بعد مفاوضات دامت أكثر من عام، وقع الأميركيون أخيراً على اتفاقية سلام مع حركة «طالبان»، وهي الفصيل ذاته الذي أزاحته الولايات المتحدة من السلطة في أفغانستان بالقوة العسكرية عام 2001. وبذلك يصبح الباب الذي ستخرج منه الولايات المتحدة من أفغانستان هو الباب نفسه الذي ستدخل من خلاله «طالبان». لهذا فقد ردت الهند بحذر على الاتفاقية، وإن أشارت إلى أن الطيف السياسي بأكمله في أفغانستان رحب بالتوقيع، ودعت إلى تسوية سياسية دائمة من خلال عملية تديرها أفغانستان ويسيطر عليها الأفغان.
وكانت الهند من بين الدول التي دعيت مراقباً لتشهد اتفاق السلام الذي وقع في الدوحة. لكن في لفتة تضامن جرت قبل ذلك، سافر وزير الخارجية الهندي هارش شرينغلا إلى كابل لطمأنة الرئيس الأفغاني أشرف غني وغيره من كبار أعضاء حكومته من الدعم المستمر والتعاون الوثيق في تنمية البلاد. كما سلم شرينغلا رسالة من مودي إلى غني عبرت عن الأهمية التي لا تزال نيودلهي توليها لعلاقاتها مع كابل، لكن بأمل يشوبه قدر كبير من القلق.
كيف تنظر نيودلهي إلى السيناريو المحتمل؟
بحسب المعلق شارات سابهاروال، فإن «الهند، رغم كونها ثاني أكبر مانح للمساعدات الخارجية لأفغانستان وتلقيها إشعاراً بالتوقيع قبل وقت كافٍ، فقد اكتفت بمراقبة المفاوضات وتوقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة و(طالبان) ولم تغير من نهجها تجاه (طالبان)».
ويقول سابهاروال: «لا عجب»، فقد استبعدت الهند من قائمة «الشكر» التي تلاها كبير مفاوضي «طالبان» الملا عبد الغني بارادار، والتي تضمنت باكستان (في إشارة خاصة) والصين وإيران وروسيا، مضيفاً أن الهند استثمرت طويلاً - على الصعيدين الدبلوماسي والمالي - في أفغانستان، وحان الوقت لنيودلهي أن تفكر بسرعة لأن الاستراتيجية تدور حول البحث عن ضوء في نهاية النفق المظلم.
تنظر الهند إلى التطورات الأفغانية الأخيرة بخوف مبرر في الغالب وببعض الأمل، نظراً لتاريخها السابق مع أفغانستان عندما كانت تسيطر عليها «طالبان»، وهو التاريخ المليء بالأحداث غير السارة بكل تأكيد. على رأس القائمة تأتي حادثة رحلة طيران الهند رقم 814. ففي ديسمبر (كانون أول) 1999، تعرضت طائرة الخطوط الجوية الهندية المتجهة إلى قندهار للاختطاف من قبل إرهابيين باكستانيين حصلوا لاحقاً بمساعدة «طالبان» على إطلاق سراح لزعيم «جيش محمد»، مسعود أظهر، من سجن هندي مقابل حرية الركاب.
ولاحظ السكرتير الهندي الخاص لحكومة الهند السابق فابالا بالاشاندران أن «الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو الثمن الذي قد تحصل عليه باكستان من الولايات المتحدة مقابل دفع (طالبان) إلى الجلوس على طاولة المحادثات. قد يكون الثمن هو الحصول على امتياز غامض بخروجها من (القائمة الرمادية لفريق العمل المالي) لمساعدتها في الحصول على قروض واستثمارات دولية. فالجمع بين باكستان و(طالبان) واستخدام أفغانستان لشن أنشطة إرهابية ضد الهند من شأنه أن يشكل تحدياً خطيراً لنيودلهي».
في بيان مشترك بعد محادثاته مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي في نيودلهي، أكد ترمب للقيادة الهندية تقارب الأفكار حول مستقبل أفغانستان بقوله إن الهند والولايات المتحدة تتشاركان في مصلحة واحدة؛ هي أن تبقى أفغانستان موحدة وذات سيادة وديمقراطية وشاملة ومستقرة ومزدهرة.
قد تظل الهند صامتة وواثقة تماماً من أن الولايات المتحدة لن تتمكن من مغادرة أفغانستان، والواقع أن حوار الصم بين كابل و«طالبان» قد لا يفضي إلى أي شيء. لهذا السبب حذر الرئيس ترمب قائلاً: «إذا حدثت أمور سيئة، سنعود وبقوة لم يرَ أحد لها مثيل من قبل».
الجغرافيا السياسية الإقليمية
سيغير خروج الولايات المتحدة من أفغانستان سياسات جنوب آسيا، خصوصاً أن الولايات المتحدة استخدمت باكستان نقطة انطلاق للتوصل إلى اتفاق سلام مع «طالبان». قد يرفع ذلك من أهمية باكستان داخل المنطقة في نظر واشنطن، كما يتضح من إعادة الولايات المتحدة لتدريب الجيش الباكستاني. وإذا كان التقارب بين الولايات المتحدة وباكستان قد حدث في سياق سياسة ترمب الأفغانية، فستكون الآثار أكثر من مجرد إقليمية بالنسبة للهند.
وقال راكيش سود، أحد سفراء الهند السابقين البارزين لدى أفغانستان، إن «(طالبان) هي الرابح الأكبر والهند هي الخاسر الرئيسي من صفقة ترمب مع (طالبان)، التي رفضت قبول دستور أفغانستان والديمقراطية والحريات المدنية».
وفي حديثه عن الهند، ذكر سود لصحيفة «ذا واير» أن هناك شعوراً قوياً بأن الهند هي الخاسر الرئيسي في صفقة ترمب مع «طالبان». أولاً، تعزز هذه الصفقة من وضعي باكستان و«طالبان»، وبالتالي ستخلق بيئة معاكسة على الحدود الغربية للهند. ثانياً، ضعف حكومة غني، التي قد تتلاشى قريباً من الوجود، وإمكانية تشكيل حكومة «طالبان» يعني أن الهند سيكون لها دور متضائل إلى حد كبير في تنمية أفغانستان.
وأشار أيضاً إلى أن سراج الدين حقاني هو المسؤول الثاني في حركة «طالبان» وسوف يلعب الآن دوراً أقوى بكثير في أفغانستان. يجب أن يكون ذلك سبباً آخر للقلق بالنسبة للهند، لأن جماعة «حقاني» هي التي قصفت السفارة الهندية في كابل عام 2008 وقتلت أكثر من 50 شخصاً.
يشير بحث بعنوان «التنافس بين الهند وباكستان في أفغانستان» بقلم زكاري كونستانتينو، محلل حكومي أميركي سابق عمل أيضاً مستشاراً استراتيجياً لقائد القوات الأمريكية في أفغانستان، نشر في يناير (كانون الثاني) 2020 من قبل المعهد الأميركي للسلام إلى أن «أفغانستان مسرح منافسة مرتبطة بديناميكيات أكثر أهمية تقود الصراع بين الهند وباكستان، وهو الصراع الذي لا يبدي أي علامة على التراجع».
الطريق إلى الأمام بالنسبة للهند
الهند التي شهدت نفوذاً متنامياً في أفغانستان منذ تدخل الولايات المتحدة نهاية عام 2001 لم تكن متحمسة مطلقاً لتقارب واشنطن مع «طالبان». كما أن دلهي نأت بنفسها عن أي اتصال رسمي مع «طالبان». ويقول المنتقدون إن تلك السياسة صارمة للغاية، بحيث لا يمكنها التعامل مع الوضع الأفغاني الديناميكي.
يتعين على نيودلهي التخلي عن موانعها لدعم الاتفاق، والانخراط مع «طالبان» لتصبح جزءاً من عملية السلام للوصول إلى الأفضل لصالح الشعب الأفغاني.
وصرح الملازم الهندي المتقاعد الجنرال إتش إس باناج، بقوله: «بصفتها الراعي الرئيسي لها، فإن باكستان ذات تأثير كبير على (طالبان). لكن الهند لديها ما لا تملكه باكستان - النفوذ الاقتصادي لمساعدة أفغانستان - ولم تفشل المساعدة الاقتصادية أبداً في إحداث تأثير. يجب علينا أيضاً المشاركة بنشاط في المشاريع الاقتصادية الثلاثية بين الهند والصين وأفغانستان على النحو المتفق عليه في ووهان في عام 2018. ولهذا السبب، يجب أن نجبر الصين على التأثير على باكستان لفتح طرق التجارة والعبور إلى أفغانستان. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب علينا أن نعاود التزامنا مع باكستان مع التركيز على التعاون الاقتصادي وطرق العبور. ومن شأن ذلك أن يخفف مخاوف باكستان من نفوذ الهند في أفغانستان. وللاستعداد لأسوأ السيناريوهات، يجب أن نتعامل مع التحالف العرقي من دون (طالبان) عندما يتم تشكيله ومساعدته اقتصادياً وعسكرياً عبر طاجيكستان».
وفي هذا الصدد، كتب المحلل الجيوسياسي المستقل والخبير سومير بهاسين، يقول إنه «يجب على الهند التوقف عن النظر إلى أفغانستان من خلال منظور باكستان، وعليها أن تكون مساهماً رئيسياً في تطوير السلام والازدهار في البلاد. يجب على الهند الاستفادة من حسن النية بين الأفغان العاديين والقيام بدور استباقي في بناء القدرات والتنمية الاقتصادية في أفغانستان».
والأهم من ذلك، ينبغي على الهند أن تشارك بشكل استباقي مع قيادة «طالبان» للمساعدة في تنمية أفغانستان.
وفي الإطار ذاته، تساءل فيفيك كاتجو، وزير الشؤون الخارجية والشرق الأوسط السابق، قائلاً إن «جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين يتعاملون مع (طالبان)، فما الذي يمنعنا من فعل الشيء نفسه؟»، مضيفاً أن «المشاركة بالضرورة لا تعني المصادقة».
الهند... والحيرة من التورط في المستنقع الأفغاني
تخشى أن تصبح الخاسر الرئيسي في صفقة تعزز من وضعي باكستان و«طالبان»
الهند... والحيرة من التورط في المستنقع الأفغاني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة