الحرب السورية على «كورونا»: مدخل جديد لضغوطات وتفاهمات

عناصر من الدفاع الوطني يعقمون مناطق في شمال سوريا ( أ ف ب)
عناصر من الدفاع الوطني يعقمون مناطق في شمال سوريا ( أ ف ب)
TT

الحرب السورية على «كورونا»: مدخل جديد لضغوطات وتفاهمات

عناصر من الدفاع الوطني يعقمون مناطق في شمال سوريا ( أ ف ب)
عناصر من الدفاع الوطني يعقمون مناطق في شمال سوريا ( أ ف ب)

قدم «كورونا» مدخلاً جديداً في سوريا، من بوابة إدلب. يواجه السوريون في دمشق وإدلب والقامشلي، الفيروس بارتباك، في وقت يتبادل «اللاعبون» اللوم ويبحثون فيما تبقى من طاقتهم الدبلوماسية، عن فرص الإفادة من هذا الوباء للوصول إلى اختراقات سياسية وسط وجود ثلاث «نوافذ» مختلفة بين الدول الغربية.
في دمشق، أعلنت الحكومة بعد إنكار لأسابيع، وجود إصابة أكيدة بـ«كورونا» وسط اعتقاد بأن عدد المصابين أكبر وتقارير عن حرق وإتلاف لوازم لأشخاص أصيبوا بالوباء في مستشفيات وأماكن عامة. وكثفت الحكومة جميع الإجراءات العسكرية والتنفيذية والاقتصادية والخدمة لمواجهة الفيروس ومنع انتشاره. كما صدر مرسوم رئاسي على أمل إخلاء بعض المعتقلات المكتظة من السجناء. وفي مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات، جرى اتخاذ إجراءات مماثلة مع فرض عقوبات على مخالفي حظر التجول على أمل الإفادة من البنية التحتية الضعيفة التي وفرها التحالف الدولي ضد «داعش»، في مواجهة الوباء. لكن القلق الأكبر، هو في شمال غربي سوريا، حيث يوجد أكثر من ثلاثة ملايين شخص بينهم نحو مليون نازح جديد من دون بنية تحتية طبية ومستشفيات ولوازم.
الفرق بين المناطق الثلاث، كان محور جدل بين ممثلي دول غربية والأمم المتحدة؛ ذلك أن عمل منظمة الصحة العالمية يقتصر على دمشق ومناطق الحكومة، في وقت تضغط دول غربية على الأمم المتحدة للعمل والبدء باختبارات الكشف عن الفيروس في إدلب ومناطق معارضة، وتكثيف الجهود في غازي عنتاب جنوب تركيا قرب الحدود السورية.
لكن مقاربة الإفادة من مخاطر «كورونا» سياسياً، قوبلت بعقبات جراء وجود مقاربات أو نوافذ مختلفة بين اللاعبين: أولاً، موقف الأمم المتحدة من دمشق وإدلب. ثانياً، انقسام دول أوروبية بالتعاطي مع مطالب تركيا. ثالثاً، مسار التفاهمات الروسية - التركية وموقف الدول الغربية منها.
بالنسبة إلى العقبة الأولى، تعترف الأمم المتحدة بالحكومة السورية ولا تعمل رسمياً في مناطق خارجة عن سيطرتها. لذلك؛ تثير بعض الدول مطالب بتحويل مخصصات مالية من دمشق إلى إدلب لدعم مواجهة الوباء. كما تتمسك واشنطن وعواصم أوروبية بفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية وسط مطالب بتعجيل تنفيذ «قانون قيصر» الذي يتضمن معاقبة أي جهة سورية أو غير سورية تساهم في إعمار سوريا قبل تحقيق حل سياسي ذي صدقية. كما تبحث دوائر أميركية فرض قائمة جديدة من العقوبات على شخصيات رئيسية في دمشق وتواصل حملتها ضد جهود إعادة دمشق إلى الجامعة العربية أو مساهمة عربية من القطاع الخاص أو الحكومي بإعمار سوريا.
بالنسبة إلى واشنطن ودول أوروبية، هذا بمثابة رد على مطالب الحكومة السورية بـ«رفع العقوبات الغربية لمواجهة (كورونا)». لكن في الوقت نفسه، لا تزال واشنطن تفتح نافذة، وهي إمكانية الموافقة على «استثناءات طبية لحالات خاصة» أو عدم عرقلة إنجاز يتعلق بفتح طريق حلب - دمشق مقابل تنازلات محددة من دمشق، قد يكون أحدهما إطلاق الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي يعتقد أنه معتقل في دمشق أو السير بالعملية السياسية. وتخص العقبة الثانية، التعاطي الأوروبي مع مطالب تركية. الرئيس رجب طيب إردوغان طلب من قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا تقديم دعم لـ«الوجود التركي الدائم شمال سوريا»، خصوصاً ما يتعلق بإسكان وإقامة اللاجئين السوريين لتحفيزهم على عدم الهجرة إلى أوروبا. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت في البداية مرنة في التعاطي مع الطلب التركي مقابل تشدد فرنسي - بريطاني. لكن هذه الدول عادت واتفقت على أنها لا تريد من خلال «شرعنة» الوجود التركي الدائم في إدلب تسجيل سابقة في العلاقات الدولية.
من هنا تطل العقبة الثالثة؛ ذلك إذ إن الدول الغربية تجد نفسها خارج مسار التفاهمات الروسية - التركية في إدلب. وإذ لم تستطع واشنطن تقديم أكثر من الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لأنقرة، فإن الدول الأوروبية منقسمة؛ إذ إن لندن وباريس تريدان أن يكون الحوار مع أنقرة «أشمل من إدلب»، بحيث يتناول شرق الفرات والموضوع الكردي، إضافة إلى مطالب أوروبية بـ«تخفيف القبضة» على نشاطات الجمعيات في شمال سوريا. وأعربت بعض الدول عن القلق من احتمال سير الأمور بين أنقرة وموسكو باتجاه مقايضة تخلي تركيا عن جنوب الطريق الدولية بين سراقب وجسر الشغور لصالح قوات الحكومة السورية وروسيا مقابل توغل فصائل موالية لتركيا في عين العرب (كوباني) أو جوارها في شمال سوريا.
وأمام صعوبة، تسييس «الحرب على كورونا»، ظهر اقتراح آخر تضمن تشجيع المبعوث الأممي غير بيدرسن لفتح ملف المعتقلين السوريين للضغط على دمشق كي يكون مدخلاً لتحريك العملية السياسية وتنفيذ القرار 2254 باعتبار أن المدخل الآخر المتعلق بالإصلاح الدستوري مغلق جراء عدم اتفاق وفدي الحكومة والمعارضة على أجندة العمل استمرار الفجوة السياسية... حتى لو كان الاجتماع سيحصل عبر دائرة تلفزيونية احتراماً للمسافات الاجتماعية التي فرضها وباء «كورونا».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».