دور نشر لبنانية تواكب قراءها في الحجر المنزليhttps://aawsat.com/home/article/2211811/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%83%D8%A8-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%D9%8A
«الموت طالب حثيث هذه الأيام، والعالم يحتاج إلى علمائه وحكمائه للعبور إلى برّ الأمان».. بهذه الكلمات توجهت «دار الجديد»، على صفحتها على «فيسبوك»، إلى قرائها، داعية إياهم إلى العودة للكتب، وهي تذكرهم بعدد من مؤلفاتها التي تصلح للقراءة في هذه الفترة، حيث يحتاج الإنسان إلى التأمل من جديد في أحوال حياته، وربما إجراء مراجعات عميقة. واستغل عدد من دور النشر اللبنانية فرصة جلوس الناس في حجرهم الإلزامي لحثهم على القراءة، وإغرائهم بتخفيضات، واقتراح عناوين ومضامين تتلاءم مع المرحلة.
وقسمت رشا الأمير، صاحبة «دار الجديد»، الكتب الصادرة عن دارها إلى مجموعات، لكل منها وظيفة، وكأنها أدوية تعالج الروح. ففي باب «كتب الشفاء»، والقصد منها شفاء الروح من أدرانها وأعبائها، يمكن للقارئ أن يعود للكتاب الجميل جداً الذي ترجمته «الجديد» للمفكر الإيطالي نوتشيو أوردينه، ويحمل اسم «لوجه ما لا يلزم». وضمن هذه المجموعة كتاب عبد الله العلايلي «أين الخطأ؟» الذي عاد فيه إلى مجموعة من القضايا التي شغلت الرأي العام ذات يوم، وقدم فيها رؤية تنويرية، مما تسبب باتهامه بالهرطقة، وإبعاده عن منصب الإفتاء. وكذلك في الوصفة «ديوان الحلاج» الذي أعده الزميل عبده وازن.
وتضيف الأمير أنها ستعكف على وضع مجموعات مختلفة تبعاً لوظيفتها، وستكون هناك مجموعة «الشفاء من الغباء»، ومجموعة غيرها لـ«الشفاء من الغطرسة»، تضم كتاب «في صحبة العربية» لأحمد بيضون، و«السجينة» لمليكة بوفقير. «لا أدعي أن دارنا صيدلية، لكنني أحب تشبيه الكتب بالأدوية التي تعالج كثيراً من المشكلات التي نعانيها».. تقول الأمير وهي تحذر من أن الانكباب غير المسبوق على قراءة الروايات وحدها، كما حصل في السنوات السابقة، ليس كافياً لفتح الآفاق. فالنفس بحاجة إلى تشريع نوافذها على مآدب فكرية مختلفة تساعدنا على استعادة التوقد الذهني. فلا بأس من قراءات في التاريخ والفكر والتربية والسياسة والفلسفة. ولا بد أيضاً من العودة، بحسب الأمير، إلى كلاسيكيات فاتتنا، وكان يفترض أن تكون جزءاً من تكويننا الثقافي، وربما أن الفرصة قد حانت للعودة إليها. فالوقت مناسب لقراءة الكتب الدينية التي هي مراجع رئيسية للشعوب في حياتها، كما النصوص الأدبية الكبرى في اللغات الأجنبية التي نجيدها. كأن يعود الفرنكوفونيون إلى بروست مثلاً. وفي العربية، من المفيد العودة إلى الرازي وابن رشد ولزوميات أبي العلاء. فما فائدة أن أقرأ آخر 50 رواية صدرت، دون أن تكون لديّ أي إطلالة على كتب فكرية؟
وكانت دور النشر تتحسب من بعض التعثر مع بدء الوباء، لكن إغلاق مطارات بالجملة وتوقف البريد لم يكن في الحسبان. وكانت «دار الآداب» قد بدأت على صفحات التواصل الاجتماعي التذكير بكتبها التي تتلاءم والظرف الوبائي الذي يمر به العالم، لا سيما بعد أن أخذ المرض ينتشر في الصين، مشجعة على شراء هذه الكتب عن بعد، لإيصالها إلى القراء في البلدان التي يعيشون فيها، عن طريق موقعي «جملون» و«نيل وفرات»، مع هامش ربح زهيد. وكان البحث جارياً حول طريقة تعقيم الكتب لإيصالها سليمة آمنة إلى طالبيها. لكن إغلاق المطارات جعل كل هذا يتوقف بانتظار انفراجات جديدة. حتى «أمازون» لم يعد قادراً على الحركة في ظل الوضع الحالي، فكيف بالمواقع العربية؟
وثمة حسومات مشجعة، يعرضها موقع «كتبٌ دوت كوم» مثلاً على القراء. وللصمود في الحجر المنزلي، حسم 20 في المائة على جميع الكتب الصادرة عن «دار التنوير»، ويرشح الموقع مجموعة من الكتب العلمية والفلسفية المميزة. وهو يوصل كتبه مجاناً إلى كل المناطق اللبنانية؛ كتب فلسفية وعناوين تتحدث عن تخطي الصعاب. فمن بين العناوين التي يقترحها الموقع «الطمأنينة الفلسفية» لسعيد ناشيد، و«التداوي بالفلسفة» للكاتب عينه، وكذلك «كيف يمكن لبروست أن يغير حياتك؟» لكاتبه ألان روبوتون، وكتاب ستيفن هوكينغ «التصميم العظيم». وبما أن الكلام كثير عن أهمية النوم لرفع قدرات الجسم الدفاعية في مواجهة الوباء، ثمة عرض على كتاب ماتيو ووكر «لماذا ننام؟». وكذلك تقدم صفحة «بوك أوتليت» على «فيسبوك» حسومات لقرائها، حيث توصل لهم الكتب إلى المنازل، مع حسم 20 في المائة على كتب «دار التنوير» مثلاً، و30 في المائة على كتب «مركز دراسات الوحدة العربية» كافة.
وتعد صاحبة «دار الآداب»، رنا إدريس، أنه مقابل الإقبال على الكتب في أوروبا لتمضية الوقت، فإن كتب دارها الإلكترونية التي تعرضها على تطبيق «أبجد»، ورغم أنه بإمكان القارئ تحميل ما يريده منها بـ15 دولاراً شهرياً فقط، فإنها لم تلحظ زيادة في الشراء، بعد سريان الحجر في غالبية الدول العربية.
وعلى صفحتها على «فيسبوك»، تعيد «دار الآداب» التذكير برواية «الطاعون» لألبير كامو التي كثر ذكرها هذه الأيام، خاصة أن والدها سهيل إدريس هو مترجمها، ودارها هي التي أصدرتها مع صعود نجم الكاتب في منتصف القرن الماضي. وتحت عنوان «تغدو الكتب سفننا عندما يأتي الطوفان»، تعرض الدار كتاباً حول «العبور»، مثل «السفينة» لجبرا إبراهيم جبرا، و«البحر والسفينة وهي» لحنا مينة، و«لا نسبح في البحر مرتين» لحسونة المصباحي.
أما «دار الساقي»، فعلى رأس اقتراحاتها «كيف أتخلص من التوتر؟» لهارييت غريفي، ناصحة بالهدوء للحفاظ على الصحة، ولرفع جهاز المناعة في مواجهة المرض. وللتسلية كتاب نيكولاي غوغول «الأمسيات في قرية قرب نيكانكا»، عن حياة القرويين البسطاء في الريف الأوكراني، وهو الكتاب الذي قال بوشكين بعد قراءته: «لم أرفع رأسي عنه حتى النهاية». وعلى أي حال، فإن رنا إدريس تعترف بأن ثمة صعوبة في شراء الكتب أو إيصالها، خاصة خارج لبنان. والطريقة الوحيدة المتاحة للقارئ في الظرف الحالي هي المؤلفات التي يمكن شراؤها إلكترونياً، أو تلك التي تتاح قرصنتها وموجودة أصلاً على الإنترنت. وفي شيء من الفكاهة، تقول إدريس «من ليس لديه زوادة من الكتب في منزله لمثل هذه الأيام، ولا يستطيع أن يشتري كتاباً إلكترونياً، ليقرأ كتاباً مقرصناً، فهذا أفضل من التوقف عن القراءة، وفقدان هذه العادة».
وإن كانت دور النشر في لبنان تسعى جاهدة لمواكبة قرائها في محنتهم هذه بتقديم أفضل ما لديها مما يتناسب والظرف الصعب الذي يعيشون، فإن ناشرين يعترفون بأنهم هم أنفسهم مأخوذون بقراءة الأخبار، ومتابعة متغيرات العالم، أكثر مما يستطيعون التركيز على الكتب التي تحتاج إلى التعمق والتأمل. وهم يخشون حقاً أن يكون لهذه المحنة انعكاسات خطيرة على صناعة الكتاب العربي عموماً. وتذكر إدريس أن إلغاء معارض الكتب جملة، كما تم هذه السنة، هو خسارة كبيرة لا يمكن أن تعوض، موضحة: «نحن نبيع 70 في المائة من نتاجنا في المعارض. وكل العلاقات البشرية والاقتصادية تتم في هذه المناسبة. وبما أن المحنة يبدو أنها ستطول، وسيستمر الناس لفترة أخرى يتفادون الأماكن المزدحمة والتجمعات، فإن هذا سيؤثر سلباً». والنشر مرتبط بشكل مباشر بمهنة الطباعة التي هي أيضاً قد تفقد موظفيها وعمالها بسبب توقف العمل.
وبالتالي، فإن مهنة النشر في فترة المخاض هذه، وفي الوقت الضائع، ليست أحسن حالاً من مهن غيرها، ولا يبدو أبداً أن القراء العرب في مزاج جيد.
قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى
قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».
بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.
قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»https://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D9%83%D8%AA%D8%A8/5095142-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%81%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-2024
مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.
في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.
باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!
من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!
قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.
أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!
هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!
د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي
ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.
وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».
قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.
أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.
وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).
لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.
عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية
ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.
ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.
وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.
كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة
ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.
تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.
والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.
في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.
مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.
حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي
من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.
وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.
وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.
وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.
وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.
جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»
الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:
«في الليلِ
أرى شخصاً آخرَ
لا أَعْرِفُـهُ
يَتَعَقَّبُني
فأغذُّ خطايَ،
وأسرعُ
أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:
– اصحبْني ظلاً
فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».
أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.