الحكومة العراقية المقبلة... «العين بصيرة واليد قصيرة»

الحكومة العراقية المقبلة... «العين بصيرة واليد قصيرة»
TT

الحكومة العراقية المقبلة... «العين بصيرة واليد قصيرة»

الحكومة العراقية المقبلة... «العين بصيرة واليد قصيرة»

في وقت تزداد الأوضاع المالية والصحية تعقيدا فإن ملف تشكيل الحكومة العراقية المقبلة يزداد تعقيدا هو الآخر. فبعد فشل المكلف السابق محمد توفيق علاوي في تشكيل حكومته عادت الكرة ثانية إلى ملعب البيت الشيعي المكلف باختيار المرشح لمنصب رئاسة الوزراء. البيت الشيعي، بالمناسبة، انقسم على نفسه حتى بعد تشكيل حكومة عادل عبد المهدي الذي استقال أواخر العام الماضي (2019). وبينما انتقلت الحكومة إلى ما يسمى «تصريف الأعمال» بانتظار تشكيل حكومة جديدة فإن الكتل السياسية الشيعية لم تتمكن من الاتفاق على مرشح متوافق عليه بسبب خلافات عميقة بين أطرافها.
وفي ظل استمرار الخلافات ونفاد المهلة الدستورية الأولى، جرى الاتفاق بصورة بدت غامضة على الوزير السابق للاتصالات محمد توفيق علاوي. غير أن علاوي أخفق، حتى بعد تسميته كابينة حكومية من 22 وزيراً، في إقناع الكتل البرلمانية بتمريرها رغم عقد جلستين غير مكتملتي النصاب للبرلمان.
بعد إخفاق علاوي عادت الكرة ثانية إلى ملعب رئيس الجمهورية الذي يمنحه الدستور حق اختيار مكلف بعد مرور 15 يوما في حال لم تتوافق الكتل السياسية، لا سيما في ظل غياب «الكتلة النيابية الأكثر عددا» طبقا للمادة 76 من الدستور. وبالفعل لم تتمكن الكتل الشيعية الرئيسية من الاتفاق على مرشح معيّن رغم طرحها عشرات الأسماء كان من بينها اسم عدنان الزرفي، محافظ النجف الأسبق والنائب الحالي في البرلمان العراقي عن «ائتلاف النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
وبالتالي، طالب الرئيس العراقي برهم صالح، قبل يوم من نهاية المهلة الدستورية الثانية، الكتل المعنية بالترشيح حسم خيارها النهائي وإلا فإن البلد سيدخل في الخرق الدستوري. ومن ثم ذهب الرئيس إلى ما هو أبعد من ذلك حين فاتح المحكمة الاتحادية حول ما إذا كان يحق له اختيار مكلف طبقا لصلاحية دستورية أتاحها له الدستور في حال تعذّر الوصول إلى مرشح من قبل الكتلة المعنية.
وبالفعل تعذّر التوافق على اسم معين بسبب استمرار الخلافات بين الكتل المكونة للبيت الشيعي وهي: «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر و«الفتح» بزعامة هادي العامري و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي و«الحكمة» بزعامة عمار الحكيم و«النصر» بزعامة حيدر العبادي وكتل أخرى صغيرة.
في هذه الأثناء، وفي مشهد أمام وسائل الإعلام وبحضور عشرات النواب، جرى تكليف عدنان الزرفي لهذا المنصب. ومع أن التحديات التي تواجه الرجل ليست قليلة إلى الحد الذي تبدو فيه هذه المهمة أشبه بالمهمة الانتحارية بسبب الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها العراق بسبب تردي أسعار النفط والأزمة الصحية بسبب تفشي فيروس كورونا، فضلا عن مهمته الأساسية وهي إجراء انتخابات مبكرة في ظل هذا الواقع شديد الصعوبة والذي ينطبق عليه المثل المعروف «العين بصيرة واليد قصيرة».
الزرفي، رغم المعارضة الشديدة التي لا يزال يتعرض لها من الكتل الرافضة له، وبخاصة «الفتح» والفصائل المسلحة، يواصل مشاوراته في تشكيل الحكومة. فالرجل وطبقا لسياقات عمله فإنه يجري لقاءات داخلية مع مختلف الأطراف السياسية من أجل ضمان تمرير حكومته، كما إنه أجرى خلال الأيام الماضية لقاءات مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في العراق فضلا عن السفيرين المصري والأردني وممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت. ويسعى الزرفي عبر هذه اللقاءات لأن يستمد شرعيته من الداخل والخارج معا لأنه يسعى لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجهه عن طريق إشراك الجميع معه في هذه المسؤولية الخطيرة، رغم كل المصاعب التي يتعرض لها حتى الآن. وبشأن ما إذا كان الطريق يبدو سالكا أمامه أم لا، يقول النائب عن حركة «إرادة» حسين عرب لـ«الشرق الأوسط» إن «تشكيل الحكومة لا يزال يمر بظروف صعبة ويمكن القول إنه لا يوجد طريق واضح المعالم حتى الآن». وأضاف عرب إن «الزرفي لم يتمكن حتى الآن من إقناع الزعماء لكنه تمكن من إقناع غالبية نواب الشيعة كونه زميلا لهم في البرلمان».
أما الأكراد، وإن كانوا لم يبدأوا مشاوراتهم مع الزرفي، فيبدون مؤيدين له عبر ما قدموه من إشارات في هذا السياق مع تأكيدهم على ضمان حقوق إقليم كردستان. وأما التركمان - على لسان نائب رئيس الجبهة التركمانية حسن توران وطبقا لما أكده لـ«الشرق الأوسط» - فإنهم يؤيدون «الزرفي في تشكيل الحكومة وسوف يدعمونه شريطة أن يلتزم حقوق المكونات». وأخيراً، بالنسية للعرب السنة، فإنهم على لسان القيادي البارز في كتلة «تحالف القوى العراقية» محمد الكربولي لم يبدأوا بعد «حوارات رسمية مع الزرفي». ولقد وصف الكربولي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الزرفي بأنه «خيار جيد في هذه المرحلة» مؤكدا أن «المشاورات الجارية معه حتى الآن شخصية وليست رسمية». وحول ما إذا كانت لدى السنة شروط مسبقة لإجراء مباحثات مع الزرفي حول تشكيل الحكومة، يقول الكربولي «ما يهمنا هو ما يقوم به من مباحثات مع الكتل الشيعية، وكيف سيكون اتفاقه معها. وبالتالي، فإن ما يتوصلون إليه من شروط تنطبق عليهم تنطبق علينا»، كاشفا أن «السنة لن يبدأوا مباحثات رسمية مع الزرفي إلا بعد أن يقنع نصف الكتل الشيعية».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»