عدنان الزرفي... خرق جدار «الجيل الأول» من القيادات الشيعية

وسط الظروف الصعبة التي يعيشها العراق، كلّف عدنان الزرفي، محافظ النجف السابق، بتشكيل الحكومة العراقية. غير أن كل المؤشرات تبين أن التحديات التي تواجه الزرفي جدية. بل يرى كثيرون أن مهمته أشبه بـ«المهمة الانتحارية» في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد بسبب تردي أسعار النفط، والأزمة الصحية بسبب تفشي فيروس الكورونا، والخلل الأمني، ناهيك من الانقسام السياسي – وبالذات، داخل البيت الشيعي.

تولت دبابة أميركية ضخمة عصر التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 تحطيم تمثال الرئيس الأسبق صدام حسين في ساحة الفردوس بالعاصمة العراقية بغداد مؤذنة بإسقاط نظامه الذي استمر 35 سنة. غير أن تلك الدبابة باتت بعد 17 سنة من وصول معظم الطبقة السياسية على ظهرها، بمن فيهم رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، مصدر خوف وقلق للطبقة السياسية ذاتها. ثم إن الأفراح التي رافقت دخول الدبابات الأميركية إلى بغداد، آتية من الكويت عبر البصرة، كانت نظم معظمها قيادات المعارضة العراقية التي أقنعت الولايات المتحدة الأميركية بضرورة إسقاط نظام صدام حسين.
يومذاك جاء الإقناع على مراحل، بدءاً من عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، في تسعينات القرن الماضي، الذي وقّع «قانون تحرير العراق» ورصدت له واشنطن – في حينه - نحو 97 مليون دولار أميركي... وانتهاء بعهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.
في عهدي الرئيسين كلينتون وبوش الابن كانت الذريعة واحدة هي نزع أسلحة الدمار الشامل التي مارس النظام السابق سياسة الإنكار بشأنها، من دون أن يتعامل بشفافية مع فرق التفتيش الدولية التي تضاعفت مخاوفها بشأن امتلاكه لها أو بعضا منها.

بعد الدخول الأميركي

وفي أعقاب دخول الأميركان إلى بغداد ومعهم قادة المعارضة العراقية معهم، كان قد دخل العراق أيضاً عدد كبير من العراقيين من مستويات مختلفة. هؤلاء كانوا من معارضي الداخل حتى عام 1991 بعد حصول «الانتفاضة الشعبانية» التي تمكن صدام من القضاء عليها، فتوجهت أعداد من هؤلاء إلى معسكر رفحاء بالمملكة العربية السعودية، وتحوّلوا بعدها على مراحل إلى قارات العالم المختلفة.
كان من بين هؤلاء شاب من أبناء مدينة النجف اسمه عدنان الزرفي، يحمل شهادة في الفقه. كانت حصة الزرفي الولايات المتحدة الأميركية، قبل حصوله على شهادات أخرى من بينها شهادة بالأمن الوطني.
بعد عام 2003. وبالذات في أبريل من ذلك العام، عاد الزرفي مع من عاد من كبار قادة المعارضة ممن كانت لهم صولات وجولات في الإعلام والذين تشكل ما عرف بـ«مجلس الحكم» الانتقالي منهم ومن سواهم.

محافظ النجف

في الواقع، لم يكن الزرفي آنذاك سوى مترجم شاب، بمعنى أنه لم يكن ضمن القادة، ولا الصف الثاني وربما حتى الثالث. بيد أن هذا الشاب لفت الأنظار إليه بقوة، خصوصا، بعدما أصبح محافظا لواحدة من أهم المحافظات العراقية ذات الخصوصية الدينية وهي محافظة النجف، حيث مقر الحوزة الدينية ومقر إقامة أعلى مراجع الشيعة في العالم آية الله علي السيستاني.
الزرفي وبعد نجاحه اللافت في هذه المحافظة تمكن من انتزاع ولاية ثانية لها فيها ليواصل تقدمه فيما بعد حتى دخول الانتخابات البرلمانية. ومع أنه يملك كتلة سياسية اسمها «الوفاء» لكنه دخل في انتخابات عام 2018 ضمن تحالف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

الإزاحة الجيلية

ينتمي عدنان الزرفي إلى الجيل الثاني من القيادات الشيعية التي لم يتمكن أي منها من القفز إلى الموقع التنفيذي الأول في البلاد، أي منصب رئيس الوزراء الذي يرتبط به منصب ربما أخطر منه هو القائد العام للقوات المسلحة. فعلى مدى الأعوام الـ17 الماضية بقي قادة الجيل الأول يحتكرون هذا المنصب بدءاً من الدكتور إياد علاوي ووصولاً إلى عادل عبد المهدي، مرورا بكل من الدكتور إبراهيم الجعفري ونوري المالكي والدكتور حيدر العبادي. غير أن إشكالية مع الزرفي لا تكمن في كونه ينتمي إلى جيل ثان من زعامات الشيعة ربما لا يزال ينظر إليه على أنه غير مؤهل لتسلم الموقع الأول في البلاد، بل تكمن في التهمة التي ينظر بها قسم من تلك الزعامات إليه وهو كونه من وجهة نظره خيارا أميركيا. والمعروف أن هذا الموقع بات حصراً من حصة المكون الشيعي. وحقيقة الأمر لأنه في ظل الاصطفافات في المنطقة، وفي المقدمة منها الصراع الأميركي ـ الإيراني، فإن الزرفي - الذي كلفه رئيس الجمهورية برهم صالح بموجب الدستور - بدا وكأنه يمثل خرقاً للتوافقات الشيعية التي تبقى هي الحاكمة... بصرف النظر عن اصطدامها بالدستور والمُدد الحاكمة في تكليف رئيس وزراء.

سيرة ذاتية بأثر رجعي

حين ظهر الزرفي عام 2004. إلى جانب بول بريمر - الحاكم الأميركي للعراق آنذاك - بوصفه محافظا للنجف، ما كان يجرؤ أحد على القول إنه «مترجم جاء مع الأميركان»، حاله حال كل قادة المعارضة، بدءاً من أبرز نجوم خطها الأول ممن عينهم بريمر أعضاء في مجلس أطلق عليه تسمية «مجلس الحكم». ولكن، بالفعل، لم تكن له سوى صفة استشارية بالقياس إلى الصلاحيات المطلقة التي كان يتمتع بها الحاكم المدني.
ثم في أعقاب مغادرة بريمر العراق بعد سنة، كتب كتابه المعروف «عام قضيته في العراق» وتحدث كثيرا عن «مجلس الحكم» وأعضائه الخمسة والعشرين الذين تحمل غالبيتهم مسؤوليات كبيرة في العراق، بما فيها مناصب رئيس الجمهورية والوزراء والبرلمان.
غير أن بريمر لم يأت على ذكر القيادي - الشاب في حينه - عدنان الزرفي، الذي استمر يقضم بالمناصب متحليا بكفاءته وجسارته الشخصية، فبات محافظا للنجف ونائبا في البرلمان ومكلفا لرئاسة الوزراء.
المفارقة اللافتة أن ذم الزرفي بوصفه «مترجما للأميركان» ارتبط الآن بتكليفه من قبل الرئيس العراقي برهم صالح لتشكيل الحكومة، ولم يتطرق مناوئوه إلى هذه السيرة التي يعيدون فتحها الآن بأثر رجعي بعد أن اتضح أن الزرفي سيكون خيارا صعبا بالنسبة للقوى المناوئة له، لأنه بينما هم يرونه أميركي الهوى، يرى هو نفسه أنه خيار عراقي وكل أولوياته عراقية بدءاً من طريقة حفظ السيادة.

طريقة تكليف طبيعية

وفي لقاء عقده الزرفي خلال الأسبوع الماضي مع مجموعة من الإعلاميين، وحضرته «الشرق الأوسط»، تحدث الرجل بوضوح عن خياراته ومهامه المستقبلية في حال نالت حكومته الثقة داخل البرلمان. ومما قاله إن «طريقة تكليفي جاءت طبيعية كوني أحد المرشحين للمنصب، ومع نفاد المهلة الدستورية المقررة لاختيار مكلف لتشكيل الحكومة، ولم تكن عبر صفقة بأي شكل من الأشكال مع الرئيس برهم صالح».
وأضاف الزرفي أن «طريقة التكليف طبيعية جداً، خصوصاً، أن رئيس الجمهورية استنفد كل الطرق التي يمكن اتباعها؛ سواءً التزامه المهلة الدستورية، أو طلبه من الكتل السياسية المعنية بالأمر حسم الأمر قبل يوم من نهاية المهلة، فضلاً عن توجيه استفسار إلى المحكمة الاتحادية».
وحول ما يقال عن أنه خيار أميركي للمنصب، أكد الزرفي «إنني خيار عراقي أولاً وآخراً، وإن كون المرء اضطر في فترة من حياته، حين ضاقت السجون والمعتقلات في زمن النظام السابق، للذهاب مجبراً إلى هذا البلد أو ذاك، من ضمنها الولايات المتحدة، ليصبح أميركياً، فإن هذا منطق لا يقبله العقل».

علاقات متوازنة

وأوضح الرئيس المكلّف أن «ما يهمني بالدرجة الأساس هو بناء علاقات متوازنة مع جميع دول المنطقة؛ سواءً كانت عربية حيث إن محيط العراق عربي، أو إسلامية حيث إن محيط العراق إسلامي أيضاً، بالإضافة إلى إقامة علاقات دولة متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية على قاعدة المصالح المشتركة مع أولوية لمصالحنا الوطنية».
وبشأن خياراته في تشكيل الحكومة المقبلة في ظل العديد من الأزمات؛ من بينها أزمة علاقته مع شركائه في البيت الشيعي، قال الزرفي إنه «بدأ أمس مشاوراته لتشكيل الحكومة»، مؤكداً على أهمية «أن يشارك فيها الجميع».
وأشار إلى أن الحكومة العتيدة «فضلاً عن كونها حكومة أزمة، نظراً لطبيعة التحديات التي تواجهها والتي تتطلب مشاركة الجميع فيها، فإن مهمتها سوف تكون لسنة فقط يتم خلالها الإعداد لإجراء انتخابات مبكرة».
كذلك أكد الزرفي أن «قرار إجراء الانتخابات المبكرة ليس قراراً حكومياً فقط؛ بقدر ما هو قرار سياسي يتعلق بطبيعة استعدادات الكتل والقوى السياسية لإجراء مثل هذه الانتخابات، وبالتالي فإنه في حال طلبت مني الكتل السياسية في حال مضيت في تشكيل الحكومة إجراءها في غضون 3 أشهر، فإنني سوف أكون مستعداً لذلك».
وتابع فأوضح أنه «بصرف النظر عن المواقف، فإنني لن أمضي إلا بتوافق جميع الأطراف والمكونات، لأنني أريد حكومة يشارك فيها الجميع»، كاشفاً عن «استمرار اتصالاته مع مختلف الأطراف؛ بما فيها الأطراف التي لا تزال تتحفظ على اختياره».
وبشأن البرنامج الحكومي الذي سيطرحه الزرفي على القوى السياسية، أشار إلى أن «برنامجي الحكومي مختصر طبقاً للتحديات الأساسية التي نواجهها الآن، وهو التحدي الخارجي؛ بما في ذلك مجلس الأمن والتحالف الدولي، حيث إن الموقف من العراق يبدو سلبياً، وربما نتعرض إلى عقوبات ما لم نأخذ ذلك بنظر الاعتبار». وأردف «أما التحدي الثاني» الذي عدّه الزرفي مهماً خلال المرحلة المقبلة، فهو «الاحتجاجات الجماهيرية التي يجب التعامل معها بوصفها أولوية من أولويات عملنا، لا سيما أن المطلب الأساس للمتظاهرين هو إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يجب العمل عليه، علماً بأن التظاهرات كانت عراقية خالصة، ولم تكن حزبية أو مسيّسة. وبالتالي لا بد من الارتفاع إلى مستوى ما مثلته من تحدٍّ لنا جميعاً كطبقة سياسية ومجتمع». ومن ثم، بيّن أن «من بين ما يجب القيام به على صعيد التظاهرات هو التعامل بجدية مع ملف قتل المتظاهرين واختطافهم؛ حيث لا يمكن التغاضي عن ذلك تحت أي ذريعة».