«تسونامي كورونا» على بعد شهرين من سوريا المنكوبة

قلق في مناطق الحكومة والمعارضة والأكراد بسبب غياب المعدات الطبية

سوق الحميدية في دمشق القديمة مغلقة بسبب حظر التنقل في البلاد (أ.ف.ب)
سوق الحميدية في دمشق القديمة مغلقة بسبب حظر التنقل في البلاد (أ.ف.ب)
TT

«تسونامي كورونا» على بعد شهرين من سوريا المنكوبة

سوق الحميدية في دمشق القديمة مغلقة بسبب حظر التنقل في البلاد (أ.ف.ب)
سوق الحميدية في دمشق القديمة مغلقة بسبب حظر التنقل في البلاد (أ.ف.ب)

وصول «كورونا» إلى سوريا، يعني الكثير. ثقل الوباء في هذه البلد يختلف عن غيره. قد يكون تسلله إلى أراضي هذه البلاد المنكوبة، أكثر وطأة من أي بلد آخر. لا بيوت يبقى فيها كثير من السوريين ولا مستشفيات يلجأون إليها، بل خيمة إذا كانوا محظوظين. هنا، لسيارات الإسعاف معنى آخر ودور آخر. إنها بلاد منقسمة إلى 3 «مناطق نفوذ»، تهيمن فيها بطريقة أو أخرى 5 جيوش. بلاد عانت من الحرب طيلة سنوات. كانت تنتظر إشارات السلام، فإذا بطقوس الوباء تقترب رويداً رويداً من عنق البلاد وصدورهم وحناجرهم.
الموعد السري القاتل لـ«تسونامي كورونا»، هو في مايو (أيار) المقبل. ينتظر السوريون بقلق وهم حفاة وعراة. إلى حين ذلك، الحديث في دمشق عن هذا الفيروس دقيق وحساس. يجري الإعداد لـ«معركة الحسم» معه. لكن، الوفيات المتداولة شفوياً، هي بسبب «الالتهاب الرئوي». «كورونا» لم يدخل في القاموس الرسمي، سبباً للوفاة بعد.
في سوريا، تتراكم سلسلة من الأسباب تجعلها تقيم على حالة نادرة في التعاطي مع هذا الوباء:
أولاً، لم تعد الحكومة تسيطر على كامل أراضيها. منطقة فيها ثلثا سوريا ومعظم المدن الكبرى تدار من دمشق، لكن بنفوذ روسي وإيراني بقوتيه الخشنة والناعمة. الثلث الآخر، تدير معظمه الإدارة الذاتية الكردية تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة أميركا في شرق الفرات وفصائل معارضة بدعم الجيش التركي وأدواته «التتريكية» بوسائل عسكرية وخدماتية في شمال سوريا وشمالها الغربي.
ما يجمع «الدول الثلاث في الدولة الواحدة»، هو تدهور القطاع الصحي. في مناطق الحكومة، هاجر الأطباء هرباً من الملاحقات أو الخدمة الإلزامية أو بحثاً عن حياة جديدة أو أنهم بقوا لكن في إطار العمل العسكري. وفي المناطق الخارجة عن سيطرتها، دمرت مستشفيات بغارات سورية وروسية وتراجعت قدرات البنية التحتية التي أقامتها مؤسسات مدنية سورية وغربية.
ثانياً، بالنسبة إلى مؤسسات الأمم المتحدة، العمل متاح قانونياً في دمشق باعتبار أن الحكومة هي ممثل البلاد، حسب المنظمة الدولية، وليس في مناطق المعارضة. لكن إقامة مؤسسات الأمم المتحدة في العاصمة السورية، جعلها «أسيرة» قرار الحكومة ومعطياتها وخطابها في السنوات السابقة. منعكسات ذلك، بدأت تظهر أكثر لدى بدء الإعدادات لمواجهة «كورونا».
ثالثاً، استعادت الحكومة السورية معظم النقاط الحدودية والمطارات، لكنها لا تزال بعيداً عن أن تكون جميعها في عهدة دمشق. هناك نوافذ مع العراق وتركيا لا تزال تحت سيطرة الإدارة الكردية أو فصائل معارضة. كان هناك قرار دولي سمح بتمرير المساعدات الدولية عبر الحدود، لكن عدد البوابات المرخصة، قلص بإرادة روسية في بداية العام الجاري، وهو بانتظار التمديد في منتصف العام الماضي. هذا يضيف تعقيدات راهنة.
رابعاً، خروج أكثر من نصف الشعب السوري من بيوتهم. أكثر من 6 ملايين لاجئ في دول الجوار وخارجها والباقي في مخيمات مكتظة في مناطق مختلفة في البلاد. وهناك أيضاً، نازحون في مناطق الحكومة.
خامساً، وجود أزمة اقتصادية تصاعدت في الأشهر الأخيرة جراء طول الحرب والعقوبات الخارجية، إضافة إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي ليصل إلى 1200 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان 46 ليرة في 2011. ويثير انقطاع الكهرباء ساعات طويلة قلقاً إضافياً في المنشآت الطبية.
سادساً، عقوبات أميركية وأوروبية على مؤسسات حكومية وشخصيات نافذة أو رجال أعمال بسبب دورهم في الحرب وقرب تطبيق «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي نهاية العام الماضي، الذي يعاقب أي جهة أو شخص بسبب المساهمة في إعمار سوريا. أيضاً، تستمر العزلة السياسية على دمشق وتغيب سفارات معظم الدول الغربية والعربية عنها.
أمام هذا الواقع، سارع كل طرف إلى «تسييس» الحرب على «كورونا». موسكو قادت مع بكين ودمشق حملة لرفع العقوبات عن دمشق. إلى الآن، لم تغث الصين سوريا بطائرة فيها معدات طبية كما فعلت مع إيطاليا. واشنطن ودول غربية بدأت حملة لإطلاق السجناء ووقف النار لـ«محاربة الوباء». أما الأمم المتحدة، فهي منقسمة. العاملون في دمشق يميلون إلى رأي الحكومة. يقودون حملة لـ«رفع العقوبات»، لكنهم لا يخوضون حواراً لدفع الحكومة كي تكون شفافية في التعاطي مع الوباء. عملياً، تدفع هذه المؤسسات إلى المساهمة في معالجة وباء غير موجود رسمياً. قبل أيام حصل اجتماع تنسيقي في دمشق لمؤسسات أممية، غاب عنه كبار المسؤولين السوريين. جرى تكرار المطالب نفسها، لكن من دون حوار يتضمن الوصول إلى ضمانات وتأكيدات بوصول المساعدات إلى جميع الأراضي السورية وقبول تقديمها عبر المعابر الحدودية، إضافة إلى شمول ذلك بإيصال المعدات عبر نقاط التماس إلى مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية الذي يضم 45 ألفاً ومناطق شمال غربي سوريا أو شمالها الشرقي، حيث يقيم ملايين السوريين معظمهم نازحون.
لكن ماذا عن الواقع الصحي في سوريا؟ حسب تقرير داخلي للأمم المتحدة وبحث أعده «برنامج أبحاث النزاعات» التابع لكلية لندن للاقتصاد الممول من الخارجية البريطانية، يمكن رسم الصورة الآتية:

- نقاط الدخول
تأثرت المعابر الحدودية بوضوح بتفشي الوباء، مع اتخاذ سوريا والدول المجاورة عدداً من الإجراءات الاحترازية. وأعلن عن وقف الرحلات الجوية إلى مطار دمشق الدولي، مع فرض إجراء حجر صحي إجباري على القادمين من دول بعينها. وأجرت وزارة الصحة فحصاً للعابرين من نقاط عبور برية ومطارات دمشق واللاذقية والقامشلي قبل إغلاقها.
ومنذ 26 يناير (كانون الثاني)، أعلنت الإدارة الذاتية عن إغلاق معبر فيشخابور- سيمالكا البري غير الرسمي أمام جميع صور حركة المرور غير الطارئة، مع استثناء يوم واحد في الأسبوع للحالات الإنسانية. وفي 23 مارس (آذار)، أعلنت الإدارة الذاتية إلغاء هذه التصاريح وإغلاق المعبر لأجل غير مسمى.
حالياً، غالبية الحدود البرية إلى داخل سوريا مغلقة، مع بعض الاستثناءات المحدودة (من الأردن وتركيا ولبنان)، أمام الشحنات التجارية وشحنات الإغاثة وحركة العاملين بالمجال الإنساني والمنظمات الدولية.
وأفادت الأمم المتحدة بفرض بعض القيود على نقاط العبور داخل سوريا، بما في ذلك نقطتا الطبقة والتايهة شمال شرقي البلاد، حيث تنتشر فرق طبية لإجراء عمليات مسح ويجري فرض قيود على حركة المدنيين والسلع والشاحنات. وذكرت تقارير عن تقييد حركة الدخول والخروج في تل عبيد أمام التجار والعاملين بالمجال الإنساني والإداري. وأغلقت نقطة عبور شانان في الرقة، وكذلك أبو زندان وعون أدات (شمال ريف منبج). ورغم التوجيهات الرسمية، وردت أنباء عن بعض الحركة العشوائية حول بعض نقاط العبور، حسب تقرير أممي.

- صورة عامة وذعر
هناك ذعر بدرجات مختلفة وإقبال على شراء الحاجات في دمشق وإدلب والقامشلي. داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، يجري توفير أكثر السلع الأساسية من جانب عدد محدود للغاية من الهياكل الاحتكارية ذات الصلة بمؤسسات حكومية. ويجري دعم أكثر السلع الأساسية وإتاحتها فقط من خلال تلك المنافذ. هناك صفوف من المواطنين في كل مكان للحصول على الحاجات الأساسية، بينما تبدو الأسواق مرهقة. وتسود حالة حادة من الذعر مع إسراع الجميع لشراء وتخزين الإمدادات. ويحمل هذا الأمر صعوبة بالغة نظراً لأن غالبية الأفراد يعيشون على دخل يومي.
ولا يقف وراء حالة الذعر تلك غياب المعلومات، وإنما حقيقة أن الناس ليس أمامهم خيار آخر. في الشوارع، تبدو الحركة طبيعية، لكن المتاجر أغلقت أبوابها جبراً. والمؤكد أن الاستمرار على هذا النحو سيخلق تداعيات اقتصادية بالغة الخطورة، خصوصاً أن معدلات الفقر في سوريا تفوق 80 في المائة.
ارتفعت أسعار الخبز في سوريا كغيره من الحاجات. وحدث نقص في سلع أساسية (بنسب تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة) وكذلك في أدوات التعقيم والحماية الشخصية؛ مثل أقنعة الوجه والقفازات ومطهر اليدين التي ارتفعت أسعارها بنسب بلغت 5000 في المائة.
تشير تقديرات بعض المصادر إلى أنه في سوريا بأكملها فقط 12 ألف سرير في المستشفيات. ووصل إلى دمشق منذ يومين ألف جهاز اختبار، لكن لا تتشارك الحكومة معلوماتها مع أي جهة حتى الآن. وأكدت مصادر في دمشق أنه «لم يجرِ تخصيص أي موارد لمكافحة كورونا بسبب معاناة الموازنة من الإفلاس». وترفض الحكومة إشراك المؤسسات الدولية في جمع المعلومات وإحصاءات أعداد العاملين بالمجال الصحي. وفي الوقت ذاته، فإن الأشخاص الذين يعانون أعراض الفيروس يخشون الذهاب إلى المستشفيات. وبالتأكيد، يحمل هذا المستوى من الخوف تداعيات خطيرة على صعيد أعمال العنف والتصعيد.
يتوقع خبراء دوليون في دمشق أن يصل الوباء إلى ذروته داخل سوريا في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران). لكن حالياً، يجري الحديث عن الالتهاب الرئوي، وليس «كورونا»، تجنباً لإثارة مسألة الاستجابة الحكومية. وتفرض الحكومة حظر تجول جزئياً، لأنه في حال تسبب الفيروس في سقوط المئات أو الآلاف من الوفيات، فإن هناك قلقاً في دمشق من «منعكسات ذلك على الاستقرار للافتقار إلى القدرة على الاستجابة جراء تداعي منظومة الرعاية الصحية والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المروعة التي سيخلفها الوباء، في وقت أصبحت فيه قدرة البلاد على تحمل أي ضغوط إضافية محدودة للغاية»، حسب مسؤول غربي في دمشق.
يقول «مركز أبحاث النزاعات» إن العدد الأقصى لحالات الإصابة بالفيروس التي يمكن خضوعها للعلاج بصورة في سوريا يصل إلى 6500 حالة. ويضيف: «بمجرد تجاوز عدد الحالات المسجلة الحد المذكور البالغ 6500 حالة، من المتوقع انهيار نظام الرعاية الصحية مع الحاجة اللازمة لاتخاذ القرارات الترشيدية، مع توقعات بارتفاع المعدل الإجمالي للوفيات بما لا يقل عن نسبة 5 في المائة بين الحالات المصابة».
يضاف إلى ذلك، وجود نقص كبير في الوعي العام بمخاطر الفيروس، مع نقص كبير موازٍ في الموارد، وتدهور واضح ومستمر في الأوضاع العامة، الأمر الذي يجعلها معرضة وبشدة لمخاطر تفشي الوباء الفتاك على نطاق كبير تتعذر مواجهته أو تحمله.

- مناطق الحكومة
فرضت الحكومة مجموعة من الإجراءات الوقائية. في 24 مارس، أعلنت فرض حظر تجول ليلي بحلول مساء اليوم التالي. وأعلنت إغلاق جميع المدارس والجامعات والمعاهد حتى 2 أبريل (نيسان) 2020 على الأقل. كما جرى تعليق صلاة الجمعة والتجمعات داخل المساجد وجميع الفعاليات والتجمعات الكبرى وإغلاق جميع المطاعم والمقاهي والأندية الليلية والأندية الرياضية والثقافية. وقلصت مكاتب القطاع العام ساعات العمل بها وفرضت الحكومة تقليص قوة العمل الموجودة بالمكاتب إلى 40 في المائة.
في 22 مارس، أطلقت الحكومة السورية حملة تعقيم في المدارس والسجون والأماكن العامة، مثل المتنزهات ووسائل النقل العام بالمدن الكبرى والسفن التي ترسو بالموانئ. وجرى إرجاء الانتخابات البرلمانية من 13 أبريل حتى 20 مايو. وفرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول على المواطنين، بجانب إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد.
وأعلنت دمشق عن 5 حالات إصابة مؤكدة فقط بـ«كورونا». لكن كثيراً من المؤشرات يوحي بأن الفيروس أكثر انتشاراً من ذلك بكثير داخل البلاد قياساً إلى الأوضاع في الدول المجاورة يشارك بعضها في العمليات العسكرية في سوريا. وقال المركز: «تواجه إيران تفاقماً كارثياً في أعداد حالات الإصابة بالفيروس، في وقت تشارك فيه بقوات عسكرية في سوريا. حتى وقت قريب للغاية كان الآلاف يتحركون ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق عبر مطار دمشق أو عبر قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، خصوصاً في دير الزور الواقعة شرق البلاد، قرب الحدود مع العراق». ولوحظ أن دمشق قررت قبل أيام وضع أكثر من 100 شخص بالحجر الصحي بعد وصولهم من طهران.
الإعلان عن وجود إصابات أخذ منحى تدرجياً. في البداية اتخذت دمشق الإجراءات الوقائية قبل الإعلان عن إصابات. وكان لافتاً أنه بالتزامن مع نفي دمشق وجود مصابين أعلنت باكستان بداية الشهر، أن 7 أشخاص قادمين من سوريا تأكدت إصابتهم بالفيروس. وفي 24 مارس، أعلنت بغداد عن حالتي إصابة لشخصين جاءا من سوريا. وقال «مركز أبحاث النزاعات»: «هناك أدلة شفهية مهمة من داخل مناطق تخضع للسيطرة الحكومية حول وجود أفراد تظهر عليهم أعراض حادة للفيروس بعضهم توفي بالفعل. وهناك ارتفاع حاد في الوفيات الناجمة عن عدوى رئوية والالتهاب الرئوي بين مرضى تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، ظاهرة قائمة عبر أرجاء مختلفة من البلاد». ونقل عن شخصين في «مستشفى المجتهد» في دمشق أنهما تلقيا «أوامر شفهية» من ضباط بالاستخبارات بدفن هذه القصص مع الموتى وعدم دق أي أجراس خطر» عبر وسائل الإعلام.

- مخيمات ولاجئون
هناك 71 ألف شخص لا يزالون مشردين بلا مأوى في شمال شرقي البلاد و15 ألفاً موزعون في مآوٍ جماعية، إضافة إلى مائة ألف يعيشون في 4 مخيمات للإيواء. وبالتنسيق مع الجهات الصحية، وضعت منظمة الصحة العالمية خطة للتوعية بمخاطر «كورونا» في المخيمات والملاجئ الجماعية. وجرى توزيع مواد المعلومات، والتعليم والاتصالات ذات الصلة بتعزيز النظافة الشخصية على نطاق واسع داخل المخيمات والمرافق المدعومة، وتم تقاسمها مع السلطات بغية تعميمها على نطاق أوسع. كما جرى توسيع نطاق التعزيز والتوعية بشأن النظافة العامة داخل المخيمات.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت من أن مئات آلاف الأشخاص في شمال شرقي سوريا يواجهون مخاطر متزايدة بالإصابة بـ«كورونا» بسبب انقطاع إمدادات المياه.
ومنذ عدة أيام، أوقفت محطة مياه العلوك لإمدادات المياه في رأس العين، المدينة الواقعة على الحدود السورية - التركية والخاضعة لسيطرة تركيا وفصائل سورية مدعومة من أنقرة، ضخ المياه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية السورية. وأكد «المرصد» أن انقطاع المياه قررته تركيا.
وتؤمن محطة العلوك المياه لنحو 460 ألف نسمة، بينهم سكان مدينة الحسكة ومخيم الهول للنازحين، حيث يقيم الآلاف من عائلات عناصر «داعش». وأسفرت ضغوط عن إعادة تشغيل المحطة. لكن الإدارة الكردية حذرت من أن المناطق الخاضعة لسيطرتها غير مجهزة بشكل كافٍ لمواجهة احتمال انتشار الوباء. وقال الجنرال مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، إن «خطر انتشار الفيروس لدينا وارد جداً. لهذا قامت الإدارة باتخاذ عدة إجراءات مهمة من أجل مكافحة انتشار هذا الفيروس»، داعياً السكان إلى عزل أنفسهم في المنازل.

- «الكارثة الحقيقية»
للوضع الإنساني في «مثلث الشمال» في إدلب وبين أرياف حماة وحلب واللاذقية، حالة خاصة، بسبب الاكتظاظ البشري، حيث يقيم 3.5 مليون سوري معظمهم نازحون، وكان مسرحاً للعمليات العسكرية قبل وقف النار بموجب تفاهم روسي - تركي، إضافة إلى وجود تنظيمات مدرجة على قائمة مجلس الأمن بأنها «إرهابية».
منذ بداية العام، نزح أكثر من مليون مدني وهناك 60 ألفاً يعيشون في الحقول المفتوحة والمدارس والمساجد. وجرى إغلاق 62 منشأة صحية على مدار الشهرين الماضيين. كما فقد كثير من عمال الرعاية الصحية حياتهم أو أجبروا على الفرار خشية على أعمارهم. ونتيجة لذلك، لا يوجد في هذه المناطق أكثر من 166 طبيباً و64 منشأة صحية، من الذين يعملون بالحد الأدنى من البنية التحتية الممكنة بقدرات متدنية للغاية، حسب «برنامج أبحاث النزاعات». وقال أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط: «بدأ اختبار الحالات المُشتبه في إصابتهم بالفيروس في شمال غربي سوريا منذ يومين بعد وصول شحنة من 300 اختبار إلى أحد شركاء المنظمة. وسيصل 600 اختبار إضافي إلى المختبر في إدلب، ومن المقرر وصول شحنة من 5000 اختبار إلى مدينة إدلب الأسبوع المقبل. وتم توزيع معدات الوقاية الشخصية بالفعل على 21 مرفق رعاية صحية، كما تم شحن معدات وقاية شخصية إضافية للعاملين الصحيين في مدينتي إدلب وحلب هذا الأسبوع».
وتعاني المنظمات الصحية السورية غير الحكومية مع مديرية الصحة في إدلب من نقص مزمن في عدد الموظفين مع قلة التمويل. وقال الدكتور منذر خليل، رئيس المديرية الصحية في إدلب، إن «احتمالات تفشي فيروس كورونا مرتفعة للغاية» وسط مخاوف من كارثة. وحذر خليل من صعوبة أن تعمل خطة الاستجابة الطارئة بفاعلية كاملة في غياب الدعم الكامل من الجهات المانحة الدولية، وذلك بسبب تدهور قدرة المرافق الصحية الوطنية، ونقص الممرضين المدربين، ونقص وحدات العناية المركزة والتعطل المستمر لشبكات المياه والكهرباء، والحركة المستمرة للمواطنين النازحين داخلياً، مع عدم قدرة كثير من الناس على التكيف مع الضغوط الاقتصادية الناشئة عن العزل الذاتي مع تعليق الأنشطة الاقتصادية.
وتنظر منظمات المجتمع المدني في شراء أطقم الاختبار من الأسواق التركية، نظراً لانعدام الثقة مع دمشق. ودشنت حملات توعية مع تطوير كثير من استراتيجيات الاستجابة الأخرى التي تستكمل جهود مديرية الصحة في إدلب والمنظمات الصحية غير الحكومية الأخرى حيال مكافحة الوباء. كما قام عناصر «الدفاع المدني» بتعقيم مخيمات وأماكن مدمرة مستفيدين من وقف النار الذي قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة دمشق التقى خلال الرئيس بشار الأسد لتأكيد تثبيتها حالياً.


مقالات ذات صلة

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

صحتك سجَّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة «كورونا» في أوروبا إذ حصد «كوفيد-19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

يتوقع خبراء استمرار «كوفيد-19» في 2026، مع هيمنة متحوِّرات «أوميكرون» وأعراض مألوفة، محذِّرين من التهاون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك فيروس «كورونا» تسبب في وفيات بالملايين حول العالم (رويترز)

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

كشفت دراسة طبية مصرية عن نجاح دواء يستخدم في علاج مرضى فيروس (التهاب الكبدي الوبائي سي) في الحد من مضاعفات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» المعروف بـ«كورونا»

نصري عصمت (لندن)
أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

أعاد الاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين الذي أُبرم في العاصمة العُمانية مسقط، برعاية أممية، ملف الأسرى والمختطفين إلى صدارة المشهد، مثيراً موجة من التفاؤل الحذر بين اليمنيين، في ظل آمال واسعة بأن يضع حداً لمعاناة آلاف الأسر التي تنتظر منذ سنوات عودة ذويها من السجون ومراكز الاحتجاز.

ويشمل الاتفاق الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف لدى طرفي الصراع، في خطوة وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، وتتقدمها قضية السياسي البارز محمد قحطان، المشمول بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، ما منح الاتفاق بُعداً سياسياً وإنسانياً في آن واحد، ورفع سقف التوقعات بشأن إمكانية تحويله إلى مدخل لإجراءات بناء ثقة أوسع.

وفي هذا السياق، استقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الخميس، رشاد العليمي، الوفد الحكومي المفاوض المعني بملف المحتجزين، برئاسة عضو مجلس الشورى هادي هيج، حيث استمع إلى إحاطة حول نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الجماعة الحوثية، والمسار الذي قاد إلى توقيع الاتفاق في مسقط.

العليمي يستقبل في الرياض الوفد الحكومي المفاوض بخصوص الأسرى والمحتجزين (سبأ)

وأشاد العليمي بنتائج المفاوضات، عادّاً أن الاتفاق يمثل خطوة إنسانية مهمة، من شأنها التخفيف من معاناة آلاف الأسر اليمنية التي عاشت لسنوات على وقع الغياب والانتظار.

وأكد أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يضعان ملف المحتجزين وحماية المدنيين ولمّ شمل الأسر ضمن أولويات ثابتة، بوصفها مسؤولية أخلاقية ووطنية لا تقبل المساومة.

كما ثمّن الجهود التي بذلها الفريق الحكومي المفاوض، والدور الذي لعبته السعودية وعمان، إلى جانب الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكداً أن هذه المساعي أسهمت في كسر جمود أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية.

وشدّد رئيس مجلس القيادة اليمني على أن الحكومة لن تدخر جهداً في سبيل الإفراج عن جميع المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً في سجون الحوثيين، داعياً إلى الالتزام بقاعدة «الكل مقابل الكل» دون انتقائية أو شروط، ومطالباً المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط لضمان تنفيذ الاتفاق، وإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بالقوة.

بين الأمل والشك

أثار الإعلان عن الاتفاق حالة من التفاؤل الحذر في أوساط سكان العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى، الذين أنهكتهم سنوات الحرب والانقلاب، وما خلّفته من أزمات إنسانية متفاقمة، يتصدرها ملف المحتجزين.

ويرى سكان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن الاتفاق، في حال تنفيذه الكامل دون عراقيل أو تمييز، قد يخفف من معاناة آلاف الأسر، مؤكدين أن ملف الأسرى يُعد من أكثر الملفات إيلاماً في الصراع، حيث لا تكاد تخلو أسرة من قصة احتجاز أو اختفاء قسري.

أسرى يمنيون أفرج عنهم سابقاً على متن طائرة دولية في مطار مأرب (رويترز)

ويقول سامي (اسم مستعار)، وهو عامل بالأجر اليومي من حي مذبح بصنعاء، إن الاتفاق يُنظر إليه بعيداً عن الحسابات السياسية، بوصفه «فرصة حقيقية لعودة آباء وإخوة وأبناء غابوا عن أسرهم لسنوات». لكنه في الوقت ذاته يُبدي تشككه في مدى التزام الجماعة الحوثية، في ظل تجارب سابقة لم تُنفذ كما أُعلن عنها.

من جانبه، يؤكد «أبو عبد الله»، وهو مدرس حكومي في ريف صنعاء، أن أي خطوة تعيد إنساناً إلى عائلته «تستحق الترحيب والدعم»، معبّراً عن أمله في أن يكون الاتفاق بداية لمعالجة بقية الملفات الإنسانية العالقة، وفي مقدمتها رواتب الموظفين وفتح الطرقات.

أسر تنتظر

تعكس شهادات ذوي المحتجزين في صنعاء مشاعر مختلطة بين الأمل والخوف من تكرار خيبات سابقة. تقول أم خالد، والدة أحد المحتجزين منذ تسعة أعوام، إن الأسر «سمعت كثيراً عن اتفاقات لم ترَ النور»، مطالبة بضمانات أممية حقيقية تضمن تنفيذ ما تم التوافق عليه.

أما سامية، زوجة أحد المحتجزين، فتشير إلى أن المعاناة لا تقتصر على غياب المعيل، بل تمتد إلى ضغوط نفسية واقتصادية قاسية، مؤكدة أن الأطفال «كبروا وهم محرومون من آبائهم»، وأن الأسر لم تعد تحتمل مزيداً من الوعود.

اجتماع يمني سابق في عمان بشأن الأسرى والمعتقلين (الأمم المتحدة)

ويرى مراقبون أن اتفاق مسقط جاء في ظل ضغوط دولية كبيرة لدفع الأطراف اليمنية نحو خطوات بناء ثقة، في وقت لا يزال فيه المسار السياسي الشامل متعثراً.

ويجمع المراقبون الحقوقيون على أن نجاح الاتفاق قد يخفف من حدة التوتر، ويفتح نافذة أمل في جدار الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من أحد عشر عاماً، شرط أن يُترجم الاتفاق إلى أفعال لا بيانات.


الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «الخروج السلس والعاجل للانتقالي»

لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
TT

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «الخروج السلس والعاجل للانتقالي»

لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

على وقع الإجراءات الأحادية لقوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» في المحافظات الشرقية لليمن، جاء البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، الخميس، ليُشكل نقطة ارتكاز حاسمة في مسار احتواء التصعيد، وتثبيت مرجعية الدولة اليمنية، وحماية مركزها القانوني؛ حيث حدّد مسار التهدئة بانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة وتسليم المواقع لقوات «درع الوطن».

البيان السعودي، الذي حظي بترحيب من رئيس «مجلس القيادة الرئاسي» الدكتور رشاد العليمي والحكومة اليمنية، وضع إطاراً عملياً لمعالجة الأزمة، مستنداً إلى الشراكة مع الإمارات في «تحالف دعم الشرعية»، وإلى مرجعيات اتفاق الرياض، وإعلان نقل السلطة، مع تأكيده أن أي معالجة لـ«القضية الجنوبية» لا يمكن أن تتم خارج الحل السياسي الشامل، أو عبر فرض أمر واقع بالقوة.

أكدت السعودية في بيانها دعمها الكامل لرئيس «مجلس القيادة الرئاسي» وأعضاء المجلس والحكومة اليمنية، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والسلام في اليمن، مشددة على أن التحركات العسكرية التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة تمت بشكل أحادي ودون موافقة «مجلس القيادة الرئاسي» أو التنسيق مع قيادة التحالف، الأمر الذي أدّى إلى تصعيد غير مبرر أضر بمصالح الشعب اليمني، وبالقضية الجنوبية نفسها، وبجهود التحالف العربي.

موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» خلال حشد في مدينة عدن (رويترز)

وأوضحت وزارة الخارجية السعودية أن المملكة آثرت خلال الفترة الماضية التركيز على وحدة الصف، وبذل كل الجهود للتوصل إلى حلول سلمية لمعالجة الأوضاع في المحافظتين، في إطار حرصها على تجنيب اليمن مزيداً من التوترات التي قد تنعكس سلباً على مسار السلام الهش.

وفي هذا السياق، كشفت الرياض عن تحرك عملي لاحتواء الموقف، من خلال العمل المشترك مع الإمارات، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية؛ حيث جرى إرسال فريق عسكري مشترك سعودي-إماراتي إلى عدن، لوضع الترتيبات اللازمة مع «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بما يضمن عودة قواته إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وشدّد البيان على أن الجهود متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، مع التعويل على تغليب المصلحة العامة، ومبادرة المجلس الانتقالي بإنهاء التصعيد والخروج السلس والعاجل من حضرموت والمهرة، بما يحفظ السلم المجتمعي، ويمنع الانزلاق نحو مسارات غير محسوبة.

ترحيب رئاسي وحكومي

وجدد العليمي في تدوينة على منصة «إكس» تقديره العالي للموقف الأخوي للسعودية، قيادةً وحكومةً وشعباً، إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية، مشيداً بجهودها الصادقة لخفض التصعيد في المحافظات الشرقية، وحماية المركز القانوني للدولة.

وأكّد العليمي التزام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بالشراكة الوثيقة مع السعودية على مختلف المستويات، والعمل المشترك لتوحيد الصف الوطني، بما يُحقق تطلعات اليمنيين في استعادة مؤسسات الدولة، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام.

جنود موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي» في اليمن يحرسون محيط القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

من جانبها، رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان السعودي، وعدّته موقفاً واضحاً ومسؤولاً إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة، مثمنة الدور القيادي الذي تضطلع به المملكة، بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لدعم مسار التهدئة ومعالجة الأوضاع بروح الشراكة والمسؤولية.

وأكدت الحكومة اليمنية أن استقرار حضرموت والمهرة، وسلامة نسيجهما الاجتماعي، يُمثلان أولوية وطنية قصوى، محذرة من أن أي تحركات أمنية أو عسكرية خارج الأطر الدستورية والمؤسسية، ودون تنسيق مع مجلس القيادة والحكومة والسلطات المحلية، تشكل عامل توتير مرفوضاً، وتحمّل البلاد أعباء إضافية في ظرف بالغ الحساسية.

إجماع حزبي

في موازاة المواقف الرسمية، أصدرت الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية بياناً مشتركاً استنكرت فيه الخطوات التصعيدية الخطيرة، سواء من قبل «المجلس الانتقالي الجنوبي» أو من بعض الوزراء والمحافظين الذين أعلنوا تأييدهم للإجراءات الأحادية، عادّة ذلك خروجاً صريحاً على الشرعية الدستورية، وإعلان نقل السلطة، ومرجعيات الحل السياسي المتوافق عليها وطنياً ودولياً.

وأكدت الأحزاب أن فرض مشروع سياسي بالقوة، وتقويض سلطة الدولة، يُمثل نكوصاً خطيراً عن الوفاق الوطني، وضرباً لأسس الشراكة، وإضعافاً مباشراً لوحدة القرار السيادي، ويمنح جماعة الحوثي فرصاً إضافية لإطالة أمد الحرب وتعقيد مسار السلام.

قوات تابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» في منطقة جبلية بمحافظة أبين (رويترز)

وأشادت الأحزاب بالموقف السعودي الداعم للشرعية الدستورية ووحدة اليمن أرضاً وإنساناً، وبجهود المملكة لمنع الفوضى في المحافظات الشرقية، كما رحّبت ببيان مجلس الأمن الدولي الذي دعا إلى خفض التصعيد، وبموقف الاتحاد الأوروبي الداعم لوحدة اليمن وسيادته.

على المستوى الحزبي الفردي، أكّد حزب «المؤتمر الشعبي العام» -جناح الخارج- أن المرحلة الراهنة شديدة الحساسية، وتتطلب اصطفافاً وطنياً حقيقياً، محذّراً من أن أي خطوات انفرادية لفرض أمر واقع لا تخدم قضية الجنوب ولا معركة استعادة الدولة، بل تصب في مصلحة الانقلاب الحوثي، وتُهدد الأمن القومي العربي.

ودعا جناح الحزب في الخارج جميع الأطراف إلى التراجع عن الإجراءات الأحادية، وتغليب الحوار، ولمّ الشمل، وتوحيد الجهود لمواجهة العدو المشترك، مع تأكيد أن القضايا الوطنية لا تُحل بالقوة أو الإكراه، بل بالحوار والتوافق.

الحوثيون المدعومون من إيران يتربصون بالحكومة الشرعية والمناطق المحررة (إ.ب.أ)

بدوره، شدد «الحزب الاشتراكي اليمني» على تمسكه بوحدة الحكومة واتفاق الرياض، ورفضه أي إجراءات تقوض التوافق الوطني، محذّراً من أن الزج بالحكومة في حالة الاستقطاب السياسي سيقود إلى العجز والشلل، وينعكس سلباً على حياة المواطنين ومعيشتهم.

وأكد الحزب أن حكومة الشراكة الوطنية تُمثل المنجز الأبرز لاتفاق الرياض، وأن الحفاظ على وحدتها شرط أساسي لمواجهة التمرد الحوثي ومشروعات التفكيك، داعياً إلى إنهاء الاحتقان داخل مؤسسات الدولة، واستعادة وحدة القرار السياسي والعسكري.

ويجمع سياسيون يمنيون على أن الرسالة السعودية حملت توازناً دقيقاً بين دعم الشرعية، واحترام خصوصية القضية الجنوبية، والتحذير من الانزلاق نحو مسارات قد تعصف بالسلم المجتمعي، وتبدد ما تبقى من فرص السلام، في وقت لا تزال فيه البلاد تخوض معركة وجودية ضد الجماعة الحوثية والتنظيمات المتخاصمة معها.


العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
TT

العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)

يصوت سكان العاصمة الصومالية ​مقديشو اليوم الخميس في انتخابات بلدية تهدف إلى تمهيد الطريق لأول انتخابات وطنية مباشرة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا منذ أكثر من نصف قرن.

وباستثناء انتخابات منطقة بونتلاند شبه المستقلة ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، أجرى الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1969، قبل أشهر من سيطرة الجنرال محمد سياد بري على السلطة في انقلاب. وبعد سنوات من الحرب الأهلية التي أعقبت ‌سقوط بري ‌عام 1991، تم تبني طريقة الانتخابات غير ‌المباشرة ⁠عام ​2004. ‌وكان الهدف هو تعزيز التوافق بين القبائل المتنافسة في مواجهة حركةٍ مسلحة، على الرغم من أن بعض الصوماليين يرون أن السياسيين يفضلون الانتخابات غير المباشرة لأنها تتيح فرصا للفساد.

وبموجب هذا النظام، ينتخب ممثلون للقبائل أعضاء البرلمان، الذين يختارون بعد ذلك الرئيس. ويتولى الرئيس بدوره مسؤولية تعيين رئيس بلدية مقديشو. ويُنظر لانتخابات مقديشو، المدينة التي ⁠يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة والتي تحسنت الأوضاع الأمنية بها خلال السنوات القليلة ‌الماضية على الرغم من استمرار وقوع ‍هجمات يشنها مسلحو «حركة الشباب» ‍المرتبطة بتنظيم القاعدة، على أنها بمثابة اختبار قبل إجراء انتخابات ‍مباشرة على المستوى الوطني.

وقال عبد الشكور أبيب حير عضو لجنة الانتخابات الوطنية إن حوالي 1605 مرشحين سيتنافسون اليوم الخميس على 390 مقعدا بالمجالس المحلية بمقديشو. وسيختار هؤلاء الأعضاء بعد ذلك رئيسا للبلدية. وذكر حير لرويترز «هذا يظهر أن الصومال يقف على قدميه ويمضي قدما... وبعد الانتخابات المحلية، يمكن وسيتم إجراء الانتخابات في جميع ⁠أنحاء البلاد».

وأعاد قانون صدر عام 2024 حق الاقتراع العام قبل الانتخابات الاتحادية المتوقعة العام المقبل. ومع ذلك، توصل الرئيس حسن شيخ محمود في أغسطس آب إلى اتفاق مع بعض قادة المعارضة ينص على أنه بينما سيتم انتخاب النواب مباشرة في عام 2026، سيظل البرلمان هو من يختار الرئيس.

وتقول أحزاب معارضة إن الانتقال سريعا لتطبيق نظام انتخابي جديد من شأنه أن يعزز فرص إعادة انتخاب محمود. ويتساءلون كذلك عما إذا كانت البلاد آمنة بما يكفي لإجراء انتخابات شاملة نظرا لسيطرة حركة الشباب على مساحات شاسعة من المناطق ‌الريفية فضلا عن أنها تشن غارات بشكل متكرر على مناطق سكانية رئيسية.