زحمة وبكاء في شوارع دمشق بانتظار «كورونا»

«الشرق الأوسط» تستطلع استعدادات الأهالي في أسواق العاصمة السورية

سوق الحميدية في دمشق القديمة (رويترز)
سوق الحميدية في دمشق القديمة (رويترز)
TT

زحمة وبكاء في شوارع دمشق بانتظار «كورونا»

سوق الحميدية في دمشق القديمة (رويترز)
سوق الحميدية في دمشق القديمة (رويترز)

لا تتوانى محطات التلفزة الرسمية والرسائل الجوالة والإعلانات الطرقية عن توجيه السوريين والسوريات، إلى ضرورة حماية أنفسهم واتباع الإجراءات الصحية وأهمها العزل المنزلي، وما اصطلح عليه بـ«الحجر الصحي».
لكن المشهد اليومي في شوارع دمشق، يخالف كل التوصيات. وحمى الخوف من «كورونا» مؤجلة لصالح حمى تأمين الحاجات الضرورية وخاصة من أفراد «الطبقة المعدمة» (الفقيرة)، التي تشكل حسب إحصاء أكثر من ثمانين في المائة من عامة الشعب السوري.
ازدحام خانق على سيارات توزع الخبز الشعبي الذي تنتجه مخابز الحكومة. ازدحام يتمسك بـ«كورونا» وينشرها بدلاً من إبعادها، في حالة من الفوضى لا يوجد من ينظمها. حالة من الحاجة المادية والخدماتية والسلعية في ظل غياب كامل للسيولة المالية الكفيلة بسد قيمة الاحتياجات الأساسية. وكان سوريون تناقلوا فيديو قصيراً لمعتمد خبز في ضاحية صحنايا قرب دمشق، يعتدي بالضرب على سيدة تطالب بخبزها. ولاحظت رجلاً في الستين من العمر، يبكي بعد فقدانه الأمل بأن يحصل على ربطة خبز واحدة من شاحنة الخبز الكبيرة في حي قريب جداً من حي باب توما. كان يصرخ: «أريد خبزاً! ربطة واحدة فقط. لا خبز لدينا في المنزل ولا قدرة لي على شراء خبز سياحي»، غير مدعوم من الحكومة، تبلغ قيمة الربطة الواحدة منه أحد عشر ضعفاً من قيمة ربطة الخبز العمومي أو الحكومي.

سوق الخضراوات

في سوق الخضراوات وجوه بلا ملامح. أسئلة عن أسعار كل شيء من غير شراء أي شيء. في سوق الخضراوات تسود الخيبة وحدها، امرأة تجمع ما يسقط من أكياس الخس التي تُنقل من الشاحنة إلى محل بيع الخضراوات. وعندما يطلب منها صاحب الشاحنة وبصوت حاد ومرتفع التمهل حتى ينتهي من عمله، تشتمه وتقول: «اصمت! لقد فضحتني». تترك الكيس بما فيه من أوراق متكسرة وتمشي. في سوق الخضراوات، تشتري النساء ليمونة واحدة للضرورة القصوى كي لا يستخدمن حامض الليمون المصنّع لأن الزوج أو الأب مصاب بقرحة في معدته. يقررن الاستغناء عن استعمال البصل في الطهو بعد وصول سعر الكيلو الواحد منه إلى ألف ومائتي ليرة (دولار أميركي واحد تقريباً)، في سوق الخضراوات، تجادل النساء الباعة لخفض - قدر الإمكان - أسعار البندورة المعطوبة أو البطاطا المكسرة أو «الزرقاء» أو التي اهترأ جزء منها، وتجمع بعضهن بقايا الخضراوات التالفة والمرمية على أطراف حاويات القمامة.

بيضة ورغيف

ارتفع سعر البيض حتى وصل إلى مائة ليرة للبيضة الواحدة. في دكان البقالة الشعبي الصغير، تشتري رهف ثلاث بيضات. وجبة الغداء هي بيضة مسلوقة لها ولأخويها. «ماذا عن أمك يا رهف؟». تقول: «أمي لا تحب البيض تأكل رغيف خبز مدهوناً بزيت نباتي وزعتر من النوع الشعبي».
وعند فرن الخبز الخاص بمرضى السكري، يطلب رجل في الثمانين من عمره خبزاً بمائة ليرة، فيصرخ الخباز في وجهه، قائلاً: «قف بالدور. يشتمه الرجل أيضاً ويقول له لو كنت أستطيع الانتظام في هذا الطابور الطويل لما طلبت منك». بعد رجاء وتوسل، سبعة أرغفة وكل رغيف أصغر من حجم الكف.
أي حماية؟ وأي حجر منزلي أو أي مسافة أمان بين الشخص والآخر؟ كل تفصيل اضطراري يفرض أن تكون في قلب الطوابير والزحام المهدد لسلامتك وسلامة غيرك.
وبعد كل إشاعة عن إغلاق الطرقات أو حظر التجول، هرع بعض السوريين إلى محلات البقالة الكبيرة ومراكز بيع الجملة لتأمين مؤنة تكفيهم فترة العزل. بعضهم اشترى بمائة ألف ليرة وأكثر. وبعضهم اشترى ما يقدر على شرائه من مواد اعتبرها أساسية كالزيت النباتي وبعض المعلبات. لكن ليسرا قصة أخرى، هي تعيل أمها وأم زوجها وثلاثة أبناء من دون نقود في البيت. اضطرت لبيع سوارها الذهبي وهو كل ما تبقى لها من ذخيرة للأيام السوداء. كانت قد سألت عن ثمنه قبل أسبوع وعرفت أن قيمته ثلاثمائة ألف ليرة، لكن الصائغ لم يعطها ثمناً له إلا مائتي ألف ليرة تحت ذريعة أن الجميع يحتاج سيولة وأن أحداً من الصياغ لن يفرط بسيولته ليشتري ذهباً، خاصة أنها باعته قبل موعد الإغلاق بساعة واحدة، أي عند الساعة الخامسة مساء، ذلك أن حظر التجول يبدأ السادسة مساء حتى السادسة من صباح اليوم التالي.

وجع خاص

للمنظفات وجعها الخاص في دمشق، ارتفع سعر الكلور والكحول وكل مواد التعقيم، مترافقاً مع حالة هلع لا يوجد من يخفف منها أو يطمئن الناس إلى أن هذه المواد قد تتوفر مجاناً أو بأسعار «محمية» في المنافذ الرسمية، أو أن الرقابة ستلجم جشع المتاجرين بها. بين ليلة وضحاها ارتفعت قيمة الكمامة من خمس وسبعين ليرة إلى ثلاثمائة وخمسين ليرة، وعبوة الكحول من تسعمائة ليرة إلى ألفين وخمسمائة ليرة ثم فقدت من الأسواق رغم الارتفاع الجنوني لأسعارها.
فقد كثيرون أعمالهم وخاصة العمال «المياومون» (يعملون باليوم) والعاملات المنزليات وسائقو الحافلات الجماعية والباصات الصغيرة. بعض الورش توقف عن العمل بصورة نهائية خوفاً من تراكم الخسارات. ومن استمر عمله ينبغي عليه العودة إلى المنزل قبل السادسة مساء ولو سيراً على الأقدام بعد توقف كل وسائط النقل الجماعية.
إن كانت جائحة «كورونا» ناجمة عن فيروس متناه في الصغر، فإن مصائب متعاظمة الضخامة ترخي بثقلها يومياً على حياة السوريين، لتتحول الجائحة إلى كارثة ممتدة وقاهرة.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.