستخدم الأقطاب لجمع خصائص الأُطُر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور
تستخدم الأقطاب لجمع خصائص الأُطُر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور

يحتاج العاملون في الأماكن المُغلقة الصغيرة، بدايةً من رواد الفضاء وأفراد أطقم الغواصات وانتهاءً بعُمال المناجم وعمال الإنقاذ، إلى جودة هواء عالية للعمل بأمان وفاعلية. ولتوفير هذه البيئة استطاع فريق من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) تطوير أجهزة استشعار إلكترونية ترصد في آن واحد ثلاثة عوامل محورية على الأقل بالغة الأهمية لمراقبة راحة الإنسان وسلامته وضمانهما.
تستغل أجهزة الاستشعار المطورة هذه، الأُطُر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور كطبقة مُستشعرة. وهذه الأطر هي مواد مسامية تشمل مصفوفة منتظمة من ذرات معدنية تترابط ترابطا وثيقا بواسطة روابط جزيئية عضوية صغيرة بحيث تُشَكِّل بنية تشبه القفص. ويوضح البروفيسور محمد الداودي، أستاذ علوم الكيمياء ومدير عام مركز أبحاث الأغشية والمواد المسامية المتقدمة في كاوست، الذي قاد دراستين لفعالية المستشعر، أنه بتعديل المكونات المعدنية والعضوية، يمكن ضبط الأُطر المعدنية العضوية بحيث تلائم تطبيقات تتراوح من فصل الغازات وتخزينها إلى التحفيز والاستشعار.
وبحسب كل من الدكتور محمد راشد تشالالا والدكتور يوسف بلمبخوت والدكتور براشانت بهات، وجميعهم من مختبر البروفيسور الداودي، فإن كل المحاولات السابقة التي قام بها كثيرون لتطوير مستشعرات ثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد الكربون والماء، لم تنجح.
وقد انطوى النهج الذي اتبعته مجموعة الداودي على تطوير إطار معدني عضوي مُعالَج بالفلور، اختبره بلمبخوت وتشالالا كمواد استشعار لتلك الغازات. وتم اختبار هذه المواد الحديثة بالتعاون مع البروفيسور خالد نبيل سلامة، أستاذ, الهندسة الكهربائية وفريقه في كاوست.
وتبين الدراسة الأولى كيف أن المستشعر بوسعه قياس تركيز ثاني أكسيد الكربون ومستوى الرطوبة في الهواء، بينما تبين الدراسة الثانية التي أُجريت على الأُطر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور نفسها أن بوسع المستشعر أن يرصد غاز ثاني أكسيد الكبريت الضار المُسبب للتآكل، بل و إزالته بشكل انتقائي من غاز مداخن محطات توليد الكهرباء.
يقول الدكتور بلمبخوت والدكتور بهات: «ثمة آثار لغاز ثاني أكسيد الكبريت موجودة دائمًا في غاز المداخن الذي تنتجه المصانع ومحطات توليد الكهرباء، ومن الممكن أن يسمِّم هذا الغاز المواد المُطوَّرة لحصر ثاني أكسيد الكربون لأغراض احتجاز الكربون وتخزينه. وتستطيع مادة AlFFIVE-1-Ni امتصاص ثاني أكسيد الكبريت بمعدل انجذاب أعلى بـ66 مرة من امتصاصها لثاني أكسيد الكربون، في الوقت الذي أبدت فيه استقرارًا جيدًا عند تعرضها لثاني أكسيد الكبريت».
ومن الممكن أيضًا استخدام الأُطر المعدنية العضوية المُعالجة بالفلور مع منصتيْ استشعار بسيطتيْن عاليتيْ الحساسية ومنخفضتيْ التكلفة، حيث رصدت مستشعرات ميزان الكوارتز الكريستالي (ميزان كتلة فائق الحساسية يقيس مستويات التغير على مستوى النانوغرام والميكروغرام في الكتلة لكل وحدة مساحة) المُغلفة بغشاء رقيق بأي من نوعيْ الإطار المعدني العضوي المُعالَج بالفلور تغيُّرًا في الكتلة بالتزامن مع امتصاص ثاني أكسيد الكبريت أو الماء وثاني أكسيد الكربون. وبالمثل، فإن المستشعرات المتداخلة للأقطاب المُغطاة بالإطار المعدني العضوي المُعالج بالفلور، رصدت تغيرًا في الخصائص الإلكترونية مع امتصاص الماء وثاني أكسيد الكربون. وأثبت فريق العمل أن كلتا المنصتيْن يمكن أن تراقبا مستويات الرطوبة وثاني أكسيد الكربون في الأحوال الجوية الحقيقية. ويشرح الدكتور تشالالا الأمر قائلاً: «تتم مُعايرة الإشارة مُقابل تركيز ثاني أكسيد الكربون ومستوى الرطوبة ومزيج من الاثنين معًا». وبوسع مستشعر ميزان الكوارتز الكريستالي الكشف عن ثاني أكسيد الكبريت في الهواء عند مستويات مقدارها 25 جزءا من المليون فقط لا غير.
إن التقنية التي تم تطويرها في مركز الأغشية والمواد المساميَّة المتقدِّمة قادرة على رصد العديد من الغازات بدرجة عالية من الانتقاء والحساسية، حيث حصلت مؤخرا على براءة اختراع أميركية.



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»