«عاصفة السيتوكين»... كيف يقتل النشاط المناعي المفرط ضحايا «كورونا»؟

طاقم طبي فرنسي يقوم بنقل مريض مصاب بـ«كورونا» (أ.ف.ب)
طاقم طبي فرنسي يقوم بنقل مريض مصاب بـ«كورونا» (أ.ف.ب)
TT

«عاصفة السيتوكين»... كيف يقتل النشاط المناعي المفرط ضحايا «كورونا»؟

طاقم طبي فرنسي يقوم بنقل مريض مصاب بـ«كورونا» (أ.ف.ب)
طاقم طبي فرنسي يقوم بنقل مريض مصاب بـ«كورونا» (أ.ف.ب)

تؤدي «عاصفة السيتوكين»، وهي رد مناعي مفرط يؤدي إلى اعتداء شرس للخلايا على الرئتين، على ما يبدو دوراً أساسياً في حالات الإصابة الخطرة بمرض «كوفيد-19»، ويقف الطب أمامها عاجزاً نسبياً.
ويسبب فيروس «كورونا» المستجد، في 80 في المائة من الحالات، أعراضاً «طفيفة أو معتدلة» من حمى ووهن وسعال جاف، لكن يضاف إلى ذلك أحياناً ضيق في التنفس يمكن أن يؤدي إلى متلازمة الضيق التنفسي الحاد. وهذه حالة 20 في المائة من المصابين تقريباً، ما يتطلب إدخالهم إلى المستشفى ليأملوا بالشفاء، على ما تفيد به منظمة الصحة العالمية.
وتشكل صعوبات التنفس أو الشعور بضغط كبير على الرئتين، أو إزرقاق الشفتين والوجه، مؤشرات يجب أن تدفع إلى استشارة طبية عاجلة، على ما تؤكده المراكز الأميركية للإشراف على الأمراض والوقاية منها.
ويعاني غالبية المرضى الذين يدخلون المستشفى التهاباً رئوياً حاداً في الجهتين، وهو مؤشر إلى إصابتهم بالشكل الخطر من مرض «كوفيد-19»، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وغالباً ما يحصل التدهور فجأة، بحدود اليوم السابع على بداية الأعراض، على ما يقوله يزدان يزدانباه، مسؤول قسم الأمراض المعدية في مستشفى بيشا في باريس، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
ويلف الغموض هذا التوقيت، مع تفاوت كبير أحياناً، لكنه يفضي بانتظام إلى «متلازمة الضائقة التنفسية الحادة». ويؤدي ذلك إلى توقف الرئتين عن توفير الأكسجين الكافي إلى الأعضاء الحيوية في الجسم، فيتطلب الأمر وصل المريض إلى جهاز تنفس صناعي.
وكتبت الخبيرة في الالتهابات في جامعة «يونيفرسيتي كوليدج هوسبيتال» في لندن، جيسيكا مانسون، مع زملاء بريطانيين، في مجلة «ذي لانسيت» العلمية: «تكثر الأدلة على أن قسماً من المرضى الذين يعانون من أشكال حادة من (كوفيد-19) يصابون بعاصفة سيتوكين».
ورُصدت هذه الظاهرة منذ 20 عاماً تقريباً فقط، وعدت مسؤولة عن خطورة مرضين تنفسيين آخرين ناجمين عن فيروسات كورونا، هما «سارس» (774 حالة وفاة، غالبيتها في آسيا، في 2002-2003)، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) (866 حالة وفاة منذ عام 2012).
ويُشتبه بأن هذه الظاهرة كانت وراء جائحات إنفلونزا سابقة، مثل «الإنفلونزا الإسبانية» التي حصدت نحو 50 مليون ضحية في 1918-1919.
والسيتوكين مادة تفزرها خلايا الجهاز المناعي طبيعياً لتنظيم النشاط المناعي، والتفاعل مع الالتهابات، وهي رد دفاعي طبيعي عندما يتعرض الجسم لهجوم. لكن في حالة «عاصفة السيتوكين»، يسجل نشاط مفرط للنظام المناعي، ما قد يؤدي إلى الوفاة.
ما دور هذه «العواصف» في الإصابات الحادة لـ«كوفيد-19»؟
يقول الخبير الأميركي في البيولوجيا المجهرية وعلم المناعة، ستانلي بيرلمان، الذي درس هذه الظاهرة مع مرضي «سارس» و«ميرس»: «هذا سؤال ممتاز... أظن أن الرد المناعي الجامح هو الذي يقتل فعلاً المرضى (المصابين بكوفيد-19)، من خلال القضاء على الأنسجة... لكن هذا غير مؤكد».
وينبغي تهدئة العاصفة عند مستوى الرئتين، من دون خفض الحواجز المناعية للمرضى. وحتى الآن، لا يملك الطب خريطة طريق واضحة في هذا المجال، وتجرى تجارب على عجل في وقت يتسع فيه نطاق الجائحة.
فعلى سبيل المثال، باشرت المجموعة الاستشفائية العامة في باريس (AP-HP) في الأيام الأخيرة تجربة لاختبار عقاقير عدة في مواجهة هذا النشاط المناعي المفرط.
وقال بيرلمان، وهو خبير في جامعة أيوا الأميركية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «حتى الآن، لا يوجد نهج علاجي فعال مثبت لهذه الظاهرة»، مشدداً على أن وصف الكورتيكوستيرويد، وهي مضادات التهاب شائعة الاستخدام، سيكون «ضاراً بالتأكيد» على مرضى «كوفيد-19».


مقالات ذات صلة

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

يوميات الشرق سرطان الكبد من بين السرطانات الأكثر شيوعاً في العالم (جامعة ييل)

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

حذّرت دراسة أميركية من أن الإفراط في تناول الدهون والسكريات يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، وذلك من خلال تدمير الحمض النووي في خلايا الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شاي الكركديه يحتوي على نسبة عالية من مادة «البوليفينول» (غيتي)

مواد طبيعية قد تمنحك خصراً نحيفاً وقلباً صحياً وضغط دم منخفضاً

ثمة كلمة جديدة رائجة في مجال الصحة هي «البوليفينولات»، فبينما ظل العلماء يدرسون المركبات النباتية لسنوات، فقد جذب المصطلح الآن خيال الجمهور لسبب وجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

مع بداية العام الجديد، انتشر تحدٍّ جديد عبر تطبيق «تيك توك» باسم «هارد 75».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ليست جميع المشروبات قادرة بالفعل على علاجك من نزلات البرد والإنفلونزا (رويترز)

مشروب منزلي يساعد في التخلص من نزلات البرد

تحدثت اختصاصية التغذية كيلي كونيك لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية عن المشروب المنزلي الأمثل لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الفواكه والخضراوات مليئة بمضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن (رويترز)

تناول الفواكه والخضراوات يقلل خطر إصابتك بالاكتئاب

أكدت دراسة جديدة أن زيادة كمية الفواكه والخضراوات في نظامك الغذائي يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بمرور الوقت.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

وسط انتشار حوادث الطيران... هل هناك مقاعد أكثر أماناً على متن الطائرة؟

يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)
يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)
TT

وسط انتشار حوادث الطيران... هل هناك مقاعد أكثر أماناً على متن الطائرة؟

يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)
يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)

شهد العالم، خلال الأسبوعين الماضيين، تحطم طائرتين؛ إحداهما تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية في كازاخستان، والأخرى تابعة لشركة «جيجو إير»، وهي أكبر شركة طيران منخفض التكلفة في كوريا الجنوبية.

وقُتل في الحادث الأول 38 شخصاً، ونجا 29 راكباً، في حين قُتل جميع ركاب طائرة «جيجو إير»، باستثناء اثنين.

وبعد هذين الحادثين، انتشرت التقارير المتعلقة بوجود أماكن معينة على متن الطائرة أكثر أماناً من غيرها.

فقد أكد كثيرون صحة المعتقد القديم بأن الجلوس في مؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة، مشيرين إلى أن حطام طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية وطائرة «جيجو إير» يؤكد هذا.

فقد كان الناجون التسعة والعشرون من حادث تحطم الطائرة الأذربيجانية يجلسون جميعاً في مؤخرة الطائرة، التي انقسمت إلى نصفين، تاركة النصف الخلفي سليماً إلى حد كبير. وفي الوقت نفسه، كانت المضيفتان اللتان جلستا في مقعديهما القابلين للطي في ذيل الطائرة، هما الناجيتين الوحيدتين من حادث تحطم الطائرة الكورية الجنوبية.

فهل هذا المعتقد صحيح بالفعل؟

في عام 2015، كتب مراسلو مجلة «تايم» أنهم قاموا بفحص سجلات جميع حوادث تحطم الطائرات في الولايات المتحدة، سواء من حيث الوفيات أم الناجين من عام 1985 إلى عام 2000، ووجدوا، في تحليل تلوي، أن المقاعد في الثلث الخلفي من الطائرة كان معدل الوفيات فيها 32 في المائة بشكل عام، مقارنة بـ38 في المائة في الثلث الأمامي، و39 في المائة في الثلث الأوسط.

كما أشاروا إلى أن المقاعد الوسطى في الثلث الخلفي من المقصورة كانت هي الأفضل، بمعدل وفيات 28 في المائة. وكانت المقاعد «الأسوأ» هي تلك الواقعة على الممرات في الثلث الأوسط من الطائرة، بمعدل وفيات 44 ف المائة.

إلا أنه، وفقاً لخبراء سلامة الطيران فهذا الأمر ليس مضموناً في العموم.

ويقول حسن شهيدي، رئيس مؤسسة سلامة الطيران، لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «لا توجد أي بيانات تُظهر ارتباطاً بين مكان الجلوس على متن الطائرة والقدرة على البقاء على قيد الحياة. كل حادث يختلف عن الآخر».

من جهته، يقول تشنغ لونغ وو، الأستاذ المساعد في كلية الطيران بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني: «إذا كنا نتحدث عن حادث تحطم مميت، فلن يكون هناك أي فرق تقريباً في مكان الجلوس».

أما إد غاليا، أستاذ هندسة السلامة من الحرائق في جامعة غرينتش بلندن، والذي أجرى دراسات بارزة حول عمليات إخلاء حوادث تحطم الطائرات، فقد حذر من أنه «لا يوجد مقعد سحري أكثر أماناً من غيره».

ويضيف: «يعتمد الأمر على طبيعة الحادث الذي تتعرض له. في بعض الأحيان يكون المقعد الأمامي أفضل، وأحياناً أخرى يكون الخلفي آمن كثيراً».

ويرى مختصون أن للمسافر دوراً في تعزيز فرص نجاته من الحوادث عبر عدة طرق، من بينها الإنصات جيداً إلى تعليمات السلامة، وقراءة كتيب تعليمات الأمان المتوفر بجيب المقعد أمامك، ودراسة مخارج الطوارئ جيداً، وتحديد الأقرب إليك، وتجنب شركات طيران ذات سجل السلامة غير الجيد.