الانسحاب الفرنسي من العراق «مؤقت لدواع صحية»

TT

الانسحاب الفرنسي من العراق «مؤقت لدواع صحية»

وحدها الدواعي الصحية هي التي دفعت السلطات الفرنسية لاتخاذ قرار ترحيل وحداتها العسكرية الموجودة في العراق منذ عام 2014، والتي لا يزيد تعدادها اليوم على 200 رجل يضاف إليهم بضع عشرات من رجال الكوماندوس الذين يمنع الحديث عنهم وعن أماكن وجودهم.
الخبر جاء بداية، صباح أمس، على لسان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية ولم تؤكده قيادة الأركان الفرنسية إلا ليلا في بيان مقتضب. وبينما غابت عن كلام المسؤول العراقي أي إشارة إلى الأسباب التي حفزت الجانب الفرنسي على اتخاذ قراره، أوضحت باريس أن وباء الكورونا فيروس المستجد «كوفيد - 19» هو الذي دفعها لذلك. وجاء في بيانها أن «التحالف الدولي، بالتنسيق مع الحكومة العراقية، قرر إعادة النظر في نشر قواته في العراق ووضع حد، مؤقتا، لأنشطة تدريب القوات الأمنية العراقية نظرا للأزمة الصحية»، في إشارة إلى تفشي وباء الكورونا فيروس. ويضيف بيان قيادة الأركان أن فرنسا «قررت ترحيل أفراد عملية (الشمال) المنتشرين في العراق وذلك حتى أجل غير محدد». وبما أن مهمة القوات الفرنسية، منذ أن تم القضاء ميدانيا على تنظيم «داعش»، تنحصر في تدريب القوات العراقية، وبما أن الجيش العراقي قرر، من جانبه، وقف هذه العمليات تلافيا لانتشار الفيروس بين أفراد قواته المسلحة وفي أوساط المدربين الغربيين، فإن وجود الوحدات الفرنسية لم يعد له معنى أقله في الوقت الحاضر، مثلما يوحي بذلك البيان الفرنسي الذي يفهم منه ضمنا أن عودة هذه الوحدات إلى العراق غير مستبعد. وذهب بيان القيادة المركزية الأميركية أمس، في الاتجاه عينه إذ أشار إلى أن التحالف سيعيد «مؤقتا» إلى بلادها العناصر الضالعة في عمليات التدريب. وهكذا يتبين أن القرار الفرنسي تم إذن بالتفاهم مع قيادة التحالف من جهة ومع الحكومة العراقية من جهة أخرى.
ليس من سبب يدفع إلى التشكيك في صحة الدوافع الفرنسية. فالفيروس القاتل آخذ بالانتشار في العراق حيث اتخذت الحكومة إجراءات صارمة كغيرها من البلدان، بما فيها فرنسا التي ارتفع عدد الوفيات فيها إلى الألف. بيد أننه تتعين الإشارة إلى أن مصير الحضور العسكري الفرنسي في العراق طرح على بساط البحث بعد توتر الأوضاع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران وبعدما ظهر أن القواعد التي يشغلها التحالف في العراق أصبحت عرضة لإطلاق الصواريخ. وما كانت «ولا تزال» تتخوف منه السلطات الفرنسية هو أن يتحول العراق إلى ساحة تصفية للحسابات بين واشنطن وطهران ما من شأنه أن يضرب استقرار هذا البلد ويزيد من انقساماته من جهة، وأن يقيم موانع أمام المهمة التي اختطتها فرنسا لنفسها وهي تدريب القوات العراقية، ومن جهة ثالثة، أن يشكل خطرا على أمن الوحدات الفرنسية كما هي حال الوحدات الأخرى التي ما زالت منتشرة في العراق. وتضيف مصادر أوروبية واسعة الاطلاع في باريس أن فرنسا «لا تمتلك رؤية واضحة حول ما تريده واشنطن في العراق وما تنوي القيام به». وفي نظر باريس، فإن التجربة الأميركية في سوريا يمكن أن تتكرر في العراق بحيث تستطيع واشنطن أن تقرر غدا أو بعد غد الانسحاب، أو على العكس، تعزيز مواقعها وبناء قواعد جديدة ونشر وحدات إضافية.
ثمة اقتناع في باريس مفاده أن خروج القوات الفرنسية ضعيفة العدد، مؤقتا أو بشكل دائم، من العراق «لن يغير ميدانيا أي شيء باعتبار أن نقطة الثقل تبقى الوجود العسكري الأميركي». إلا أن لخروج باريس مغزى سياسيا ويمكن أن يكون له تأثيره على دول لها قوات على الأرض. وبأي حال، تعتبر باريس أنها لعبت دورا فاعلا في إطار التحالف وفي محاربة «داعش». وبحسب الأرقام الخاصة بوزارة الدفاع الفرنسية، فإن الوحدات الفرنسية دربت، منذ عام 2014 ما لا يقل عن 9100 جندي عراقي و400 ضابط مدرب ما يشكل 25 في المائة مما قامت به جميع قوات التحالف في ميدان التدريب. وشاركت باريس بالعمليات الجوية ضد «داعش» حيث قامت بتدمير 2370 هدفا. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا أرسلت وحدات مدفعية حديثة لعبت دورا مهما في العمليات العسكرية. واستخدمت الطائرات الفرنسية قاعدتين عسكريتين: واحدة في دولة الإمارات والثانية في الأردن، إضافة إلى حاملة الطائرات ذات الدفع النووي شارل ديغول التي أبحرت مرارا في مياه المتوسط.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».