وفاة أول سياسي تونسي بفيروس «كورونا»

عروسان تونسيان يتجولان في شوارع سيدي بوزيد الخالية بعدما تغيّب أهلهما عن الزواج احتراماً للتدابير الوقائية (أ.ف.ب)
عروسان تونسيان يتجولان في شوارع سيدي بوزيد الخالية بعدما تغيّب أهلهما عن الزواج احتراماً للتدابير الوقائية (أ.ف.ب)
TT

وفاة أول سياسي تونسي بفيروس «كورونا»

عروسان تونسيان يتجولان في شوارع سيدي بوزيد الخالية بعدما تغيّب أهلهما عن الزواج احتراماً للتدابير الوقائية (أ.ف.ب)
عروسان تونسيان يتجولان في شوارع سيدي بوزيد الخالية بعدما تغيّب أهلهما عن الزواج احتراماً للتدابير الوقائية (أ.ف.ب)

تسابق حكومة إلياس الفخفاخ الزمن من أجل إيصال المساعدات الاجتماعية إلى العائلات التونسية الفقيرة المنتشرة في الأحياء الشعبية، سعياً منها إلى منع انفلات اجتماعي بدأت تظهر بوادره الأولى من خلال الاحتجاجات الليلية التي قادها متضررون من الوباء في عدد من الأحياء الشعبية، على غرار «دوار هيشر»، وحي التضامن والجبل الأحمر (ضواحي العاصمة التونسية)، وعدم احترام قرارات الحجر الصحي في أحياء سكنية مكتظة في منطقة أريانة القريبة من العاصمة.
وتنتظر آلاف العائلات المتضررة من حظر التجوال، ومن توقف أنشطتها الاقتصادية وضياع موارد رزقها، الحصول على مساعدات حكومية لتجاوز الأزمة. وتدرك الحكومة مدى أهمية هذه المساعدات في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ومن ثم النجاح في احتواء الوباء والانتصار عليه.
وخصص إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسية، الجزء الأكبر من أنشطة وزراء الصحة والشؤون الاجتماعية والتنمية المحلية للتأكيد على حسن تزويد الأسواق بالمنتجات الأساسية، وتوفير المساعدات إلى المناطق المكتظة بالسكان والجهات الريفية النائية، في ظل إقرار الحجر الصحي العام، وحظر التجوال من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً.
كان لطفي زيتون، وزير الشؤون المحلية والبيئة، قد أكد في تصريح إعلامي سابق أن «الاحتجاجات الليلية تمثل ردود فعل شعبية في كل دول العالم، وهي رد فعل أشخاص يشعرون بالخوف من تزايد أخبار الموت بفيروس (كورونا) وارتفاع عدد الإصابات».
وفي مدينة أريانة، فرّقت وحدات الأمن والجيش، خلال الأسبوع الماضي، أعداداً كبيرة من التونسيين الذين تجمعوا بمحيط السوق البلدية لاقتناء حاجياتهم من المواد الغذائية والأدوية بوجود كثير من محلات بيع الدواجن واللحوم الحمراء والتوابل والخضراوات والغلال، إلى جانب الصيدلية، وجميعها محاذية للسوق البلدية.
أما منطقة دوار هيشر (شمال غربي العاصمة التونسية)، فشهدت معارك ليلية بين حيين شعبيين، لليلة الثانية على التوالي، وأفاد شهود عيان بأن قوات الجيش والأمن أطلقت خلال الليلة قبل الماضية أعيرة نارية في الهواء لتفريق المشاركين في تلك المواجهات التي لم تتضح أسبابها الحقيقية بعد.
ومن ناحيته، نفى فتحي العيوني، رئيس بلدية الكرم (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية)، خبر وجود مظاهرات ليلية بالجهة، مؤكداً أن ما حصل كان خروج مجموعة من الأطفال من حي شعبي في حركة عفوية لا مسؤولة، على حد قوله، مؤكداً أنها تخطت وقت الحجر الصحي، ولا يوجد وراء هذه الحركة أي خلفية سياسية.
وفي هذا الشأن، دعت عبير موسي، رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر المعارض، الحكومة لاعتماد خريطة توزيع المياه والكهرباء نفسها في تونس لإيصال المساعدات الاجتماعية إلى أصحابها، لـ«تجنب الاكتظاظ الذي ينذر بالكارثة». كما نبّهت رؤساء البلديات التونسية إلى ضرورة نبذ الصراعات السياسية التي لا طائل من ورائها في الظرف الحالي، قائلة إن حزبها معارض جدي للحكومة، غير أنه من أكثر الأحزاب مرونة لتمكين الحكومة من تفويض لإصدار المراسيم الاستثنائية، وذلك من منطلق المصلحة الوطنية، وفي محاولة جماعية لتجاوز الأزمة.
وفي السياق ذاته، أكد حسونة الناصفي، النائب عن كتلة الإصلاح الوطني المشاركة في الحكومة، أن الإجراءات الاجتماعية التي اتخذتها الحكومة «مطمئنة»، غير أن تنفيذها شابه الارتباك بسبب سوء التنسيق مع السلطات الجهوية التي لها من التجربة ما يسمح لها بتسيير المساعدات في أفضل الظروف الممكنة.
ومن ناحية أخرى، سجل حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري المعارض وفاة أول سياسي تونسي إثر إصابته بفيروس «كورونا». وقال لطفي المرايحي، رئيس الحزب، إنّ كمال السعيدي كان أحد أبرز الفاعلين في الحزب بولاية (محافظة) سوسة (وسط شرقي تونس)، وإنه تأكدت وفاته من الفيروس بمستشفى فرحات حشاد بسوسة، حيث كان يتلقى الرعاية الصحية.
وكان المرايحي قد اتُّهم من قبل عدد من الإعلاميين التونسيين بإخفاء إصابته بفيروس «كورونا»، وعقد مؤتمراً للحزب في السابع من الشهر الماضي، وتعامل مع الإعلام دون وقاية رغم علمه بالإصابة، إلى جانب قيادات سياسية من الحزب نفسه.


مقالات ذات صلة

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل في المكسيك يتلقى جرعة من لقاح الحصبة (رويترز)

لقاحات شائعة تمنع الأمراض المزمنة وبعض أنواع السرطان... تعرّف عليها

لا تقتصر فوائد اللقاحات على حمايتك من أمراض معدية محددة أو تخفيف حدة الأعراض عند الإصابة بالمرض، بل يمكنها أيضاً الوقاية من الأمراض المزمنة الشائعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شخص يجهز جرعة من لقاح «كوفيد-19» (رويترز)

تقرير: «الغذاء والدواء» الأميركية تربط وفاة 10 أطفال بلقاحات «كوفيد»

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس (الجمعة) أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية ذكرت في مذكرة داخلية أن 10 أطفال على الأقل لقوا حتفهم على «بسبب» لقاحات «كوفيد-19».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
TT

في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)

في إنجاز ثقافي يُعد من أبرز المكاسب الرمزية لليمن في السنوات الأخيرة، أدرجت لجنة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في دورتها العشرين المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي، ملف «جلسة الدان الحضرمي» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، بعد جهود استمرت سنواتٍ من العمل المؤسسي والفني المتواصل.

ويُعد هذا الإدراج اعترافاً دولياً مستحقاً بأحد أهم الفنون التقليدية في محافظة حضرموت، شرق اليمن، لما يحمله «الدان الحضرمي» من قيمة تاريخية وثقافية وجمالية، بوصفه فناً يجمع بين الشعر والموسيقى والغناء، ويعكس في طقوسه ومضامينه أنماط العيش والعلاقات الاجتماعية والذاكرة الجمعية للحضارم عبر قرون طويلة.

وثمّن مندوب اليمن الدائم لدى اليونسكو، محمد جميح، قرار اللجنة، مشيراً إلى أن «(الدان الحضرمي) يستحق عن جدارة هذا الإدراج»، مؤكداً أن الوصول إلى هذه النتيجة جاء ثمرةً لعمل دؤوب استمر لسنوات، منذ أن كانت الفكرة مشروعاً ثقافياً، وصولاً إلى اعتمادها اليوم تراثاً إنسانياً عالمياً.

محمد جميح مندوب اليمن لدى اليونسكو (سبأ)

وعبّر جميح عن شكره لوزارة الثقافة وطاقمها، واللجنة الوطنية لليونسكو، ومؤسسة حضرموت للثقافة التي تولت إعداد وتمويل ملف الترشيح، إضافة إلى لجنة التراث الثقافي غير المادي وخبراء التقييم وسكرتارية اللجنة، ورئيسها السفير الهندي لدى اليونسكو فيشال شارما.

وتسلمت الجمهورية اليمنية شهادة إدراج الملف رسمياً من المدير العام المساعد لليونسكو لقطاع الثقافة، أرنستو راميريز، في مقر انعقاد اللجنة بنيودلهي، في لحظة عكست حضور اليمن الثقافي رغم ظروف الحرب والتحديات السياسية والإنسانية.

إشادة حكومية

أكد معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، أن هذا الإنجاز يمثل «اعترافاً دولياً مستحقاً بأحد أهم التجليات الإبداعية في حضرموت واليمن عموماً»، معتبراً أن «الدان الحضرمي» يجسد عمق الهوية الثقافية اليمنية التي حافظت عليها الأجيال المتعاقبة، رغم التحولات القاسية التي شهدها البلد.

وأشار الإرياني إلى أن هذا الاعتراف العالمي يعكس تقديراً للفن الحضرمي الأصيل الذي يختزن في تفاصيله الذاكرة الجمعية وروح المكان، وهو ثمرة جهد وطني مشترك شاركت فيه وزارة الثقافة ومؤسسة حضرموت للثقافة، إلى جانب الدور البارز الذي اضطلع به السفير محمد جميح في متابعة الملف داخل أروقة اليونسكو.

ويمثل «الدان الحضرمي» أكثر من مجرد لون غنائي تقليدي؛ فهو ممارسة ثقافية متكاملة ترتبط بالمجتمع والبيئة والتاريخ، وتُؤدى في جلسات جماعية تتناوب فيها الأصوات على إلقاء الشعر وإنشاد الألحان، في تعبير حي عن التفاعل الاجتماعي والوجدان الجمعي.

وأكدت مؤسسة حضرموت للثقافة أن إدراج هذا الفن في القائمة التمثيلية لليونسكو يعكس قيمته في حفظ الذاكرة الثقافية للحضارم، ويؤكد دوره في نقل التراث الشفهي من جيل إلى آخر.

وأوضحت المؤسسة أنها عملت على إعداد ملف الترشيح بالتعاون مع مجموعات من الممارسين لهذا الفن، وبشراكة فاعلة مع وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، وبدعم فني من مكتب اليونسكو الإقليمي لدول الخليج واليمن، الذي كان له دور محوري في إبراز تميز الملف واستيفائه للمعايير الدولية.

بعد تاريخي

أشار وزير الثقافة اليمني السابق ومستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي للشؤون الثقافية، مروان دماج، إلى البعد التاريخي العميق لـ«الدان الحضرمي»، معتبراً أن هذا الفن العتيق الممتد من جذور التاريخ أصبح اليوم جزءاً من الذاكرة الإنسانية جمعاء.

وذهب دماج إلى أن العرب عرفوا الغناء «داناً» منذ أكثر من ألفي عام، وأن الدان يمكن اعتباره من أقدم أشكال الأغنية العربية، مستحضراً ارتباطه بالشعر العربي القديم وأسواقه التاريخية في وادي حضرموت.

وتتجاوز أهمية إدراج «الدان الحضرمي» البعد الثقافي البحت، لتأخذ دلالات وطنية وإنسانية أوسع، في ظل ما يتعرض له التراث اليمني من مخاطر الطمس والتشويه بسبب الحرب والانقسام والإهمال. ويؤكد هذا الإنجاز أن اليمن رغم الدمار والمعاناة لا يزال حاضراً في خريطة الثقافة العالمية، بقيمه الإبداعية وإسهاماته الحضارية.

كما يمثل الإدراج خطوةً مهمةً في مسار صون التراث غير المادي، ويوفر مظلة حماية دولية لهذا الفن، ويعزز فرص توثيقه ونقله للأجيال المقبلة، باعتباره جزءاً أصيلاً من الهوية اليمنية وقوة ناعمة يمكن أن تسهم في تحسين صورة اليمن وتعزيز حضوره عربياً ودولياً.

وفي المحصلة، يشكل الاعتراف الأممي بـ«جلسة الدان الحضرمي» رسالةً واضحةً بأن الثقافة قادرة على تجاوز الحروب، وأن الذاكرة الإنسانية أوسع من حدود الصراعات، لتحتفي بالفنون التي تعبر عن روح الشعوب وعمق تاريخها، كما هي حال حضرموت في شرق اليمن.


غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
TT

غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)

وصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بغداد، اليوم (السبت)؛ للمشاركة في الاحتفالية الكبرى التي ستنظِّمها الحكومة العراقية بمناسبة انتهاء مهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ومغادرتها البلاد في 31 من الشهر الحالي.

وأكد غوتيريش، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أنه يقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر، وأشار إلى أنه شهد «شجاعة العراق وثباته وإصراره في التغلب على الإرهاب والتدخل الخارجي والطائفية».

وأضاف غوتيريش، وفقاً لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن «بعثة (يونامي) في العراق ساعدت على إعادة البناء بعد عقود من الحرب، وكان هدفنا دعم العراق في جهوده لإعادة الاستقرار»، لافتاً النظر إلى أنه «مع إغلاق البعثة ستظل هناك وكالات للتنمية الحيوية والبشرية، ونقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يستقبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (مكتب رئيس وزراء العراق)

وبارك غوتيريش للعراق «النجاح في إقامة الانتخابات الأخيرة»، معرباً عن أمله «في إعادة الحكومة العراقية بناء الثقة والاستقرار في البلاد».

من جانبه، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن انتهاء مهام بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) لا يعني نهاية الشراكة مع الأمم المتحدة.

وأوضح السوداني، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، أن «الحكومة نجحت في ترسيخ دعائم الديمقراطية عبر إجراء الانتخابات»، مبيناً أن «العراق انتقل من جهود الأزمات إلى الاعتماد على جهوده الذاتية».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (مكتب رئيس وزراء العراق)

وتابع: «حققنا الأمن والاستقرار وكثيراً من الإنجازات الوطنية رغم التحديات، ونتطلع إلى إقامة علاقات مع الأمم المتحدة تقوم على أسس الشراكة».

وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة «يونامي» محمد الحسان، في تصريحات صحافية، أن مهمة البعثة أُنجزت بنجاح، وأن مغادرتها جاءت بناء على طلب عراقي، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال الحسان إن «بعثة (يونامي) جاءت إلى العراق بطلب من العراقيين، وإنهاء عملها جاء أيضاً بطلب منهم»، مؤكداً أن «الأمم المتحدة تحترم رغبات الدول التي تستضيف بعثاتها، ولا يمكن أن تعمل أي بعثة دون موافقة الدولة المستضيفة، واستعدادها للتعاون».

وأضاف أن «العراقيين استضافوا البعثة لأكثر من عقدين، وكان العمل شاقاً، إلا أنهم وجدوا أن المهمة الموكلة إلى (يونامي) حقَّقت أهدافها، وحان الوقت ليأخذوا الأمور بأيديهم مثلهم مثل بقية دول العالم».

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة «يونامي» محمد الحسان (الأمم المتحدة)

وأوضح الحسان أن «مهمة البعثة أُنجزت بنجاح، ولم يتبقَّ سوى 3 ملفات، تتعلق بالمفقودين من دولة الكويت، ورعايا الدول الثالثة منذ فترة الحرب وغزو الكويت، إضافة إلى ملف ممتلكات الكويتيين والأرشيف الوطني الكويتي».

وذكر أن «هذا لا يعني انتهاء وجود الأمم المتحدة في العراق؛ إذ ستبقى من خلال الوكالات المتخصصة، إضافة إلى التواصل بين العراق بصفته عضواً في مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان».

وأُسست بعثة الأمم المتحدة للدعم في العراق، وهي بعثة سياسية، عام 2003. وفي الـ31 من مايو (أيار) صوَّت مجلس الأمن بالإجماع على قرار تمديد ولاية البعثة لمرة أخيرة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2025 بناءً على طلب رسمي من الحكومة العراقية.


تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.