قطاع المطاعم هو الأكثر تضرراً من «كورونا»

الإغلاق وانقطاع الزبائن يهددان آلاف الوظائف

صالات فارغة في زمن الوباء القاتل
صالات فارغة في زمن الوباء القاتل
TT

قطاع المطاعم هو الأكثر تضرراً من «كورونا»

صالات فارغة في زمن الوباء القاتل
صالات فارغة في زمن الوباء القاتل

في الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن أوروبا أصبحت الآن بؤرة فيروس «كورونا» في العالم بدلاً من الصين، واتخذت الولايات المتحدة قرار إغلاق المجال الجوي أمام الطيران التجاري الأوروبي إلا في حالات عودة الأميركيين لبلادهم، وأزمة فيروس «كورونا» تشتد في أوروبا على نحو يومي. وكانت آخر تطورات الوضع قرارات بالإغلاق التام لبلدين على الأقل هما إيطاليا وإسبانيا، مع إغلاق جزئي لفرنسا، ومنع فتح المطاعم والمحلات الأخرى باستثناء منافذ السوبرماركت والصيدليات.
واعترف العديد من أصحاب المطاعم بأن الإمكانيات المالية المتاحة لهم لا تكاد تكفي عدة أسابيع تنتهي في شهر أبريل (نيسان) 2020، وبعدها سوف يضطر أصحاب الأعمال إلى الاستغناء عن العمال وإغلاق المطاعم، بلا أمل في إعادة افتتاحها قريباً. ووصف أحدهم الوضع بأنه «أزمة وجودية لم تشهدها الصناعة من قبل».
وفي محاولة لإنقاذ الموقف اليائس قررت المفوضية الأوروبية رصد 25 مليار يورو من أجل معالجة الانعكاسات السلبية للأزمة. وبعد مؤتمر بالفيديو بين الزعماء الأوروبيين، قال رئيس المجلس الأوروبي تشارلز مايكل، إن صحة المواطنين الأوروبيين هي الأولوية المطلقة للمجلس.
وسوف تتوجه الإعانات الأوروبية إلى القطاعات المتأثرة ومنها القطاع الصحي وقطاع الأعمال الصغيرة التي تشمل المطاعم وبهدف حماية أكبر نسبة ممكنة من العمالة.
من ناحية أخرى حذّرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن الاتحاد الأوروبي قد يدخل مرحلة كساد هذا العام إذا استمر وضع «كورونا» الحالي لعدة أشهر أخرى. وخفضت المنظمة توقعات النمو إلى 0.8%. ووجّه الاتحاد الأوروبي ميزانية 140 مليون يورو من أجل إيجاد تطعيم ضد «كورونا».
في بريطانيا أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون، أن تطور العدوى قد يعني دخول شخص من بين خمسة أشخاص المستشفى للعلاج. وفي الأيام الأخيرة انتقلت بريطانيا من مرحلة «الاحتواء» إلى مرحلة «التأخير» في التعامل مع انتشار العدوى، فتم إغلاق المدارس وألغيت جميع التجمعات الرياضية والتجارية ومنها معارض غذائية كان مقرراً لها شهر مارس (آذار).
كما خصصت الحكومة البريطانية بعض الدعم في ميزانيتها الجديدة لهذا العام للقطاعات المتضررة منها بعض الإعفاءات الضريبية على الأعمال وسهولة الحصول على الدعم في حالات المرض. وألغت الحكومة أيضاً بعض المحاذير على مواعيد تسليم الأطعمة إلى محلات السوبرماركت، حتى تتعامل مع اختناقات الشراء بالجملة من مواطنين أصابهم الفزع من فكرة العزل المنزلي. وتصل نسبة هؤلاء الذين يخزّنون الأطعمة بلا داعٍ إلى ثلث المستهلكين في بريطانيا. وتعمل صناعة الغذاء البريطانية تحت قواعد جديدة للحفاظ على نظافة الأغذية المورَّدة لمحلات السوبرماركت وعزل العمال المصابين فوراً.
وترى شركات الأغذية بالفعل انعكاسات سلبية متعددة من جراء الوضع الحالي من نقص السلع إلى محاذير على السفر. وترى أغلبية الشركات أن الوضع سوف يتطور إلى الأسوأ قبل أن يتحسن خصوصاً في جانب اختناقات الإمدادات. ويزيد الوضع سوءاً أن الشركات كانت تتوقع الأسوأ بسبب «بريكست» وانعكاساته السلبية على الاقتصاد.
أزمة فيروس «كورونا» لا يمكن الإحساس بعمق تأثيرها إلا بعد جولات ميدانية في شوارع المدن الأوروبية. في بلدان مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا تغلَق المحلات بما فيها المطاعم بحكم القانون الذي يعمم الإغلاق التام على الجميع ما عدا استثناءات قليلة للصيدليات ومنافذ السوبرماركت.
ولكن حتى في المدن التي لم يطبق عليها العزل بعد، تنتشر المطاعم الخاوية في كل الأحياء بعد لجوء قطاعات شعبية عريضة إلى فرض العزل الذاتي وعدم الخروج من المنازل. وقبل عدة أسابيع كانت المطاعم المهجورة في لندن هي المطاعم الصينية في حي سوهو، ولكن هجرة مطاعم لندن انتشرت إلى جميع المطاعم الأخرى بغضّ النظر عن الجنسية.
وتسجل المطاعم انخفاضاً ملحوظاً في الزبائن وتناقصهم يوماً بعد يوم. ويعكس هذا التراجع تفضيل الزبائن البقاء في المنازل وعدم الخروج إلى المجال العام إلا في حالات الضرورة. وأكدت هيئة «يو كي هوسبيتالتي» في تصريح لها عن أحوال المطاعم في بريطانيا أن معظم المطاعم والمقاهي سجلت نحو 15% نقصاً في الحجوزات خلال الأسابيع الأخيرة.
والغريب أن المطاعم الصينية ما زالت تعاني أكثر من غيرها بنسب تراجع في الإيرادات بلغت 40%. ورغم انتقال بؤرة المرض من الصين إلى إيطاليا فإن المطاعم الإيطالية في بريطانيا لا تعاني أكثر من غيرها. وفي بعض الحالات يقف العديد من المطاعم اللندنية على حافة الإفلاس حيث تعيش منذ فترة على موارد الماضي. وتراجعت الحجوزات بنسبة 50% في عدد 700 مطعم على الأقل من أعضاء «يو كي هوسبيتالتي».
وتشير المطاعم الصينية إلى أن نسبة كبيرة من العجز كانت بسبب هبوط حاد في السياحة الصينية إلى بريطانيا. وتعم المعاناة على المطاعم بمختلف أنواعها أيضاً بسبب تراجع النشاط السياحي الدولي إلى بريطانيا. وكانت الطامة الكبرى بعدما ضمت إدارة الرئيس ترمب بريطانيا وآيرلندا إلى قائمة منع السفر إلى الولايات المتحدة والذي يعني أيضاً توقف السفر الجوي المعاكس واختفاء السياح الأميركيين.
والمخيف في أزمة فيروس «كورونا» في بريطانيا أن الأسوأ لم يأتِ بعد. فالتوقعات هي أن الفيروس سوف ينتشر على نطاق واسع ليصيب ملايين في الشهور المقبلة، والنصيحة الوحيدة المتاحة للملايين هي غسل اليدين وفي حالات الشك بالإصابة عزل المريض نفسه لمدة أسبوعين.
وينظر البريطانيون إلى ما يحدث في دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا ويعرفون أن الحجر الكامل قد يكون في طريقه إلى بلادهم أيضاً. ولا تخشى هذه الدول من الفيروس والعدوى فقط وإنما من تأثيره على الوظائف والاقتصاد.
المطاعم والمحلات العامة، ما عدا منافذ السوبرماركت والصيدليات، مغلقة في هذه الدول. وتطور الأمر إلى إغلاق كامل (Lock down) ليس فقط لمدن بأسرها وإنما لبلدان كاملة. ويعني ذلك إغلاق الحدود ومنع الطيران ومنع التنقل حتى داخل البلاد. وتطبق أميركا أسلوباً مماثلاً بمنع كل رحلات الطيران من أوروبا. وقررت إدارة بلدية نيويورك إغلاق كل المطاعم لفترة غير محددة وقصر خدمات المطاعم على توصيل الطلبات إلى المنازل. وقال رئيس بلدية المدينة للإعلام الأميركي إن القرار مؤلم فعلاً لأن المطاعم والمقاهي هي قلب وروح مدينة نيويورك.
وتتكرر الصورة في العديد من المدن الأميركية، حيث أكثر من 80% من مدارس كاليفورنيا مغلقة. ونصحت الولاية كبار السن (بداية من 65 عاماً) بالبقاء في المنازل وعدم الاختلاط. ورغم استمرار عمل المطاعم في كاليفورنيا، فإن المسموح به هو نصف عدد الزبائن العاديين فقط حتى تتاح مساحات آمنة بين الزبائن. وأغلقت بوسطن كل المطاعم والمقاهي. ولكن أشد الإجراءات صعوبة كانت من بورتوريكو، حيث فرضت حظر تجول من التاسعة مساءً حتى الخامسة صباحاً مع إغلاق كل المنافذ التجارية غير الحيوية، ومنها المطاعم. وتكرر الأمر في ولاية واشنطن التي قررت إغلاق المطاعم فيها إلا في حالات التوصيل للمنازل. وفي أوهايو، قررت الولاية إغلاق المطاعم منذ منتصف مارس ولكنها تسمح بطلب الطعام للتوصيل إلى المنازل.
وتشمل الإصابات الأميركية حالياً 49 ولاية وهي تقترب من رقم 120 ألف إصابة (في منتصف شهر مارس). ولا تبقى سوى ولاية وست فرجينيا بلا إصابات حتى الآن. وناشد الرئيس ترمب الأميركيين عدم تخزين الأطعمة واللوازم المنزلية، وأشار إلى أن موردي الطعام في كبرى الشركات أكدوا له عدم وجود أي نقص في الإمدادات، وأن الرفوف الخالية في منافذ السوبرماركت هي مسألة مؤقتة إلى حين وصول إمدادات جديدة.
ولكن مهما كانت تداعيات فيروس «كورونا» السلبية في أميركا وبعض دول أوروبا، فإن أكبر معاناة دولية، بعد الصين، كانت في إيطاليا. وفي أواخر شهر مارس بلغ عدد الضحايا من «كورونا» في إيطاليا وحدها أكثر من 10 آلاف ضحية.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.