بلديات لبنان خط الدفاع الأول في الأزمات

بتطوع وجهود أبنائها رغم الإمكانات المحدودة

بلديات لبنان خط الدفاع الأول في الأزمات
TT

بلديات لبنان خط الدفاع الأول في الأزمات

بلديات لبنان خط الدفاع الأول في الأزمات

تسعى بلديات لبنان لأن تكون خط الدفاع في مواجهة وباء «كورونا» رغم إمكاناتها وميزانياتها المحدودة، وتبذل جهوداً لافتة لا تقتصر فقط على تنفيذ قرارات الحكومة في حالة التعبئة العامة، إنما أيضاً عبر مبادرات خاصة تعتمد فيها على أبناء البلدة المتطوعين والمقتدرين مادياً.
وتقوم البلديات بمهام عدة أوكلت إليها، أهمها متابعة إجراءات مراقبة التزام السكان منازلهم ومنع التجمعات كما التشدد في مراقبة المؤسسات المستثناة من وقف العمل، كذلك سيكون لها دور في خطة الحكومة لتوزيع المساعدات على العائلات الفقيرة.
ويؤكد وزير الداخلية السابق زياد بارود أن دور البلديات يبرز في الأزمات على غرار الحرب الإسرائيلية التي شنت على لبنان عامي 1996 و2006. والآن في أزمة «كورونا». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «البلديات هي الشكل الوحيد للامركزية الإدارية في لبنان، وهي تتمتع بالاستقلال المادي والإداري بحيث إن كل عمل ذي منفعة عامة هو من اختصاص البلدية، إضافة إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها، لكن المشكلة تكمن في إمكانياتها المالية المحدودة، باستثناء بعض المدن على غرار مدينة بيروت».
ويوضح بارود: «في الأزمة الحالية بناء على حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة، تقوم البلديات بهذا الدور لأنها معنية مباشرة بها، خاصة أن البلدية وأعضاءها هم على تماس مع ناسها بشكل أكبر وأسرع، ومما لا شك فيه أن فعالية عملها تبقى رهن إمكاناتها أن من الناحية المادية أو من ناحية الجهاز البشري وعدده»، مضيفاً: «في أزمات كهذه يبقى التعويل على نخوة أبناء البلدات والمناطق وتطوع أبنائها لمساعدة بعضهم، ما يجعلهم يتحركون بشكل تلقائي».
ومع تشديده على ضرورة دعم البلديات بشكل أكبر ورفع ميزانياتها، يشير بارود إلى أن ميزانية البلديات تحدد في لبنان بين 5 و7 في المائة من إجمالي الإنفاق المحلي بينما تصل في دول أخرى إلى 27 في المائة». ويلفت إلى أن الضرائب والرسوم غير المباشرة تحصل عليها مما يعرف بالصندوق البلدي المستقل الممول بشكل أساسي من عائدات الخلوي، في شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام عن العام السابق، وهو ما لا يحصل في أحيان كثيرة، بحيث إن البلديات حتى الآن لم تحصل على مستحقاتها لعام 2018.
وتمثل طرابلس، التي سجل فيها عدم التزام عدد كبير من المحلات بقرار التعبئة العامة، نموذجاً عن الواقع الذي تعيشه المناطق والمهمة الملقاة على البلديات. ويقول رئيس بلديتها رياض يمق، لـ«الشرق الأوسط»: «المسؤولية علينا كبيرة وإمكانياتنا ضعيفة، خاصة في ظل الفقر المستشري في المدينة، حيث إن أكثر من 40 في المائة من أبنائها تحت خط الفقر، وهو ما جعل مهمتنا صعبة لإقفال المحلات والأسواق، ما أدى أيضاً إلى تدخل الجيش».
ويضيف يمق: «إقفال المدينة والعمل على التحضير للمرحلة المقبلة في حال تفشي الفيروس يحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة وتسهيلات من قبل الوزارات المعنية، على غرار تسهيل اقتراحنا لتخصيص فندق مهجور للحجر الصحي»، مشيراً كذلك إلى أنه لغاية الآن لم يتم الانتهاء من تجهيز مستشفى خاص لمصابي «كورونا».
ولفت يمق إلى جهود يقوم بها متطوعون من أبناء المدينة في مختلف المجالات للمساعدة في هذه المهمة، واستبق تنفيذ إجراءات وزارة الشؤون لمساعدة العائلات الفقيرة، بإعلانه تقديم مساعدات غذائية بقيمة 3 مليارات ليرة (نحو مليوني دولار) لأبناء المدينة للحد من خطر الفيروس، وأكد أن «المساعدات الغذائية ستصل إلى منازل أبناء المدينة، دون الحاجة إلى قدومهم إلى البلدية لتسجيل الأسماء، وذلك حفاظاً على سلامتهم».
وفيما يقول يمق إن البلدية بحاجة إلى أكثر من مائة مليار ليرة للقيام بما يُفترض أن تقوم به من مشاريع إنمائية في المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 850 ألف نسمة، يوضح: «تبلغ الأصول النقدية للبلدية لدى مصرف لبنان اليوم 76 مليار ليرة، وإذا احتسبنا الرواتب والمصاريف التشغيلية التي تبلغ 26 ملياراً والديون المطلوب تسديدها لاتحاد البلديات يبقى لنا فقط مليارا ليرة، وبالتالي مبادرتنا لمساعدة الفقراء بدفع 3 مليارات هي أقل مما نملك، ولا تكفي لأكثر من 20 يوماً».
ورغم هذه الإمكانات المحدودة، عمدت بعض البلديات إلى القيام بمبادرات خاصة ومميزة لا تقتصر على الدعم المالي والاجتماعي والصحي إنما تعدته إلى الترفيه لحث العائلات على البقاء في منازلها. مع العلم بأن الأحزاب في هذه الفترة، تلعب دوراً كما في كل الأزمات، عبر تقديم الحصص الغذائية أو المساعدات العينية والمادية، من خلال البلديات المحسوبة عليها سياسياً.
وفي الأيام الأولى لقرار التعبئة العامة، عمدت بعض البلديات إلى محاولة عزل بلداتها، وهو ما لاقى رفضاً رسمياً ليعود ويقتصر دورها على مراقبة الداخلين والخارجين إليها عبر حواجز أطلق عليها «حواجز محبة»، ويقوم عناصر شرطة البلدية بتعقيم السيارات وفحص حرارة المواطنين.
كذلك استبقت البلديات الحكومة في خطة مساعدة العائلات الفقيرة عبر مبادرات خاصة حيث بدأ أهالي المناطق يشكلون صندوقا خاصا من المقتدرين مادياً، فيما اختارت بلديات أخرى أن تلجأ إلى أساليب مغايرة لتحفيز العائلات على البقاء في منازلهم على غرار بلدية عالية، التي عمدت إلى بث الموسيقى في سيارات خاصة تجوب الشوارع والأحياء ثم استقدمت عازفين موسيقيين متطوعين جابوا بدورهم في الأحياء حيث كان تفاعل من قبل أبناء المنطقة من على الشرفات.


مقالات ذات صلة

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومرشحه لمنصب وزير الصحة روبرت كيندي يوم 23 أكتوبر الماضي (أ.ب)

ترمب يخطط للانسحاب مجدداً من «منظمة الصحة العالمية»

أفاد أعضاء في الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بأنه يدرس الانسحاب من «منظمة الصحة العالمية» في اليوم الأول لتوليه السلطة في 20 يناير.

هبة القدسي (واشنطن)

مصر: «رسوم» الجوال المستورد تُربك مستخدميه

مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)
مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)
TT

مصر: «رسوم» الجوال المستورد تُربك مستخدميه

مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)
مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)

تسببت رسوم فرضتها السلطات المصرية، على الجوالات المستوردة من الخارج، في حالة إرباك واسعة بين المصريين، الذين انتقدوا تحميلهم «أعباء إضافية»، وسط إصرار حكومي على تنفيذ القرار، بداية من يناير (كانون الثاني) الحالي، بداعي «تشجيع الصناعة المحلية».

وبموجب القرار الجديد، يُسمح للمسافرين بإدخال جوال شخصي واحد فقط، بينما يخضع أي جوال إضافي يتم إدخاله لرسوم جمركية بنسبة 38.5 في المائة من قيمته. وفي حال دخول الجوال من خلال الجمارك دون دفع الرسوم المقررة، يتلقى صاحب الجوال رسالة تطالبه بسداد الرسوم خلال 90 يوماً.

وإذا لم يتم السداد في الموعد المحدد، فسوف يتم وقف خدمة الاتصالات عن الجوال، كما تشير وزارة المالية المصرية.

ورغم المحاولات الحكومية المتكررة، عبر بيانات أو تصريحات رسمية، لتوضيح المعنيين بالقرار وطريقة الدفع، فإن تطبيق إلكتروني أطلقته «مصلحة الجمارك»، لتسجيل بيانات الأجهزة المحمولة المستوردة، تسبب في حالة إرباك واضحة بين المواطنين، بعدما اكتشف كثيرون أنهم يحملون جوالات عليها رسوم مستحقة بآلاف الجنيهات، وسط تساؤلات عن مصيرها.

وسعت وزارة المالية، وكذلك وزارة «الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات»، لتوضيح ذلك اللبس في بيان مشترك، الأربعاء، حيث أكد البيان أن المنظومة الجديدة تسري على الجوالات الجديدة المستوردة من الخارج، ولا تسري على التي سبق شراؤها من السوق المحلية، أو من الخارج، وتم تفعيلها قبل الأول من يناير 2025، حيث لا تطبق هذه المنظومة بأثر رجعي.

وترفض الحكومة المصرية وصف تلك الرسوم بالجديدة، مؤكدة أن «الرسوم والضريبة الجمركية من دون تغيير»، غير أنها حددت لكل مواطن يأتي من الخارج «إعفاء جوال واحد للاستخدام الشخصي لفترة انتقالية لمدة 3 أشهر لأول مرة»، وفقاً للبيان.

وبررت الحكومة المصرية العمل بالمنظومة الجديدة بداعي «تشجيع وتوطين صناعة الجوال في مصر»، في ظل «بدء عدد من الشركات الدولية تصنيع جوالات بمختلف أنواعها بالسوق المصرية»، وشدّدت على دعم جهود توفير جوالات محلية الصنع بجودة عالية، وأسعار تنافسية، ومحفزة للتصدير.

وأرجع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي، الأربعاء، تطبيق الرسوم على الجوالات المستوردة، إلى «شكوى 5 شركات دولية، تعمل على إنتاج أجهزة الجوالات في مصر، من عمليات التهريب»، التي وصفها بـ«الكبيرة».

ويصل إجمالي الطاقة الإنتاجية للشركات الأجنبية المصنعة للجوالات في مصر إلى نحو 11.5 مليون وحدة سنوياً، حسب إفادة من وزارة الاتصالات المصرية، في أغسطس (آب) الماضي.

ومع محاولة مواطنين استخدام تطبيق «تليفوني» الإلكتروني، الذي أطلقته مصلحة الجمارك المصرية، للاستعلام عن قيمة الرسوم المستحقة، اشتكى كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي من ارتفاع قيمة الرسوم، عادّين أنها «تتخطى أرباح الشركة المصنعة للجوال».

وانتقد مصريون تطبيق رسوم الجوالات المستوردة، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبات بوقفها، وتصدر هاشتاغ #اوقفو_قرار_ضريبه_المحمول صدارة «التريند» على موقع «إكس»، للمطالبة بوقف القرار.

وأبدى كثير من المصريين المغتربين انتقادهم لتلك الرسوم، كونهم أكثر المتضررين من القرار وفق قولهم، لافتين إلى أن كثيرين يمتلكون جوالين، أحدهما برقم مصري وآخر برقم الدولة التي يعيشون فيها، وهو ما يكبدهم أموالاً طائلة مع عودتهم.

وما زالت إجراءات فرض الرسوم على الجوالات المستوردة، «غير واضحة»، كما يشير سكرتير شعبة الاتصالات باتحاد الغرف التجارية المصرية، تامر محمد، الذي طالب الحكومة بتوضيح آليات تنفيذها حتى لا يُساء استخدامها.

وقال محمد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «غاية الحكومة المصرية من حوكمة سوق الجوالات (خطوة جيدة)، خاصة أن المستفيد الأكبر من تلك الخطوة، هي شركات تعمل بشكل منضبط»، لكنه أشار كذلك إلى «ضرورة شرح آلية تطبيق النظام الجديد والبدائل للمستخدمين».

وارتفعت واردات مصر من الجوالات بنسبة 31.4 في المائة، خلال الخمسة الأشهر الأولى من العام الماضي 2024، حيث سجلت 1.828 مليون دولار، مقابل 1.391 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023، حسب إفادة من «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر في أغسطس الماضي.

ومع شكاوى المستخدمين من تطبيق «تليفوني» التابع للجمارك، أقر نائب رئيس شعبة المحمول باتحاد الغرف التجارية، محمد الحداد، بوجود أخطاء في التطبيق، تتعلق بتلقي بعض المستخدمين رسائل برسوم على جوالات تم شراؤها من قبل، لكنه عدّها «طبيعية»، وأوضح: «هناك أخطاء سيتم تداركها، خصوصاً أن التطبيق يجري تفعيله لأول مرة في مصر».

ورغم ترحيبه بالمنظومة الجديدة، قال الحداد لـ«الشرق الأوسط»، إن «شركات تعاملت بشكل خاطئ مع القرار، وقامت برفع أسعار الجوالات بنسب تتراوح بين 5 و15 في المائة»، محذراً من أن هذه التصرفات «ستسهم في حالة ركود داخل السوق المحلية».