بوتين يتعهد «تحقيق النصر» على الوباء خلال ثلاثة أشهر

موسكو تشدد الإجراءات لإبطاء انتشار الفيروس وتستعد لـ«الأسوأ»

TT

بوتين يتعهد «تحقيق النصر» على الوباء خلال ثلاثة أشهر

أطلقت موسكو تدابير إضافية لمواجهة انتشار فيروس كورونا وسط توقعات متشائمة بتزايد معدلات انتقال العدوى في العاصمة الروسية. وتعهد الرئيس فلاديمير بوتين «الانتصار» على الوباء في غضون ثلاثة أشهر، في رسالة طمأنة للمواطنين جاءت بعد مرور يوم واحد على اعلانه رزمة اجراءات وصفتها اوساط روسية بأنها «لم تكن مقنعة».
وأعلنت غرفة عمليات مكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في روسيا اليوم (الخميس)، تسجيل 182 إصابة جديدة بالفيروس في 18 إقليماً من أقاليم البلاد، من بينها 136 إصابة في العاصمة موسكو ليبلغ عدد الإصابات 840، في 56 إقليماً. وتم تسجيل اكثر من ثلثي الاصابات في العاصمة الروسية ما جعلها البؤرة الاخطر لانتشار الوباء. وبرغم ان سلطات موسكو تجنبت إعلان حال الإغلاق الكاملة في المدينة، فإن حكومة العاصمة وجهت تحذيراً للمواطنين بعدم مغادرة المدينة الى مناطق أخرى، بالتزامن مع الاعلان عن إغلاق المنتجعات والمناطق الترفيهية في كل الأراضي الروسية لمنع الانتقال اليها من المدن التي تشهد انتشارا للعدوى. كما حضّت سلطات المدينة سكان المناطق الاخرى بعدم التوجه الى العاصمة إلا في حالات الضرورة القصوى.
وأعلنت روسيا تعليق كل الرحلات الدولية اعتباراً من منتصف ليل الخميس - الجمعة بموجب مرسوم حكومي استثنى الرحلات الخاصة التي ستعيد المواطنين الروس من الخارج.
ودخلت حيز التنفيذ بموجب المرسوم الذي نشر الخميس تدابير أخرى أُعلن عنها عمدة موسكو سيرغي سوبيانين بينها إغلاق الحدائق العامة والمجمعات التجارية المطاعم والمقاهي حتى 5 أبريل (نيسان) المقبل، باستثناء الصيدليات ومحلات البقالة.
وفي حديثه عن قرار الرئيس الروسي إعلان عطلة في روسيا لمدة اسبوع، قال سوبيانين ان هذه «ليست إجازة، ولكنه إجراء جاد لمنع الانحدار نحو وضع أسوأ». ولفت الى ان معدلات الانتشار الحالية في روسيا لم تبلغ ذروتها، محذراً من أن الفترة المقبلة قد تشهد تزايدا كبيرا.
وكان بوتين قد أعلن في خطاب بثه التلفزيون رزمة إجراءات اقتصادية ومعيشية، لمساعدة قطاعي الأعمال المتوسطة والصغيرة على تجاوز الأزمة ومساعدة فئات من العائلات ذات الدخل المحدود. كما اعلن عن عطلة في البلاد لمدة اسبوع قال ان الهدف منها إبطاء انتشار الفيروس.
لكن هذا الخطاب اثار انتقادات واسعة، وقال خبراء ان الرئيس تجنب الحديث عن تشديد الاجراءات لمواجهة انتشار الفيروس، وان الروس كانوا يأملون كما حدث في خطابات الزعماء الغربيين ان يستمعوا من الرئيس الى تدابير واضحة وحددة تحميهم .
ونقلت وسائل اعلام عن المستشار السابق للرئيس بوتين، الاقتصادي أندريه إلاريونوف: «في وقت أكبر محنة وطنية، لم يقل بوتين في الواقع أي شيء عن الناس أو صحتهم أو التهديد الوحشي الذي يخيم على البلاد. ولم يقل أي شيء عن الضحايا. و يبدو أن المعلومات حول الوفيات في موسكو قد تم الاحتفاظ بها عمدا حتى نهاية خطاب بوتين».
وزاد الخبير انه «على عكس قادة الدول الأخرى لم يتحدث بوتين كثيرا عن الوباء، بل تحدث عن أمور أقرب الى اهتمامه بشأن فرض ضرائب جديدة، على أرباح الأسهم، وعلى الأوراق المالية».
في مواجهة هذه الانتقادات تعمد بوتين توجيه تطمينات مباشرة الى المواطنين، وقال ان روسيا «سوف تتغلب على الفيروس باسرع ما يتوقع كثيرون». واوضح أن تقارير قدمت اليه تشير الى ان «الانتصار على كورونا قد يستغرق نحو ثلاثة أشهر في روسيا». ورأى أن «هذه توقعات جيدة لأنهم في بعض البلدان يقولون إن الحرب ستستمر مع الفيروس فترة طويلة جداً».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟