لبنانيون في الخارج: معاناة الاغتراب مع «كورونا» لا تخفّفها إلا العودة

في انتظار قرارات الحكومة لإجلائهم

مسافرون يضعون الكمامات في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت (أرشيفية - رويترز)
مسافرون يضعون الكمامات في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنانيون في الخارج: معاناة الاغتراب مع «كورونا» لا تخفّفها إلا العودة

مسافرون يضعون الكمامات في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت (أرشيفية - رويترز)
مسافرون يضعون الكمامات في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت (أرشيفية - رويترز)

يترقّب اللبنانيون، الطلاب منهم والمغتربون في الخارج، ما سيصدر عن الحكومة اللبنانية في جلستها غداً (الثلاثاء) من حلول لقضيتهم، وإمكان عودتهم إلى لبنان في أسرع وقت ممكن، وهم الذين باتوا يعيشون الخوف من أن يصابوا بفيروس «كورونا»، وألا يجدوا من يقف إلى جانبهم في بلاد الاغتراب، أو سريراً في المستشفى لتلقي العلاج.
وبانتظار قرار الحكومة، لم يتلقَ هؤلاء اللبنانيون أي اتصالات جدية أو إشارة إلى طريقة الإجلاء. واكتفت السفارات والبعثات اللبنانية في الخارج بتسجيل أسمائهم وأخذ معلومات عنهم، من دون أي تواصل جديد، خصوصاً مع الذين يعيشون في مناطق بعيدة عن العاصمة، حيث الهاجس الأكبر الذي يسيطر عليهم هو كيفية الوصول إلى نقطة انطلاق الطائرة اللبنانية، في ظل حظر التجول والتعبئة العامة، وتعذّر إيجاد وسيلة نقل.
ففي إيطاليا، كثيرة هي المدن التي يوجد فيها الطلاب اللبنانيون الذين يواجهون خطر الإصابة بفيروس «كورونا» بعيداً عن عائلاتهم.
وتقول سارة ه.، التي تتابع تعليمها في ميلانو، لـ«الشرق الأوسط»: «بتنا نخاف النزول إلى السوبر ماركت لشراء الطعام، ليس خوفاً من إجراءات منع التجول فقط، إنما من التقاط هذا الفيروس الذي يحصد الآلاف يومياً هنا». وتضيف: «المشكلة الكبرى هي أنه إذا أصابنا هذا المرض، فلا أحد سيعلم بنا. لا أماكن في المستشفيات من جهة، والتكلفة كبيرة جداً من جهة أخرى، والأولوية في الاستقبال هي للإيطاليين». وتختم: «ربما لم نتقيد بالمواعيد التي حددتها الحكومة خوفاً من خسارة عامنا الدراسي ووظائفنا، ولكن اليوم الخوف بات يكمن في خسارة حياتنا، نتمنى العودة إلى بلدنا وعائلاتنا».
وفي إسبانيا، لا يختلف وضع اللبنانيين عنه في إيطاليا. ويتمركز العدد الأكبر منهم في مدينتي برشلونة والعاصمة مدريد، إضافة إلى مدن أخرى، كفالنسيا وسانتياغو دي كومبوستلا.
وها هو الطالب الباحث إلياس حسون، الموجود اليوم في إسبانيا، وتحديداً في مقاطعة غاليسيا لدراسة الدكتوراه في القانون الدولي من خلال برنامج تبادل، يرفع بدوره صرخته، باسمه وباسم زملائه في إسبانيا، حيث تفاقم الوضع جراء التفشي السريع للوباء الذي أصاب 80 ألف شخص، وأدى إلى وفاة أكثر من 7 آلاف.
وعند سؤال حسون عن سبب عدم القدوم إلى لبنان في الوقت الذي حددته الحكومة اللبنانية، يلفت إلى أن عدم إقدامه على هذه الخطوة كان خوفاً من خسارة منحته الدراسية.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية، لم يكن معلوماً أن الجامعات ستسمح للطلاب اللبنانيين بالعودة إلى بلادهم، من دون أن يخسروا المنحة أو البرنامج الذي أتوا بناء عليه. وبعد ذلك، تزامن القرار مع موعد تعليق الرحلات بين لبنان وإسبانيا، لتعلن بعدها الحكومة بلبنان عن إغلاق مطار رفيق الحريري الدولي كلياً».
ويتحدث حسون عن وضعه، ووضع زملائه اللبنانيين، قائلاً: «عدد كبير من اللبنانيين لا يمتلكون إقامات دائمة، ومعظمهم لا يمتلك تأمينات صحية خاصة يُعترف بها خارج نطاق المستشفى، كما أنه ليس لديهم المدخول المادي المطلوب بعملة البلد. وإذا كانوا يحصلون على مبلغ معين، فهو لا يكفي، وهم يحتاجون إلى دعم من الأهل في لبنان».
ومن أوروبا إلى الدول العربية، حيث لم يعد أمام اللبنانيين الآن إلا طلب العودة إلى بلدهم. مارون شقير، لبناني يعيش في قطر، ولكن مع تفشي الفيروس بهذه السرعة، عمدت الشركة التي يعمل فيها إلى إقفال مكاتبها، وإيقاف كل اللبنانيين والأجانب عن العمل، بحسب ما يروي لـ«الشرق الأوسط»، ويقول: «هذا القرار اتُخذ نهاية الأسبوع الماضي مع ارتفاع الإصابات، ولكن كان الأوان قد فات بأمل الرجوع إلى لبنان، مع اتخاذ قرار إقفال المطار».
وإلى أفريقيا، حيث يعمل اللبناني فؤاد جمعة في نيجيريا في مقاطعة إيدو ستايت، وبات يعيش الخوف يومياً، على غرار مواطنيه، بعد وصول «كورونا» إلى نيجيريا، وإقفال المؤسسات، كما حدود المقاطعات، وباتت أمنيته الوحيدة اليوم العودة إلى لبنان، ولو كان الثمن الحَجر في لبنان.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو واضحاً أن الأمور ستطول، ولا شيء مؤمن في هذه البلاد، حيث لا طبابة ولا مستشفيات جيدة، ولا أحد ينظر إلينا أو يهتم لوجودنا نحن اللبنانيين».


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.