باريس تمتنع «مؤقتاً» عن تمديد العمل بنظام الحظر وترهنه بالتطورات

باريس تمتنع «مؤقتاً» عن تمديد العمل بنظام الحظر وترهنه بالتطورات
TT

باريس تمتنع «مؤقتاً» عن تمديد العمل بنظام الحظر وترهنه بالتطورات

باريس تمتنع «مؤقتاً» عن تمديد العمل بنظام الحظر وترهنه بالتطورات

قبل أسبوعين، عمدت رئاسة الجمهورية الفرنسية إلى تشكيل «المجلس العلمي»، ومهمته تقديم المشورة للرئيس إيمانويل ماكرون وللحكومة حول سبل مكافحة فيروس كورونا (كوفيد - 19) والسياسات التي يتعين على الحكومة العمل بموجبها. لكن يبدو أن قيام هذا المجلس ليس كافياً، إذ عمد ماكرون إلى تشكيل مجموعة علمية جديدة من 12 شخصية تحت مسمى «الهيئة الخاصة بالتحليل والبحث والاستشارة»، غرضها مساعدة الحكومة على اتخاذ القرارات الخاصة بالأوجه العملية لمحاربة الفيروس. وفيما يحمي وطيس الجدل بين محبذ ومتحفظ حول الأدوية المتاحة لمعالجة المصابين، فإن مهمة الهيئة هي متابعة الأبحاث ونقل صورة علمية وموضوعية حول ما يمكن الأخذ به أو الابتعاد عنه. وما يحبط إلى حد كبير المسؤولين الفرنسيين في قطاع الصحة أو على المستوى الحكومي، أن أسبوعاً كاملاً من الحظر الشديد لم يأتِ بأي مفعول ميدانياً، بل إن أعداد الضحايا والمصابين ترتفع باستمرار. حتى ليل الثلاثاء - الأربعاء، أجهز الفيروس وفق الأرقام التي أفصح عنها مدير عام وزارة الصحة جيروم سالومون، على 240 شخصاً خلال 24 ساعة. إلا أن المسؤول الصحي الفرنسي سارع إلى التنبيه إلى أن هذا الرقم ليس شاملاً، وهو يقتصر فقط على المتوفين في المستشفيات، ولا يشمل المتوفين في مراكز إيواء العجزة أو خارجها، ما يعني أن أعداد الضحايا هي «أكثر بكثير». وبأي حال، فإن فرنسا تخطت سقف الألف ضحية، فيما زاد عدد الأشخاص الذين تتم معالجتهم في المستشفيات على 10 آلاف، بينهم ما لا يقل عن 2600 في العناية الفائقة.
إزاء هذا الوضع، سارع رئيس الحكومة، عقب اجتماع مجلس الوزراء أمس، إلى دعوة الفرنسيين إلى الصبر والتحلي بالنفس الطويل. وقال إدوار فيليب إنه «يتعين علينا أن نبذل جميعاً جهوداً بعيدة المدى» لمواجهة الفيروس. وجاء اجتماع مجلس الوزراء الأول بعد أن دخلت فرنسا في «حالة الطوارئ الصحية» التي وفرت للحكومة الأداة القانونية لاتخاذ التدابير القاسية التي تراها ضرورية، من أجل مزيد من الفعالية في محاربة الوباء. إلا أن الحكومة ومعها الرئيس ماكرون ما زالا مترددين في الإعلان عن تمديد العمل بالحظر الذي ينتهي مبدئياً آخر الشهر الحالي. والحال أن «المجلس العلمي» أوصى بأن يمدد العمل به إلى 6 أسابيع. ووفق رئيس الحكومة ووزير الصحة أوليفيه فيران، فإن الحكومة «ستمدد العمل بالحظر إذا دعت الحاجة». وتجدر الإشارة إلى أنها عمدت إلى تشديد شروطه، بعدما تبين لها أن جانباً من المواطنين يفسر شروط الخروج من المنزل على هواه. لذا أصدر إدوار فيليب تعميماً ضمنه الظروف المحددة التي تتيح ترك المنزل. والرياضيون وأفراد الأسرة، لم يعد يسمح لهم بالابتعاد عن مكان السكن أكثر من كيلومتر واحد، لساعة واحدة في اليوم، ويتعرض المخالف لدفع غرامة مرتفعة يمكن أن تزيد أضعافاً إذا تكررت المخالفة.
وأمس، وقّع رئيس الحكومة 25 قراراً، بموجب العمل بحالة الطوارئ الصحية، الغرض منها تخفيف وطأة الأزمة الراهنة اجتماعياً واقتصادياً. ومما تقرر إنشاء «صندوق تعاضدي» برأس مال يصل إلى مليار يورو لمساندة الشركات الصغيرة غير القادرة على تحمل تبعات توقف الدورة الاقتصادية إلى حد بعيد. وأكد وزير الاقتصاد، برونو لومير، أن الحكومة «لن تترك أحداً جانباً». كذلك تتضمن تخفيف بعض بنود قوانين العمل، أو تكفل الدولة بدفع رواتب الموظفين والعمال الذين يحالون إلى البطالة المؤقتة والذين شارفت أعدادهم على المليون. وفي سياق ذي صلة، ومن أجل تخفيف الضغوط في السجون، أفادت وزيرة العدل أن ما بين 5 إلى 6 آلاف سجين يمكن أن يفرج عنهم في الأسابيع المقبلة. وتخشى إدارة السجون أن تمتد عدوى «كوفيد - 19» إلى السجون، وأن تنتشر بسرعة بسبب الازدحام وغياب وسائل الوقاية.
بيد أن مصدر القلق الكبير للسلطات الصحية يكمن في مصير كبار السن حيث تتكاثر الوفيات، ويزداد عدد المصابين، من النزلاء أو من الأطباء والممرضين، وذلك في ظل غياب وسائل الحماية الأساسية، مثل الكمامات وسوائل التطهير وفقدان الأسرة في المستشفيات، وكذلك أجهزة التنفس الاصطناعي وإمكانات إجراء الفحوص المخبرية على نطاق واسع. ورغم أن الانتقادات الموجهة للحكومة تخرج بين الحين والحين، فإن هناك ما يشبه «الاتفاق الضمني» لتأجيل فتح الملفات الساخنة لما بعد انتهاء الأزمة الطاحنة.
وثمة اعتقاد راسخ لدى أهل الاختصاص في فرنسا أن «الآتي أعظم»، وأن اللحظة التي ستتوقف فيها أعداد المصابين عن ارتفاع لم تحن بعد. وهناك من لا يستبعد أن تعرف فرنسا ما تعيشه إيطاليا أو إسبانيا حالياً. وحتى اليوم، رفض ماكرون استنساخ «النموذج الصيني» أو الكوري الجنوبي، إذ إنه متمسك بعدم فرض حظر شامل بسبب حرصه على بقاء الدورة الاقتصادية قائمة، خصوصاً في القطاعات «الاستراتيجية» الضرورية لحياة المجتمع. وبالتوازي تدور «معركة» بين مؤيد لما يقترحه الطبيب الاختصاصي في الأوبئة، ديديه راولت، وبين رافض له. فهذا الطبيب يقترح معالجة المصابين بالفيروس بدواء يعتمد على جزيئة «الكلوروكين» وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي قبل عدة أيام. وبحسب راولت، فإنه أجرى اختبارات على 24 شخصاً بيّنت فائدة هذه الجزيئة، فيما يرى الجسم الطبي والعلمي أن هذه الاختبارات غير كافية. وأمس، أعلن راولت انسحابه من «المجلس العلمي» مؤكداً أنه يفضل التعامل «مباشرة» مع الرئيس ماكرون. ومنذ عدة أيام، يتهافت مئات المواطنين على الصيدليات لشراء دواء «بلاكونيل»، وهو الاسم التجاري للجزيئة. ولا يستبعد مراقبون أن تكون وراء الجدل حسابات ربحية وتنافسية بين المختبرات التي انطلقت جميعها، في فرنسا وخارجها، في سباق للوصول إلى اللقاح الناجع أو الدواء المفيد.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».