انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية مواجهة تبعات فيروس كورونا

رئيس سابق للمفوضية الأوروبية: «انتبهوا للخطر القاتل»

شاطيء في نيس وقد خلى من الزوار (رويترز)
شاطيء في نيس وقد خلى من الزوار (رويترز)
TT

انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية مواجهة تبعات فيروس كورونا

شاطيء في نيس وقد خلى من الزوار (رويترز)
شاطيء في نيس وقد خلى من الزوار (رويترز)

قليلاً ما يخرج جاك ديلور، الرئيس الأسبق للمفوضية الأوروبية والبلغ حالياً 94 عاماً عن صمته. إلا أنه، هذه المرة، وبالنظر للصعوبات «الوجودية» التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي، كسر الصمت لينبه من «الخطر القاتل» الذي يهدد المشروع الأوروبي في حال أثبت أعضاؤه عجزهم عن التضامن فيما بينهم لمواجهة وباء كورونا. وذهب رئيس البرلمان الأوروبي الحالي ديفيد ساسولي، إيطالي الجنسية في الاتجاه نفسه معلناً أن «الوشائج والأسباب التي تجعل الأوروبيين يبقون معاً سوف تتحلل إن لم يبرز تضامنهم» في الأزمة الراهنة. ولم يتردد آخرون في التنبيه من زوال الاتحاد ومن صعوبة تخطيه الاختبار الحالي ومنهم رئيس مجموعة «يورو غروب» التي تضم الدول الـ19 الأوروبية التي تبنت اليورو. وفي رسالة إلى كافة زملائه وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي، في 30 مارس (آذار)، قرع ماريو سنتتينو الذي يشغل حقيبة المالية في الحكومة البرتغالية ناقوس الخطر محذراً من «تشظي» الاتحاد في حال عجز قادته عن التوصل إلى تفاهم حول الأدوات الضرورية لمواجهة النتائج الاقتصادية والاجتماعية والمالية المترتبة على أزمة الوباء التي يواجهها العالم منذ مائة عام وفق توصيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
لكن أين تكمن الأزمة التي من شأنها هدم ما يعد أجمل وأنجح إنجاز حققه الأوروبيون منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية؟
تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن السبب عنوانه «الأنانيات الوطنية» وغياب التضامن المطلوب في الوقوف إلى جانب الدول الأعضاء الأكثر تضرراً على المستويات البشرية والاقتصادية والمالية من وباء «كوفيد - 19». وتفجر الخلاف في الأيام الماضية بين شمال وجنوب أوروبا حيث يرفض الشمال ممثلاً بهولندا وألمانيا ودول أخرى من شمال أوروبا طلباً تقدمت به إيطاليا وإسبانيا بدعم من فرنسا والبرتغال وبلجيكا ولوكمسمبورغ وآيرلندا وسلوفينيا وقبرص ويدعو إلى إصدار ما يسمى «كورونا بوندز» للاستدانة الجماعية. والغرض منه الاستدانة بفوائد مخفضة بفضل المصداقية الإضافية التي توفرها اقتصادات الاتحاد وأكبرها الاقتصاد الألماني. وبذلك، تستفيد الاقتصادات الضعيفة والمحتاجة جداً مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا من هذه الآلية المالية الجديدة. إلا أن أوروبا الشمالية مترددة كثيراً ولا تريد أن تتحمل أعباء الدول المتوسطية التي تتهمها بالافتقاد للجدية في إدارة موازناتها، مما يذكر بالأزمة المالية السابقة التي عاشتها اليونان في 2010 حيث كانت برلين الأكثر تشدداً مع أثينا وفرضت الشروط الأقسى للموافقة على مدها بقروض لمواجهة استحقاقات الديون.
حتى اليوم، ما زالت المواقف متباعدة رغم القمة الأوروبية التي عقدت عن بعد يوم 26 مارس واجتماعين في إفطار لوزراء مالية الاتحاد وآخرها أول من أمس. ورغم أن الملف اقتصادي ــ مالي، إلا أنه بالدرجة الأولى «سياسي» بحسب توصيف المصادر الدبلوماسية المشار إليها سابقاً. ولب المشكلة هي معرفة ما إذا كان الأوروبيون «جديين في التعامل الجماعي مع جائحة تهدد الجميع»، أم أنهم يغلبون الأنانيات واللعبة السياسية الداخلية. وتجدر الإشارة إلى أن المفوضية الأوروبية عمدت إلى «تعليق العمل» بالقاعدة الأوروبية التي تفرض على كافة الحكومات عدم تخطي سقف 3 في المائة من عجز الميزانيات. ويعرض المعترضون على «كورونا بوندز» اللجوء إلى استخدام «الآلية الأوروبية للاستقرار» المالي القادرة على توفير ما يزيد على 400 مليار يورو من القروض. إلا أن الاستفادة من هذه الآلية التي أوجدت في عام 2012 ليست مجانية، إذ تفترض بالمقابل شروطاً تقشفية قاسية لا تستطيع الدول المحتاجة الأخذ بها في زمن الشح المالي وتوقف الدورة الاقتصادية والحاجة إلى الأموال السائلة.
في قمتهم الأخيرة، أمهل القادة الأوروبيون وزراء ماليتهم 15 يوماً لإيجاد الحلول التوفيقية. ولم يسفر اجتماع هؤلاء الافتراضي أول من أمس عن تقدم يذكر وسيعاودون الاجتماع قريباً. ونقل عن المستشارة الألمانية قولها لرئيس الوزراء الإيطالي، بحسب ما أوردته صحيفة «لو موند» الفرنسية في عددها أمس: «الآلية المالية وسيلة جيدة... أما إذا كنت تتوقع الحصول على «كورونا بوندز»، فإن ذلك لن يحصل أبداً لأن برلمان بلادي لن يقبل بتاتاً». ولم يكن الهولنديون أكثر رأفة بإيطاليا حيث تتكاثر الدعوات لمقاطعة البضائع الهولندية. وفي الوقت عينه، أطلق نواب من البرلمان الإيطالي دعوة، في بيان صدر في صحيفة «فرانكفورتر ألماين زيتونغ» للمستشارة ميركل لقبول إطلاق خطة طموحة لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي في العديد من البلدان الأوروبية. وجاء الرد، بحسب ما نقلته «لوموند» على لسان وزير المالية الألماني الذي أكد استعداد بلاده «للتضامن» مع الشركاء الأوروبيين ولكن «ليس كيفما كان»، علماً بأن ثمة إجماعاً داخل حكومة ميركل على رفض «الكورونا بوندز».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».